فعروض المدير عنده وديونه التي يطالب بها الناس إن كانت مرجوة يزكيها عند كل حول ، والدين الحال يزكيه بالعدد ، والمؤجل بالقيمة .
أما عرض المحتكر فلا يقوم عنده ولا زكاة فيه حتى يباع بعين فيزكي العين على حول أصل العرض ، وإلى هذا أشار ابن عاشر ، في " المرشد المعين " بقوله : [ الرجز ]
والعرض ذو التجر ودين من أدار قيمتها كالعين ثم ذو احتكار زكى لقبض ثمن أو دين
عينا بشرط الحول للأصلين
ولا يخفى أن مذهب الجمهور هو الظاهر ، ولم نعلم بأحد من أهل العلم خالف في وجوب زكاة عروض التجارة ، إلا ما يروى عن ، وبعض أتباعه . داود الظاهري
ودليل الجمهور آية ، وأحاديث ، وآثار وردت بذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم ، ولم يعلم أن أحدا منهم خالف في ذلك ، فهو إجماع سكوتي .
فمن الأحاديث الدالة على ذلك : ما رواه أبو ذر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه [ ص: 136 ] قال : " " الحديث . أخرجه في الإبل صدقتها ، وفي الغنم صدقتها ، وفي البز صدقته الحاكم ، ، والدارقطني والبيهقي .
وقال النووي في " شرح المهذب " : هذا الحديث رواه ، في " سننه " ، الدارقطني في " المستدرك " ، والحاكم أبو عبد الله والبيهقي ، بأسانيدهم ، ذكره الحاكم بإسنادين ، ثم قال : هذان الإسنادان صحيحان على شرط ، البخاري ومسلم ، اهـ .
ثم قال : قوله : " " ، هو بفتح الباء وبالزاي ، هكذا رواه جميع الرواة ، وصرح بالزاي وفي البز صدقته ، الدارقطني والبيهقي ، وقال ابن حجر في " التلخيص " : حديث أبي ذر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " " ، أخرجه في الإبل صدقتها وفي البز صدقته ، عن الدارقطني أبي ذر من طريقين ، وقال في آخره : " " ، قالها بالزاي ، وإسناده غير صحيح ، مداره على وفي البز صدقته موسى بن عبيدة الربذي ، وله عنده طريق ثالث من رواية ، عن ابن جريج عمران بن أبي أنس ، عن ، عن مالك بن أوس أبي ذر وهو معلول ; لأن ، رواه عن ابن جريج عمران : أنه بلغه عنه ، ورواه الترمذي في العلل من هذا الوجه ، وقال : سألت عنه فقال : لم يسمعه البخاري من ابن جريج عمران ، وله طريقة رابعة ، رواه أيضا ، الدارقطني والحاكم ، من طريق سعيد بن سلمة بن أبي الحسام ، عن عمران ، ولفظه : " ، وهذا إسناد لا بأس به ، اهـ . في الإبل صدقتها ، وفي الغنم صدقتها ، وفي البقر صدقتها ، وفي البز صدقته ، ومن رفع دراهم أو دنانير لا يعدها لغريم ، ولا ينفقها في سبيل الله ، فهو كنز يكوى به يوم القيامة
فترى ابن حجر قال : إن هذا الإسناد لا بأس به مع ما قدمنا عن الحاكم من صحة الإسنادين المذكورين ، وتصحيح النووي لذلك والذي رأيته في سنن البيهقي : أن سعيد بن سلمة بن أبي الحسام يروي الحديث عن موسى المذكور ، عن عمران ، لا عن عمران مباشرة فانظره .
فإن قيل : قال ابن دقيق العيد : الذي رأيته في نسخة من " المستدرك " في هذا الحديث : " البر " بضم الموحدة وبالراء المهملة ، ورواية التي صرح فيها بالزاي في لفظة البز في الحديث ضعيفة ، وإذن فلا دليل في الحديث على تقرير صحته على وجوب زكاة عروض التجارة . الدارقطني
فالجواب هو ما قدمنا عن النووي ، من أن جميع رواته رووه بالزاي ، وصرح بأنه بالزاي البيهقي ، ، كما تقدم . والدارقطني
[ ص: 137 ] ومن الأحاديث الدالة على وجوب الزكاة في عروض التجارة ما أخرجه أبو داود في " سننه " عن رضي الله عنه ، قال : " سمرة بن جندب الفزاري " ، وهذا الحديث سكت عليه أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يأمرنا أن نخرج الصدقة مما نعد للبيع أبو داود رحمه الله ، ومعلوم من عادته أنه لا يسكت إلا عن حديث صالح للاحتجاج عنده . وقد قال ابن حجر في " التلخيص " في هذا الحديث : رواه أبو داود ، ، والدارقطني ، من حديث والبزار سليمان بن سمرة عن أبيه وفي إسناده جهالة ، اهـ .
