مباحث في الأيمان .
1 ( لا يجوز في الإسلام ) . الحلف بغير الله تعالى وأسمائه وصفاته
قال صلى الله عليه وسلم : ورواه الشيخان في صحيحيهما من حديث " من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله " ، ورويا عنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع ابن عمر عمر وهو يحلف بأبيه فقال : وروى " إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " أحمد وصححه والنسائي عن وابن ماجه قتيلة بنت صيفي والكعبة ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا : ورب الكعبة ، ويقول أحدهم : ما شاء الله ثم شئت ، أي لبيان أن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الرب ، وكان ذلك من عادة بعض الناس في الخطاب وليس المراد أنه كان مشروع ثم نهى عنه لقول اليهودي . " أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنكم تنددون ( أي تتخذون لله أندادا ) وإنكم تشركون وتقولون : ما شاء الله [ ص: 35 ] وشئت ، وتقولون :
وروى أبو داود وحسنه والترمذي والحاكم وصححه من حديث مرفوعا : ابن عمر ورواه " من حلف بغير الله فقد كفر " أحمد بلفظ " فقد أشرك " وروى بهما وروى أحمد وأصحاب السنن عن والبخاري قال : ابن عمر " أكثر ما يحلف به النبي صلى الله عليه وسلم يحلف : " لا ومقلب القلوب وثبت في الصحيحين الحلف بعزة الله تعالى ، فإذن لا فرق بين صفات الذات وصفات الأفعال . " كان
وحكى الحافظ الإجماع على عدم جواز الحلف بغير الله تعالى ، قالوا ومراده به ما يشمل القول بالكراهة ، إذ اختلف الفقهاء في حكمه فقيل : حرام ، وقيل : مكروه تحريما ، بل هو الذي يصح أن يحمل عليه حديث " فقد كفر " كالذين يحلفون بمن يعتقدون عظمتهم من الصالحين ويلتزمون البر بقسمهم بهم ويخالفون عاقبة الحنث ، ومن هؤلاء من يحلف بالله كاذبا ولا يحلف بالبدوي ولا بالمتولي وأمثالهما كاذبا ، والثاني حرام ، والثالث منه المكروه وهو ما فيه شبه تعظيم ديني ، ومنه المباح وهو ما ليس فيه ذلك وقد سئلنا عن حكم الحلف بغير الله فأفتينا بما نصه ( ص858 من مجلد المنار السادس عشر ) . ابن عبد البر
صح في الأحاديث المتفق عليها ، ونقل الحافظ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلف بغير الله الإجماع على عدم جوازه ، قال بعضهم : أراد بعدم الجواز ما يشمل التحريم والكراهة ، فإن بعض العلماء قال : إن النهي للتحريم ، وبعضهم قال : إنه للكراهة وبعضهم فصل فقالوا : إذا تضمن الحلف تعظيم المحلوف به كما يعظم الله تعالى كان حراما وإلا كان مكروها ، أقول : وكان الأظهر أن يقال إن المحرم أن يحلف بغير الله حلفا يلتزم به فعل ما حلف عليه والبر به ، لأن الشرع جعل هذا الالتزام خاصا بالحلف به أي بأسمائه وصفاته ، فمن خالفه كان شارعا لشيء لم يأذن به الله ، وبهذا يفرق بين اليمين الحقيقي وبين ما يجيء بصيغة القسم من تأكيد الكلام وهو من أساليب اللغة ، وقد قالوا بمثل هذه التفرقة في الجواب عن ابن عبد البر فقد ذكروا له عدة أجوبة منها نحو ما ذكرناه ، فقال قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي " أفلح وأبيه إن صدق " البيهقي : إن ذلك كان يقع من العرب ويحتوي على ألسنتهم من دون قصد للقسم ، والنهي إنما ورد في حق من قصد حقيقة الحلف ، قال النووي في هذا : [ ص: 36 ] الجواب : إنه هو الجواب المرضي ، وأجاب بعضهم بقوله : إن القسم كان يجري في كلامهم على وجهين : للتعظيم والتأكيد ، والنهي إنما وقع عن الأول وأقول : إن هذا عندي بمعنى قول البيهقي ، وقيل : إنه نسخ ، وقيل : إنه خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم وقد ردوهما والظاهر أن ما كان من حلف قريش بآبائهم كان يقصد به التعظيم والتزام ما حلف عليه ، ولذلك كان من أسباب النهي ، وإلا فلأنهم مشركون غالبا .
روى أحمد والشيخان في صحيحيهما عن ابن عمر عمر وهو يحلف بأبيه فقال : " إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " ، وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع فكانت " من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله " قريش تحلف بآبائها فقال : رواه " لا تحلفوا بآبائكم " مسلم ، وروى الشيخان ، عنه أيضا والنسائي رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو حصر ، وفي معناه حديث " من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله " عند أبي هريرة أبي داود والنسائي وابن حبان والبيهقي مرفوعا : . " لا تحلفوا إلا بالله ، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون "
فهذه الأحاديث الصحيحة ولا سيما ما ورد بصيغة الحصر منها صريحة في حظر الحلف بغير الله تعالى ، ويدخل النبي صلى الله عليه وسلم في عموم " غير الله تعالى " والكعبة وسائر ما هو معظم شرعا تعظيما يليق به ، ولا يجوز أن يعظم شيء كما يعظم الله عز وجل ولا سيما التعظيم الذي يترتب عليه أحكام شرعية ، ولقد كان غلو الناس في أنبيائهم والصالحين منهم سببا لهدم الدين من أساسه واستبدال الوثنية به ، ونسأل الله الاعتدال في جميع الأقوال والأفعال .