واتقوا الله إن الله شديد العقاب أي اتقوا الله أيها المؤمنون بالسير على سننه التي بينها لكم في كتابه وفي نظام خلقه ; لئلا تستحقوا عقابه الذي يصيب من أعرض عن هدايته ، إن الله شديد العقاب لمن لم يتقه باتباع شرعه ، ومراعاة سننه في خلقه ، لا هوادة ولا محاباة في عقابه ; لأنه لم يأمر بشيء ، إلا وفعله نافع وتركه ضار ، ولم ينه عن شيء ، إلا وفعله ضار وتركه نافع ، وفي معنى المأمور به كل ما رغب فيه ، وفي معنى المنهي عنه كل ما رغب عنه ، فلهذا كان ترك هدايته مفضيا بطبعه إلى الحرمان من المنافع والوقوع في المضار ، التي منها فساد الفطرة ، وعمى البصيرة ، وذلك إبسال للنفس يظهر أثره في الدنيا وسوء عاقبته في الآخرة ، وكذلك عدم مراعاة سنن الله - تعالى - في خلق الإنسان ، وسجاياه وتأثير عقائده وأخلاقه في أعماله ، وسننه في ارتقاء الإنسان في أفراده وشعوبه ، كل ذلك يوقع الإنسان في الغواية ، وينتهي به إلى شر عاقبة وغاية ، وإنما يظلم الإنسان نفسه ولا عتب له إلا عليها ، والعقاب هنا يشمل عقاب الدنيا والآخرة ، كما أشرنا إليه ، وقد ورد في بعض الآيات التصريح بالجمع بينهما ، وفي بعضها التصريح بأحدهما ، كقوله في عذاب الأمم في الدنيا : وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ( 11 : 102 ) ووضع اسم الجلالة المظهر في قوله : إن الله شديد العقاب والمقام مقام الإضمار لما لذكر الاسم الكريم من الروعة والتأثير ، وذلك أدعى إلى حصول المقصود من الوعظ والتذكير .