قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=30ولدار الآخرة خير ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن
nindex.php?page=treesubj&link=29497دار الآخرة خير من دار الدنيا . وكرر هذا المعنى في مواضع كثيرة ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=80وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير الآية [ 28 \ 80 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=198وما عند الله خير للأبرار ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=16بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=4وللآخرة خير لك من الأولى [ 932 \ 4 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=14زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله الآية [ 3 \ 14 - 15 ] ، وقوله ، خير [ 16 \ 30 ] ، صيغة تفضيل ، حذفت همزتها ; لكثرة الاستعمال تخفيفا .
وإليه أشار
ابن مالك في الكافية بقوله :
وغالبا أغناهم خير وشر عن قولهم أخير منه وأشر
وإنما قيل لتلك الدار : الدار الآخرة ; لأنها هي آخر المنازل ، فلا انتقال عنها البتة إلى دار أخرى .
والإنسان قبل الوصول إليها ينتقل من محل إلى محل . فأول ابتدائه من التراب ، ثم انتقل من أصل التراب إلى أصل النطفة ، ثم إلى العلقة ، ثم إلى المضغة ، ثم إلى العظام ، ثم
[ ص: 371 ] كسا الله العظام لحما ، وأنشأها خلقا آخر ، وأخرجه للعالم في هذه الدار ، ثم ينتقل إلى القبر ، ثم إلى المحشر ، ثم يتفرقون :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6يومئذ يصدر الناس أشتاتا [ 99 \ 6 ] ، فسالك ذات اليمين إلى الجنة ، وسالك ذات الشمال إلى النار :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=14ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون [ 30 \ 14 - 16 ] .
فإذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار - فعند ذلك تلقى عصا التسيار ، ويذبح الموت ، ويقال : يا أهل الجنة ، خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت ، ويبقى ذلك دائما لا انقطاع له ، ولا تحول عنه إلى محل آخر .
فهذا معنى وصفها بالآخرة ; كما أوضحه - جل وعلا - بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=12ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون [ 23 \ 12 - 16 ] .
تنبيه .
أضاف - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة الدار إلى الآخرة ، مع أن الدار هي الآخرة بدليل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=30ولدار الآخرة الآية [ 16 \ 30 ] ، بتعريف الدار ونعتها بالآخرة في غير هذا الموضع . وعلى مقتضى قول
ابن مالك في الخلاصة :
ولا يضاف اسم لما به اتحد معنى وأول موهما إذا ورد
فإن لفظ " الدار " يؤول بمسمى الآخرة . وقد بينا في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ) في " سورة فاطر " ، في الكلام على قوله : " ومكر السيئ " [ 35 \ 43 ] : أن الذي يظهر لنا أن إضافة الشيء إلى نفسه بلفظين مختلفين - أسلوب من أساليب اللغة العربية ; لتنزيل التغاير في اللفظ منزلة التغاير في المعنى . وبينا كثرته في القرآن ، وفي كلام العرب . والعلم عند الله تعالى .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=30وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ، ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29497دَارَ الْآخِرَةِ خَيْرٌ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا . وَكَرَّرَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=80وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ الْآيَةَ [ 28 \ 80 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=198وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=16بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=4وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى [ 932 \ 4 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=14زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ الْآيَةَ [ 3 \ 14 - 15 ] ، وَقَوْلُهُ ، خَيْرٌ [ 16 \ 30 ] ، صِيغَةُ تَفْضِيلٍ ، حُذِفَتْ هَمْزَتُهَا ; لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ تَخْفِيفًا .
وَإِلَيْهِ أَشَارَ
ابْنُ مَالِكٍ فِي الْكَافِيَةِ بِقَوْلِهِ :
وَغَالِبًا أَغْنَاهُمُ خَيْرٌ وَشَرْ عَنْ قَوْلِهِمْ أَخْيَرُ مِنْهُ وَأَشَرْ
وَإِنَّمَا قِيلَ لِتِلْكَ الدَّارِ : الدَّارُ الْآخِرَةُ ; لِأَنَّهَا هِيَ آخِرُ الْمَنَازِلِ ، فَلَا انْتِقَالَ عَنْهَا الْبَتَّةَ إِلَى دَارٍ أُخْرَى .
وَالْإِنْسَانُ قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَيْهَا يَنْتَقِلُ مِنْ مَحَلٍّ إِلَى مَحَلٍّ . فَأَوَّلُ ابْتِدَائِهِ مِنَ التُّرَابِ ، ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْ أَصْلِ التُّرَابِ إِلَى أَصْلِ النُّطْفَةِ ، ثُمَّ إِلَى الْعَلَقَةِ ، ثُمَّ إِلَى الْمُضْغَةِ ، ثُمَّ إِلَى الْعِظَامِ ، ثُمَّ
[ ص: 371 ] كَسَا اللَّهُ الْعِظَامَ لَحْمًا ، وَأَنْشَأَهَا خَلْقًا آخَرَ ، وَأَخْرَجَهُ لِلْعَالَمِ فِي هَذِهِ الدَّارِ ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إِلَى الْقَبْرِ ، ثُمَّ إِلَى الْمَحْشَرِ ، ثُمَّ يَتَفَرَّقُونَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا [ 99 \ 6 ] ، فَسَالِكٌ ذَاتَ الْيَمِينِ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَسَالِكٌ ذَاتَ الشِّمَالِ إِلَى النَّارِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=14وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ [ 30 \ 14 - 16 ] .
فَإِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ - فَعِنْدَ ذَلِكَ تُلْقَى عَصَا التَّسْيَارِ ، وَيُذْبَحُ الْمَوْتُ ، وَيُقَالُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ ، وَيَبْقَى ذَلِكَ دَائِمًا لَا انْقِطَاعَ لَهُ ، وَلَا تَحَوُّلَ عَنْهُ إِلَى مَحَلٍّ آخَرَ .
فَهَذَا مَعْنَى وَصْفِهَا بِالْآخِرَةِ ; كَمَا أَوْضَحَهُ - جَلَّ وَعَلَا - بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=12وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ [ 23 \ 12 - 16 ] .
تَنْبِيهٌ .
أَضَافَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الدَّارَ إِلَى الْآخِرَةِ ، مَعَ أَنَّ الدَّارَ هِيَ الْآخِرَةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=30وَلَدَارُ الْآخِرَةِ الْآيَةَ [ 16 \ 30 ] ، بِتَعْرِيفِ الدَّارِ وَنَعْتِهَا بِالْآخِرَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَعَلَى مُقْتَضَى قَوْلِ
ابْنِ مَالِكٍ فِي الْخُلَاصَةِ :
وَلَا يُضَافُ اسْمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ مَعْنًى وَأَوِّلْ مُوهِمًا إِذَا وَرَدْ
فَإِنَّ لَفْظَ " الدَّارِ " يُؤَوَّلُ بِمُسَمَّى الْآخِرَةِ . وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِنَا ( دَفْعَ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ ) فِي " سُورَةِ فَاطِرٍ " ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ : " وَمَكْرَ السَّيِّئِ " [ 35 \ 43 ] : أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ لَنَا أَنَّ إِضَافَةَ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ بِلَفْظَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ - أُسْلُوبٌ مِنْ أَسَالِيبِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ ; لِتَنْزِيلِ التَّغَايُرِ فِي اللَّفْظِ مَنْزِلَةَ التَّغَايُرِ فِي الْمَعْنَى . وَبَيَّنَّا كَثْرَتَهُ فِي الْقُرْآنِ ، وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ . وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .