حاصل المباحث والشك في وجود المسيح : حاصل هذه المباحث : أن ليس لها سند متصل إلى الأفراد الذين رويت عنهم ، وأولئك الأفراد الذين رووها غير معروفين معرفة يقينية ، كما يعلم من دائرة المعارف الفرنسية وغيرها من الكتب التي ألفها علماء قصة الصلب أوربة الأحرار ، وأن الذي يؤخذ من مجموع تلك الروايات المنقطعة الإسناد : أن أول من وضع هذه العقيدة النصرانية المعروفة الآن هو بولس اليهودي الذي كان أشد أعداء المسيح عليه السلام ، وألد خصوم أتباعه خصاما ، ثم رأى أنه لا يتمكن من نكايتهم ، وإفساد أمرهم إلا بدخوله فيهم ، ففعل ، وعلى تقدير وقوع الصلب ، ورؤية المسيح بعده ، فالذي يقرب من المعقول في تصويره هو ما بيناه .
ولا يروعن القارئ المستقل الفكر هذه الشهرة المنتشرة بانتشار النصارى في أقطار الأرض ، وما لهم فيها من القوة والأيد ، فإنما العبرة في إثبات الوقائع والحوادث كونه في زمن وقوعها ، كما ثبت القرآن المجيد في زمن نزوله حفظا وكتابة ، ألم تر أن هذه الشهرة المنتشرة للمسيح ، عليه السلام ، لم تمنع بعض علماء أوربة الأحرار من الشك في وجوده نفسه ، ولا من ترجيح كون قصته خيالية ، لا حادث الصلب والقيام منها فحسب ، كما أن بعضهم يرى مثل هذا الرأي في بعض آلهة الوثنيين ، وفي ( هوميروس ) شاعر اليونان الذي تضرب بشعره الأمثال ، فهو أشهر رجل في تاريخ أمته الذي هو من أشهر تواريخ الأمم الغابرة ، ومثله في تاريخ أمتنا العربية قيس العامري الشهير بمجنون ليلى . ذكر في ( الأغاني ) روايات عن بني عامر أنه غير معروف عندهم ، وأنه قيل : إن الشعر الذي ينسب إليه هو لبعض كبراء بني أمية ، عزاه إلى مجهول تسترا بعشقه .
مثل هذا في التاريخ كثير ، فهو غير مستبعد عقلا ، ولكننا نحن المسلمين نؤمن بالمسيح لا لذكره في أناجيلهم ، وكتبهم ، فكم في الكتب من قصص خيالية مثل قصته ، بل لأن القرآن [ ص: 46 ] أثبت وجوده ونبوته ، والقرآن ثابت عندنا قطعا ، فنؤمن بكل ما أثبته . وإن لي كلمة قديمة أذكرها في هذا السياق الذي لم أتوسع فيه ، إلا لرد هجمات دعاة النصرانية الذين أسرفوا في الطعن في الإسلام ، وهي : إن إثبات القرآن للمسيح هو أقوى حجة على منكري آيات المسيح ، عليه السلام ، وأقوى شبهة على القرآن ، فإن الشبهات التي يوردها الملاحدة والعقليون من النصارى وأمثالهم على إثباته كون المسيح وأمه آية ، وأن الله آتاه آيات أخرى - هي أقوى الشبهات الواردة على القرآن ، ولكن ردها سهل على قاعدة الإيمان بقدرة الله - تعالى - وتصرفه في خلقه كما يشاء . ومن آيات كون القرآن من عند الله - تعالى - عدم موافقته للنصارى في رواياتهم في الصلب والتثليث ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .