والفرض الثاني من أعمال الوضوء : ، وهل المرفقان مما يجب غسله ، أم هو مندوب ؟ الجمهور على أنه يجب غسلهما ، واختار غسل اليدين إلى المرفقين عدم الوجوب ، ونقله عن ابن جرير الطبري ، وقال في نيل الأوطار : اتفق العلماء على وجوب غسلهما ، ولم يخالف في ذلك إلا زفر بن الهذيل زفر وأبو بكر بن داود الظاهري ، فمن قال بالوجوب جعل " إلى " في الآية بمعنى " مع " ومن لم يقل به جعلها لانتهاء الغاية . انتهى . وقد استدل على ذلك بأن كل غاية حدت بـ ( إلى ) فقد تحتمل في كلام العرب دخول الغاية في الحد ، وخروجها منه ، قال وإذا احتمل الكلام ذلك لم يجز لأحد القضاء بأنها داخلة فيه إلا لمن لا يجوز خلافه فيما بين وحكم ، ولا حكم بأن المرافق داخلة فيما يجب غسله عندنا ممن يجب التسليم بحكمه . انتهى " . ابن جرير
ولكن بعض علماء اللغة ، ومنهم ، حققوا أن ما بعد ( إلى ) إن كان من نوع ما قبلها دخل في الحد ، وإلا فلا يدخل ، فعلى هذا تدخل المرافق فيما يجب غسله ; لأنها من اليد ، ولا يدخل الليل فيما يجب صومه بقوله تعالى : سيبويه ثم أتموا الصيام إلى الليل ( 2 : 187 ) لأن الليل ليس من نوع النهار الذي يجب صومه ، واستدل بعضهم على الوجوب بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - من حيث إنه بيان لما في الآية من الإجمال ، ونازع آخرون في هذا الاستدلال ، ولكن لا نزاع في أن ، فقد ورد صريحا ، ولم يرد أنه ترك غسلهما ، والالتزام المطرد آية الوجوب ، وإنما المستحب إطالة الغرة والتحجيل ، فقد روى النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغسل المرفقين مسلم " أنه توضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء ، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد ، ثم مسح رأسه ، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق ، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق ، ثم قال : هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ ، وقال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : أنتم الغر المحجلون من إسباغ الوضوء ; فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله أبي هريرة " والمراد بإطالة الغرة ما ذكر ، وقيل غسل جزء من الرأس مع الوجه ، وجزء من العضدين ، وجزء من الساقين مع الرجلين ، شبه ذلك بغرة الفرس وتحجيله ، وهو البياض في جبهته وقوائمه ، أو التشبيه للنور الذي يكون في هذه المواضع يوم القيامة ، وقال من حديث [ ص: 185 ] ابن القيم : " إن هذا اجتهاد من ، ولم يزد - صلى الله عليه وسلم - على غسل المرفقين والكعبين " . أبي هريرة