إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله ، استثنى الله تعالى من ذلك الجزاء الشديد الذي أعده للمنافقين من تابوا من النفاق والكفر بالندم على ما كان منهم مع تركه والعزم على عدم مقارفته وعززوا هذه التوبة بثلاثة أمور :
( أحدها ) : الإصلاح ، وهو إنما يكون بالاجتهاد في أعمال الإيمان التي تغسل ما تلوثت به النفس من أعماق النفاق ، كالتزام الصدق والنصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، والأمانة التامة ، والوفاء ، وإقامة الصلاة بالخشوع والحضور ، ومراقبة الله تعالى وما أشبه ذلك :
( ثانيها ) : الاعتصام بالله ، وهو إنما يكون بالتمسك بكتابه ، تخلقا بأخلاقه وتأدبا بآدابه ، واعتبارا بمواعظه ، ورجاء في وعده وخوفا من وعيده ، وانتهاء عن منهياته ، وائتمارا بأوامره بحسب الاستطاعة ، قال تعالى في سورة آل عمران واعتصموا بحبل الله ( 3 : 103 ) ، وقال في سورة النساء يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما ( 4 : 174 ، 175 ) ، أي : اعتصموا بهذا النور الذي أنزل إليهم وهو القرآن المجيد ، وهو حبل الله في الآية الأخرى .
( ثالثها ) : بأن يتوجه إليه وحده فلا يدعى من دونه أحد ، ولا يدعى معه أحد ، لا لكشف ضر ولا لجلب نفع ، ولا يتخذ من دونه أولياء يجعلون وسطاء عنده ، بل يكون كل ما يتعلق بالدين والعبادة - وأعظمها وأهم أركانها الدعاء - خالصا له وحده ، لا تتوجه فيه النفس إلى غيره ولا يسأل اللسان سواه ، ولا يستعان فيما وراء الأسباب العامة بين البشر بمن عداه إخلاص الدين لله عز وجل إياك نعبد وإياك نستعين ، هذا هو أهم ما يقال في إخلاص الدين لله قال تعالى في أول سورة الزمر : [ ص: 386 ] فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ( 39 : 2 ، 3 ) ، فالمنافقون في الدرك الأسفل من الهاوية إلا من استثني .