ويجوز أن يكون قوله : رسول الله منصوبا على المدح ، أو الاختصاص للإشارة إلى فظاعة عملهم ، ودرجة جهلهم ، وشناعة زعمهم وما قتلوه وما صلبوه أي والحال أنهم ما قتلوه ، كما زعموا تبجحا بالجريمة ، وما صلبوه كما ادعوا وشاع بين الناس ولكن شبه لهم أي وقع لهم الشبهة أو الشبه ; فظنوا أنهم صلبوا عيسى ، وإنما صلبوا غيره ، ومثل هذا الشبه أو الاشتباه يقع في كل زمان كما سنبينه قريبا وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن أي : وإن الذين اختلفوا في شأن عيسى من أهل الكتاب في شك من حقيقة أمره ; أي في حيرة ، وتردد ما لهم به من علم ثابت قطعي . لكنهم يتبعون الظن أي القرائن التي ترجح بعض الآراء الخلافية على بعض . فالشك الذي هو التردد بين أمرين شامل لمجموعهم ، لا لكل فرد من أفرادهم ، هذا إذا كان كما يقول علماء المنطق لا يستعمل إلا فيما تساوى طرفاه بحيث لا يترجح أحدهما على الآخر ، والذين يتبعون الظن في أمره هم أفراد رجحوا بعض ما وقع الاختلاف فيه على بعض ، بالقرائن أو بالهوى والميل . والصواب أن هذا معنى اصطلاحي للشك ، وأما معناه في أصل اللغة ، فهو نحو من معنى الجهل ، وعدم استبانة ما يجول في الذهن من الأمر ، قال الركاض الدبيري :
يشك عليك الأمر ما دام مقبلا وتعرف ما فيه إذا هو أدبرا
فجعل المعرفة في مقابلة الشك . وقال : ابن الأحمروأشياء مما يعطف المرء ذا النهى تشك على قلبي فما أستبينها
وقوله تعالى : إلا اتباع الظن استثناء منقطع كما علم من تفسيرنا له . وفي الأناجيل المعتمدة عند النصارى ، أن المسيح قال لتلاميذه : ( كلكم تشكون ، في ، في هذه الليلة ) أي التي يطلب فيها للقتل ( متى 26 : 31 ومرقس 14 : 27 ) .
فإذا كانت أناجيلهم لا تزال ناطقة بأنه أخبر أن تلاميذه وأعرف الناس به يشكون فيه في ذلك الوقت ، وخبره صادق قطعا ، فهل يستغرب اشتباه غيرهم وشك من دونهم في أمره ، وقد صارت قصته رواية تاريخية منقطعة الإسناد ؟ !