ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين   ، فإن هذا من فعل المنافقين ، يوالونهم وينصرونهم من دون المؤمنين ; لأنهم لا يكرهون أن يكون لهم النصر والسلطان ، وأن يلحقوا بهم ، ويعدوا أنفسهم منهم ، ولا يكون هذا من مؤمن ، حذر الله تعالى المؤمنين أن يحذو بعض ضعفائهم حذو المنافقين في ولاية الكافرين من دون المؤمنين  أي : من غير المؤمنين وفي خلاف مصلحتهم ، يبتغون عندهم العزة ، ويرجون منهم المنفعة ، فإنه ربما يخطر في بال صاحب الحاجة منهم أن ذلك لا يضر ، كما فعل  حاطب بن أبي بلتعة  إذ كتب إلى كفار قريش  يخبرهم بما عزم عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في شأنهم ; لأن له عندهم أهلا ومالا ، فالأولياء جمع ولي من الولاية ، بكسر الواو وهي النصرة ، وأما الولاية بفتح الواو فهي تولي الأمر ، وقيل : يطلق اللفظان على كلا المعنيين ، والمراد هنا النصرة بالقول أو الفعل فيما ينافي مصلحة المسلمين ، ومثله قوله تعالى في سورة المائدة : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض    ( 5 : 51 ) ، إلخ ، وإن عمم بعض المفسرين في هذه ، والله تعالى يقول بعدها : فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين    ( 5 : 52 ) ، وهؤلاء هم المنافقون ، فالخوف من إصابة الدائرة ، وذكر الفتح وندمهم إذا جعله الله للمؤمنين ، مما يدل على أن الولاية هنا ولاية النصرة لليهود  والنصارى  الذين كانوا حربا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين ، فهو لا يشمل من ليسوا كذلك كالذميين إذا استخدمتهم الدولة ، في أعمالها الحربية أو الإدارية بل لهؤلاء حكم آخر . 
 [ ص: 384 ] ولما كنت في الآستانة  سنة 1328 هـ أحببت أن أعرف حال التعليم الديني في دار الفنون التي هي المدرسة الجامعة في عاصمة الدولة ، فلما دخلت الحجرة التي يقرأ فيها التفسير ألفيت المدرس يفسر آية المائدة هذه وعمدته تفسير البيضاوي  ، وهو الذي يقرؤه أكثر المسلمين في مدارسهم الدينية ، وهو يفسر الآية بعدم الاعتماد على اليهود  والنصارى  وعدم معاشرتهم معاشرة الأحباب " وهذا من أغرب أغلاطه " ، فلما قرر ذلك المفسر بالتركية قام أحد الطلبة وقال له : إذن كيف جعلتهم دولتنا في مجلسي المبعوثين والأعيان وفي هيئة الوكلاء ؟ أي : وزراء الدولة ففاجأ المدرس الحصر وخرج العرق من جبينه ، فإنه إذا قال : إن عمل الدولة هذا مخالف لنص القرآن خاف على نفسه من ديوان الحرب العرفي أن يحكم عليه بالإعدام ، ولم يظهر له في الآية غير ما قاله البيضاوي  ، وهل للمقلد إلا نقل ما يراه في الكتاب ؟ فقلت له : أتأذن لي أن أجيب هذا الطالب ؟ قال : نعم ، فقمت واقفا وبينت معنى الولاية وكيف كان حال النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين مع أهل الكتاب  وغيرهم في صدر الإسلام ، وتحقيق كون الولاية المنهي عنها في الآية ، وهي ولاية النصرة والمعونة لهم وكانوا محاربين ، وكون استخدام الذميين منهم في الحكومة الإسلامية لا يدخل في مفهومها بل له أحكام أخرى ، والصحابة قد استخدموهم في الدواوين الأميرية ، والعباسيون جعلوا إسحاق الصابي  وزيرا فاقتنع السائل ، وأفرخ روع المدرس ، ولما علم بذلك مدير قسم الإلهيات والأدبيات في دار الفنون اتخذه وسيلة لإصدار أمر من ناظر المعارف بقراءة درس التفسير وكذا درس الحديث بالعربية في بعض السنين ، وأراد أن يجعل ذلك وسيلة لجعلي مدرسا للتفسير إن أقمت في الآستانة    . 
				
						
						