قال مقيده ، عفا الله عنه : في إسناد هذا الحديث عند أبي داود حبيب بن سليمان بن سمرة بن جندب ، وهو مجهول ، وفيه جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب ، وهو ليس بالقوي ، وفيه سليمان بن موسى الزهري أبو داود ، وفيه لين ، ولكنه يعتضد بما قدمنا من حديث أبي ذر ، ويعتضد أيضا بما ثبت عن أبي عمرو بن حماس ، أن أباه حماسا قال : مررت على رضي الله عنه ، وعلى عنقي أدم أحملها ، فقال : ألا تؤدي زكاتك يا حماس ؟ فقال : ما لي غير هذا ، وأهب في القرظ قال : ذلك مال فضع ، فوضعها بين يديه ، فحسبها فوجدت قد وجبت فيها الزكاة فأخذ منها الزكاة ، قال عمر بن الخطاب ابن حجر في " التلخيص " في هذا الأثر : رواه ، عن الشافعي سفيان ، حدثنا يحيى ، عن عبد الله بن أبي سلمة ، عن أبي عمرو بن حماس أن أباه قال : مررت ، فذكره ، ورواه بعمر بن الخطاب أحمد ، ، وابن أبي شيبة وعبد الرزاق ، ، عن وسعيد بن منصور به ، ورواه يحيى بن سعيد ، من حديث الدارقطني ، عن حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد أبي عمرو بن حماس ، عن أبيه ، نحوه ، ورواه أيضا عن الشافعي سفيان ، عن ، عن ابن عجلان أبي الزناد ، عن أبي عمرو بن حماس ، عن أبيه ، اهـ .
وحماس بكسر الحاء وتخفيف الميم وآخره سين مهملة ، فقد رأيت ثبوت أخذ الزكاة من عروض التجارة عن عمر ، ولم يعلم له مخالف من الصحابة ، وهذا النوع يسمى ، وهو حجة عند أكثر العلماء ، ويؤيده أيضا ما رواه إجماعا سكوتيا البيهقي عن : " أخبرنا ابن عمر أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة ، من كتابه أنبأ ، حدثنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدة ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي ، حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا حفص بن غياث ، عن عبيد الله بن عمر نافع ، عن ، قال : ليس في العروض زكاة إلا ما كان للتجارة . اهـ . ابن عمر
[ ص: 138 ] قال : وهذا قول عامة أهل العلم ، فالذي روي عن رضي الله عنهما ، أنه قال : لا زكاة في العرض ، قال فيه ابن عباس في كتاب القديم : إسناد الحديث عن الشافعي ضعيف ، فكان اتباع حديث ابن عباس لصحته ، والاحتياط في الزكاة أحب إلي ، والله أعلم ، قال : وقد حكى ابن عمر ابن المنذر ، عن عائشة ، مثل ما روينا عن وابن عباس ، ولم يحك خلافهم عن أحد فيحتمل أن يكون معنى قوله - إن صح - لا زكاة في العرض إذا لم يرد به التجارة " اهـ من سنن ابن عمر البيهقي ، ويؤيده ما رواه مالك في " الموطإ " ، عن ، عن يحيى بن سعيد زريق بن حيان ، وكان زريق على جواز مصر في زمان ، الوليد بن عبد الملك وسليمان ، ، فذكر أن وعمر بن عبد العزيز كتب إليه أن انظر من يمر بك من المسلمين ، فخذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون من التجارات من كل أربعين دينارا دينارا ، فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرين دينارا فإن نقصت ثلث دينار فدعها ، ولا تأخذ منها شيئا . عمر بن عبد العزيز
وأما الآية : فهي قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم [ 2 \ 267 ] ، على ما فسرها به مجاهد رحمه الله تعالى ، قال البيهقي في " سننه " باب : " زكاة التجارة " قال الله تعالى وجل ثناؤه : ياأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم الآية ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو بكر بن الحسن القاضي ، وأبو سعيد بن أبي عمرو ، قالوا : ثنا ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا الحسن بن علي بن عفان ، ثنا يحيى بن آدم ، عن ورقاء أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله تعالى : أنفقوا من طيبات ما كسبتم ، قال : التجارة ، ومما أخرجنا لكم من الأرض ، قال : النخل ، وقال في " صحيحه " ، " باب صدقة الكسب والتجارة " لقوله تعالى : البخاري ياأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ، إلى قوله : أن الله غني حميد ، قال ابن حجر في " الفتح " : هكذا أورد هذه الترجمة مقتصرا على الآية بغير حديث .
وكأنه أشار إلى ما رواه شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد في هذه الآية : ياأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ، قال : من التجارة الحلال ، أخرجه ، الطبري من طريق وابن أبي حاتم آدم عنه ، وأخرجه من طريق الطبري هشيم ، عن شعبة ، ولفظه : من طيبات ما كسبتم قال : من التجارة ومما أخرجنا لكم من الأرض ، قال : [ ص: 139 ] من الثمار .
ولا شك أن ما ذكره مجاهد داخل في عموم الآية ، فتحصل أن جميع ما ذكرناه من طرق حديث أبي ذر ، وحديث المرفوعين وما صح من أخذ سمرة بن جندب عمر زكاة الجلود من حماس ، وما روي عن أبي عمر ، ، وظاهر عموم الآية الكريمة ، وما فسرها به وعمر بن عبد العزيز مجاهد ، وإجماع عامة أهل العلم إلا من شذ عن السواد الأعظم - يكفي في الدلالة على وجوب الزكاة في عروض التجارة ، والعلم عند الله تعالى .