إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت ، فلها نصف ما ترك هلك : مات ، ولا يستعمل منذ قرون إلا في مقام التحقير ، وقد استعمله القرآن في غير هذا المكان بمعنى الموت مطلقا ، بقوله عن يوسف عليه السلام حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا ( 40 : 34 ) و ليس له ولد صفة ( امرؤ ) أو حال من الضمير في ( هلك ) والمعنى : إن هلك امرؤ عادم للولد ، أو غير ذي ولد ، والحال أن له أختا من أبويه معا أو من أبيه فقط ، فلها نصف ما ترك .
والنكتة في الاكتفاء بنفي الولد وعدم اشتراط نفي الوالد ، تظهر بوجوه : ( 1 ) أنه داخل في مفهوم الكلالة لغة .
( 2 ) أن الأكثر أن الإنسان يموت عن تركة ، بعد موت والديه ; لأن المال [ ص: 90 ] الذي يتركه إما أن يكون ورثه منهما ، وإما أن يكون اكتسبه ، وإنما يكون الكسب في سن الشباب والكهولة ويقل في هذه الحال بقاء الوالدين ، فلم يراع في الذكر إيجازا ( 3 ) وهو العمدة أن عدم إرث الإخوة والأخوات مع الوالد الذي يدلون به قد علم من آيات الفرائض التي أنزلت أولا وتقدمت في أوائل السورة ، ومضت السنة في بيانها والعمل بها على ذلك ، وعلم أيضا من القاعدة القياسية المأخوذة من تلك الآيات ، ومن هذه الآية ، وهي كون الأصل في الإرث أن يكون للذكر من كل صنف مثل حظ الأنثيين ، ومن قاعدة حجب الوالد لأولاده ، قال - تعالى - في الآيات الأولى : فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ( 4 : 11 ) ; أي : والباقي - وهو الثلثان - لأبيه عملا بالقاعدة فإن كان له إخوة فلأمه السدس ( 4 : 11 ) لأن أولادها يحجبونها حجب نقصان ; فيكون ثلثها سدسا ، والسدس الآخر يكون لهم عند ، وأما الجمهور فيقولون : إن الباقي كله للأب ; لأن الآية بينت أن وجودهما ينقص فرضها ، ولم تفرض لهم شيئا ، وعلى كل قول ليس لهم فرض مع وجود الأب الذي يحجبهم حجب حرمان ; لأنهم لا يصلون إلى أخيهم إلا به ، وما يتركه من هذا المال وغيره يعود إليهم ; فلهذه الوجوه لم يكن لاشتراط عدم الأب فائدة فترك إيجازا ; للعلم به من لفظ الكلالة ومن الآيات السابقة والقواعد الثابتة ، وكذا من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - المبني على ما ذكر ، والمبين له ، وهو ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث ابن عباس : ابن عباس ، وليس الاستغناء عن نفي الوالد هنا مع إرادته ، إلا مثل الاستغناء عن اشتراط أن يكون هذا الفرض من بعد وصية يوصى بها أو دين ، كل منهما علم مما قبله ، فاستغني عن إعادة ذكره ، بل الاستغناء عن ذكر نفي الوالد أقوى لما ذكرناه من العلم به من اللفظ ، وكون الغالب أنه لا يوجد ، وكونه إن وجد يكون حجبه لأولاده معلوما قطعيا ; لأنه منصوص ومقيس ، وإنما أطلت في هذه المسألة وكررت بعض المعاني ; لاضطراب المتقدمين والمتأخرين في الكلالة ، وعدم الاطلاع على بيان تام في التوفيق بين ما جرى عليه جمهور الصحابة واتفق عليه المتأخرون ، وبين عبارة القرآن المجيد ، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله . ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فلأولى رجل ذكر
وقد اختلفوا في الولد هنا هل هو على إطلاقه فيشمل البنت ، أو هو خاص بالابن ، كما يطلق أحيانا ، وسبب الخلاف أن الأخت لا ترث شيئا مع وجود الابن بالإجماع ، وأما مع وجود البنت فترث ، ومن قال : إن الولد يشمل الذكر والأنثى هنا لم ير إرث الأخت مع وجود البنت مانعا من اشتراط عدم وجود البنت ، لإرثها النصف فرضا ; لأن الفرض الثابت لها هنا - وهو النصف - يشترط فيه عدم وجود البنت ، فإنها إذا وجدت تجعلها عصبة ترث ما بقي بعد أخذ كل ذي فرض حقه من التركة ، وقد يكون هذا الباقي النصف ، وقد يكون أقل من النصف ، فإذا كان النصف للبنت فرضا ، والباقي وهو [ ص: 91 ] النصف للأخت تعصيبا لا فرضا ، فلا ينافي الآية ; لأنه إذا لم يكن ثم وارث إلا البنت والأخت فإنها تأخذ الثمن ، فيكون ما بقي للأخت أقل من النصف ، ولو كانت ترث النصف فرضا مع وجود البنت ، ووجد مع البنت زوجة للميت لعالت المسألة ، وكان النقص من السهام لاحقا بكل الأنصباء فلا تقل سهام الأخت عن سهام البنت ، فعلم من هذا أن الولد المنفي هنا يشمل الذكر والأنثى ، ولا إشكال فيه . كان مع البنت زوجة