المسألة الخامسة : في ؟ ! زكاة الدين ، وهل الدين مسقط للزكاة عن المدين أو لا
اختلف العلماء في ذلك ، ومذهب مالك - رحمه الله - أن الدين الذي للإنسان على غيره يجري مجرى عروض التجارة في الفرق بين المدير وبين المحتكر ، وقد أوضحنا ذلك في المسألة التي قبل هذا .
ومذهبه رحمه الله : أن الدين مانع من الزكاة في العين وعروض التجارة إن لم يفضل عن وفائه قدر ما تجب فيه الزكاة ، قال في " موطئه " : الأمر المجتمع عليه عندنا أن الرجل يكون عليه دين وعنده من العروض ما فيه وفاء لما عليه من الدين ، ويكون عنده من الناض سوى ذلك ما تجب فيه الزكاة فإنه يزكي ما بيده من ناض تجب فيه الزكاة ، وإن لم يكن عنده من العروض والنقد إلا وفاء دينه فلا زكاة عليه ، حتى يكون عنده من الناض فضل عن دينه ما تجب فيه الزكاة ، فعليه أن يزكيه .
وأما الماشية ، والزروع ، والثمار ، فلا يسقط الدين وجوب زكاتها عنده . ومذهب الإمام رحمه الله أن الشافعي ، فزكاته واجبة إن كان عينا أو عرض تجارة ، وهذا قوله الجديد ، وأما القديم : فهو أن الزكاة لا تجب في الدين بحال . الدين إذا كان حالا على موسر مقر ، أو منكر وعليه بينة
أما إن كان الغريم معسرا ، أو جاحدا ولا بينة ، أو مماطلا ، أو غائبا ، فهو عنده كالمغصوب ، وفي وجوب الزكاة فيه خلاف ، والصحيح الوجوب ، ولكن لا تؤخذ منه بالفعل إلا بعد حصوله في اليد .
وإن كان ففيه وجهان : الدين مؤجلا
أحدهما لأبي إسحاق : أنه كالدين الحال على فقير أو على جاحد . فيكون على الخلاف الذي ذكرناه آنفا .
[ ص: 140 ] والثاني : لأبي علي بن أبي هريرة : لا تجب فيه الزكاة ، فإذا قبضه استقبل به الحول ، والأول أصح ، قاله صاحب المهذب .
أما إذا كان الدين ماشية ، كأربعين من الغنم ، أو غير لازم كدين الكتابة ، فلا تجب فيه الزكاة اتفاقا عندهم ، وإن كان عليه دين مستغرق ، أو لم يبق بعده كمال النصاب فقال في " القديم " : يسقط الدين المستغرق ، أو الذي ينقص به المال عن النصاب وجوب الزكاة ; لأن الملك فيه غير مستقر ; لأنه ربما أخذه الحاكم لحق الغرماء ، وقال في " الجديد " : تجب الزكاة ولا يسقطها الدين لاختلاف جهتهما ; لأن الزكاة تتعلق بعين المال والدين يتعلق بالذمة ، وإن حجر عليه ففيه خلاف كثير . الشافعي
أصحه عند الشافعية : أنه يجري على حكم زكاة المغصوب ، وقد قدمنا حكمه ، وللشافعية قول ثالث ، وهو أن الدين يمنع الزكاة في الأموال الباطنة وهي الذهب والفضة ، وعروض التجارة ، ولا يمنعها في الظاهرة وهي الزروع ، والثمار ، والمواشي ، والمعادن .
والفرق أن الأموال الظاهرة نامية بنفسها بخلاف الباطنة ، وهذا هو مذهب مالك كما تقدم ، ودين الآدمي ، ودين الله عندهم سواء في منع وجوب الزكاة ، ومذهب رحمه الله : أن الإمام أحمد ، فليس عليه إخراج زكاته حتى يقبضه ، فإن قبضه أدى زكاته فيما مضى من السنين . من كان له دين على مليء مقر به غير مماطل
وروي نحوه عن علي رضي الله عنه ، وبه قال ، الثوري ، وأبو ثور وأبو حنيفة ، وأصحابه ، وقال : عثمان ، ، وابن عمر وجابر ، رضي الله عنهم ، ، وطاوس والنخعي ، ، وجابر بن زيد والحسن ، ، وميمون بن مهران ، والزهري وقتادة ، ، وحماد بن أبي سليمان وإسحاق ، وأبو عبيد : عليه إخراج زكاته في الحال ; لأنه قادر على قبضه .
وقد قدمنا أنه قول مالك ، ، فإن كان والشافعي ، فروايتان : الدين على معسر ، أو جاحد ، أو مماطل
إحداهما : لا تجب فيه الزكاة ، وهو قول قتادة ، وإسحاق ، ، وأبي ثور وأهل العراق ; لأنه غير مقدور على الانتفاع به .
والثانية : يزكيه إذا قبضه لما مضى ، وهو قول ، الثوري وأبي عبيد ، وعن ، عمر بن عبد العزيز والحسن ، والليث ، : يزكيه إذا قبضه لعام واحد ، وهذا هو قول والأوزاعي مالك .
[ ص: 141 ] ومذهب أحمد رحمه الله : أن الدين يمنع الزكاة في الأموال الباطنة ، التي هي الذهب والفضة ، وعروض التجارة ، وهذا لا خلاف فيه عنه ، وهو قول عطاء ، ، وسليمان بن يسار ، وميمون بن مهران والحسن ، والنخعي ، والليث ، ، والثوري ، والأوزاعي وإسحاق ، ، وأصحاب الرأي ، وقد قدمنا نحوه عن وأبي ثور مالك رحمه الله .
وقال ربيعة ، : لا يمنع الدين الزكاة في الأموال الباطنة ، وقد قدمناه عن وحماد بن أبي سليمان ، في جديد قوليه . الشافعي
وأما ، فقد اختلفت فيها الرواية ، عن الأموال الظاهرة ، وهي السائمة ، والثمار ، والحبوب أحمد رحمه الله ، فروي عنه أن الدين يمنع الزكاة فيها أيضا كالأموال الباطنة ، وعنه في رواية إسحاق بن إبراهيم : يبتدئ بالدين فيقضيه ، ثم ينظر ما بقي عنده بعد إخراج النفقة ، فيزكي ما بقي .
ولا يكون على أحد دينه أكثر من ماله صدقة في إبل ، أو بقر ، أو غنم ، أو زرع ، ولا زكاة ، وبهذا قال عطاء ، والحسن ، وسليمان ، ، وميمون بن مهران والنخعي ، ، والثوري والليث ، وإسحاق .
وروي أن الدين لا يمنع الزكاة في الأموال الظاهرة ، وبه قال ، وقد قدمناه عن الأوزاعي في " الجديد " وهو قول الشافعي مالك .
إذا عرفت أقوال العلماء في زكاة الدين ، وهل هو مانع من الزكاة ، فاعلم أن اختلافهم في ، وهل إذا لم يزكه قبل القبض يكفي زكاة سنة واحدة ؟ ! أو لا بد من زكاته لما مضى من السنين ؟ ! الدين ، هل يزكى قبل القبض
الظاهر فيه أنه من الاختلاف في تحقيق المناط ، هل القدرة على التحصيل كالحصول بالفعل ، أو لا ؟ ! ولا نعلم في زكاة الدين نصا من كتاب ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا كون الدين مانعا من وجوب الزكاة على المدين إن كان يستغرق ، أو ينقص النصاب ، إلا آثارا وردت عن بعض السلف .
منها ما رواه مالك في " الموطإ " عن ، عن ابن شهاب ، عن السائب بن يزيد : أنه كان يقول : هذا شهر زكاتكم ، فمن كان عليه دين فليؤد دينه ، حتى تحصل أموالكم فتؤدون منه الزكاة . عثمان بن عفان
ومنها ما رواه مالك في " الموطإ " أيضا عن ، عن [ ص: 142 ] أيوب بن أبي ثميمة السختياني : أنه كتب في مال قبضه بعض الولاة ظلما ، يأمر برده إلى أهله ، ويؤخذ زكاته لما مضى من السنين ، ثم عقب بعد ذلك بكتاب ألا يؤخذ منه إلا زكاة واحدة ، فإنه كان ضمارا . اهـ . وهو بكسر الضاد ، أي : غائبا عن ربه لا يقدر على أخذه ولا يعرف موضعه . عمر بن عبد العزيز