واختلفوا في الوضوء من أكل لحوم الإبل ; فذهب الجمهور إلى عدم النقض به ، وعليه الخلفاء الأربعة ، وكثير من الصحابة والتابعين ، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية ، وروي عن بعض الصحابة والتابعين القول بالنقض ، وهو مذهب أحمد وإسحاق وكثير من علماء الحديث . وقد صح الحديث بالأمر بالوضوء منه ، وقال الجمهور بنسخه ، ولا يعرف حديث صريح مثبت للنسخ ، ولكن عمل الخلفاء الأربعة وجمهور الصحابة وأهل المدينة إذا لم يدل على النسخ فقد يدل على عدم صحة ما ورد في النقض ، وإن صحح المحدثون حديثين فيه ؛ حديث جابر بن سمرة ، وحديث البراء ، فغير معقول أن يعرف جابر والبراء ما يجهله الجمهور الأعظم ، ومنهم الخلفاء الراشدون .
والخلاف في هذه المسألة كالخلاف في الوضوء مما مست النار ; أي من أكل ما طبخ وعولج بالنار ، قال بعضهم ينقض ، واحتجوا بحديث : " توضئوا مما مست النار " رواه أحمد ، ومسلم ، والنسائي عن عائشة ، وزيد بن ثابت ، وأبي هريرة ، والجمهور على أنه لا ينقض ، ومنهم الخلفاء الأربعة والعبادلة ، إلا عبد الله بن عمرو لم أر عنه شيئا ، وهو مذهب الفقهاء الأربعة وأكثر علماء الأمصار ، واحتجوا بأحاديث ; منها حديث ميمونة : " أكل رسول الله صلى الله [ ص: 214 ] عليه وسلم من كتف شاة ، ثم قام ، فصلى ولم يتوضأ " ، وحديث عمرو بن أمية الضمري : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة ، فأكل ولم يتوضأ " رواهما البخاري ومسلم .


