فأولئك مع المؤمنين الذين هم لتلك الأعمال عاملون ، يكونون مع المؤمنين لأنهم منهم ، يؤمنون إيمانهم ويعملون عملهم ، ثم يجزون جزاءهم ، وهو ما عظم الله تعالى شأنه بقوله وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما ، أي : سوف يعطيهم في الآخرة أجرا لا يعرف أحد كنهه فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ( 32 : 17 ) .
ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ، استفهام إنكاري بين الله لنا به أنه سبحانه لا يعذب أحدا من عباده تشفيا منه ولا انتقاما بالمعنى الذي يفهمه الناس من الانتقام بحسب استعمالهم إياه فيما بينهم ، وإنما ذلك جزاء كفرهم بنعم الله عليهم بالحواس والعقل والوجدان والجوارح ، باستعمالها في غير ما خلقت لأجله من الاهتداء بها إلى تكميل نفوسهم بالعلوم والفضائل والأعمال النافعة ، وكفرهم بالله تعالى باتخاذ شركاء له ، وإن سماهم بعضهم وسطاء وشفعاء ، فبكفرهم بالله تعالى وبنعمه عليهم في الآفاق وفي أنفسهم تفسد فطرتهم ، وتتدنس أرواحهم فتهبط بهم في دركات الهاوية ويكونون هم الجانين على أنفسهم ، ولو شكروا وآمنوا فطهرت أرواحهم من دنس الشرك والوثنية ، وظهرت آثار عقولهم وسائر قواهم بالأعمال الصالحة المصلحة لمعاشهم ومعادهم ، لعرجت بهم تلك الأرواح القدسية إلى المقام الكريم ، والرضوان الكبير في دار النعيم ، وقدم الشكر هنا على الإيمان ; لأن معرفة النعم والشكر عليها طريق إلى معرفة المنعم والإيمان به .