المسألة الخامسة : إذا كان المضطر إلى الميتة محرما وأمكنه الصيد فهل يقدم الميتة أو الصيد  ؟ 
اختلف العلماء في ذلك ، فذهب مالك  ، وأبو حنيفة  رحمهم الله ،  والشافعي  في أصح القولين : إلى أنه يقدم الميتة . 
وعن  الشافعي    - رحمه الله تعالى - قول بتقديم الصيد وهو مبني على القول : بأن المحرم إن ذكى صيدا لم يكن ميتة . 
 [ ص: 69 ] والصحيح أن ذكاة المحرم للصيد لغو ويكون ميتة ، والميتة أخف من الصيد للمحرم ; لأنه يشاركها في اسم الميتة ويزيد بحرمة الاصطياد ، وحرمة القتل ، وسيأتي لهذه المسألة زيادة بيان إن شاء الله في سورة " المائدة " . 
وممن قال بتقديم الصيد للمحرم على الميتة أبو يوسف  والحسن   والشعبي  ، واحتجوا بأن الصيد يجوز للمحرم عند الضرورة  ، ومع جوازه والقدرة عليه تنتفي الضرورة فلا تحل الميتة . 
واحتج الجمهور بأن حل أكل الميتة عند الضرورة منصوص عليه ، وإباحة الصيد للضرورة مجتهد فيها ، والمنصوص عليه أولى ، فإن لم يجد المضطر إلا صيدا وهو محرم  فله ذبحه وأكله ، وله الشبع منه على التحقيق ; لأنه بالضرورة وعدم وجود غيره صار مذكى ذكاة شرعية طاهرا حلالا فليس بميتة ، ولذا تجب ذكاته الشرعية ، ولا يجوز قتله والأكل منه بغير ذكاة . 
ولو وجد المضطر ميتة ، ولحم خنزير أو لحم إنسان ميت  ، فالظاهر تقديم الميتة على الخنزير ولحم الآدمي . 
قال الباجي    : إن وجد المضطر ميتة ، وخنزيرا فالأظهر عندي أن يأكل الميتة ; لأن الخنزير ميتة ولا يباح بوجه ، وكذلك يقدم الصيد على الخنزير والإنسان على الظاهر ، ولم يجز عند المالكية أكل الإنسان للضرورة مطلقاوقتل الإنسان الحي المعصوم الدم لأكله عند الضرورة  حرام إجماعا ، سواء كان مسلما أو ذميا . وإن وجد إنسان معصوم ميتا فهل يجوز لحمه عند الضرورة  ، أو لا يجوز ؟ منعه المالكية والحنابلة ، وأجازه الشافعية وبعض الحنفية . 
واحتج الحنابلة لمنعه لحديث : " كسر عظم الميت ككسر عظم الحي   " واختار أبو الخطاب  منهم جواز أكله ، وقال : لا حجة في الحديث هاهنا ; لأن الأكل من اللحم لا من العظم ، والمراد بالحديث التشبيه في أصل الحرمة لا في مقدارها بدليل اختلافهما في الضمان والقصاص ، ووجوب صيانة الحي بما لا يجب به صيانة الميت ، قاله في " المغني " . 
ولو وجد المضطر آدميا غير معصوم كالحربي ، والمرتد فله قتله ، والأكل منه  عند الشافعية ، وبه قال القاضي من الحنابلة ، واحتجوا بأنه لا حرمة له فهو بمنزلة السباع . والله   [ ص: 70 ] تعالى أعلم . 
				
						
						
