[ ص: 38 ] ( 3 ) . أقسام الأيمان بحسب صيغتها وأحكامها
راجعت بعد كتابة ما تقدم فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية فرأيت فيها مباحث وقواعد في الأيمان مفصلة أحسن تفصيل في عدة مواضع ومن أخصرها قوله وهي المسألة الخامسة عشرة من الجزء الثاني ( ص85 ) : .
" قال شيخ الإسلام : إذا حلف الرجل يمينا من الأيمان فالأيمان ثلاثة أقسام :
( الأول ) ، وهو الحلف بالمخلوقات ما ليس من أيمان المسلمين كالكعبة والملائكة والمشايخ والملوك والآباء وتربيتهم ونحو ذلك ، فهذه يمين غير منعقدة ولا كفارة فيها باتفاق العلماء ، بل هي منهي عنه باتفاق أهل العلم ، والنهي نهي تحريم في أصح قوليهم ، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " وقال : من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " وفي السنن عنه أنه قال : " إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم " . من حلف بغير الله فقد أشرك
( والثاني ) كقوله : والله لأفعلن ، فهذه يمين منعقدة فيها الكفارة إذا حنث فيها باتفاق المسلمين . اليمين بالله تعالى
( والثالث ) ، مقصود الحالف بها تعظيم الخالق لا الحلف بالمخلوقات كالحلف بالنذر والحرام والطلاق والعتاق ، كقوله : إن فعلت كذا فعلي صيام شهر أو الحج إلى بيت الله ، أو الحل علي حرام لا أفعل كذا ، أو إن فعلت كذا فكل ما أملكه حرام ، أو الطلاق يلزمني لأفعلن كذا أو لا أفعله ، أو إن فعلته فنسائي طوالق وعبيدي أحرار وكل ما أملكه صدقة ونحو ذلك ، فهذه الأيمان للعلماء فيها ثلاثة أقوال : قيل : إذا حنث لزمه ما علقه وحلف به ، وقيل : لا يلزمه شيء ، وقيل : يلزمه كفارة يمين ، ومنهم من قال : الحلف بالنذر يجزئه فيه الكفارة ، والحلف بالطلاق والعتاق يلزمه ما حلف به . أيمان المسلمين التي هي في معنى الحلف بالله
وأظهر الأقوال وهو القول الموافق للأقوال الثابتة عن الصحابة وعليه يدل الكتاب والسنة والاعتبار أنه يجزئه كفارة يمين في جميع أيمان المسلمين ، كما قال الله تعالى : ( ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم ) وقال تعالى : ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) ( 66 : 2 ) وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : فإذا قال : الحل علي حرام لا أفعل كذا ، أو الطلاق يلزمني لا أفعل كذا أو إن فعلت كذا فعلي الحج أو مالي صدقة ، أجزأه في ذلك كفارة يمين ، فإن كفر كفارة الظهار فهو أحسن . " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه "
بين العتق ، أو إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، إذا أطعمهم أطعم كل واحد جرية من الجرايات المعروفة في بلده ، مثل أن يطعم ثمان [ ص: 39 ] أواق أو تسع أواق بالشامي ويطعم مع ذلك إدامها كما جرت عادة وكفارة اليمين يخير فيها أهل الشام في إعطاء الجرايات خبزا وإداما ، وإذا كفر يمينه لم يقع به الطلاق ، وأما إذا قصد إيقاع الطلاق على الوجه الشرعي مثل أن ينجز الطلاق فيطلقها واحدة في طهر لم يصبها فيه ، فلذا يقع به الطلاق عندها ، مثل أن يكون مريدا للطلاق إذا فعلت أمرا من الأمور فيقول لها : إن فعلته فأنت طالق قصده أن يطلقها إذا فعلته ، فهذا مطلق يقع به الطلاق عند السلف وجماهير الخلف بخلاف من قصده أن ينهاها ويزجرها باليمين ، ولو فعلت ذلك الذي يكرهه لم يجز ( لعله لم يرد ) أن يطلقها بل هو مريد لها وإن فعلته ، لكنه قصد اليمين لمنعها عن الفعل لا مريدا أن يقع الطلاق إن فعلته فهذا حلف لا يقع به الطلاق في أظهر قولي العلماء من السلف والخلف ، بل يجزئه كفارة يمين كما تقدم " اه .