قوله : أو كالذي أو للعطف حملا على المعنى ، والتقدير : هل رأيت كالذي حاج أو كالذي مر على قرية .
قاله والفراء . الكسائي
وقال : إن المعنى : ألم تر إلى الذي حاج المبرد إبراهيم في ربه ، ألم تر من هو كالذي مر على قرية فحذف قوله من هو .
وقد اختار جماعة أن الكاف زائدة ، واختار آخرون أنها اسمية .
والمشهور أن القرية هي بيت المقدس بعد تخريب بختنصر لها ، وقيل : المراد بالقرية أهلها .
وقوله : خاوية على عروشها أي ساقطة على عروشها ، أي سقط السقف ثم سقطت الحيطان عليه ، قاله واختاره السدي وقيل : معناه خالية من الناس والبيوت قائمة ، وأصل الخواء الخلو ، يقال : خوت الدار وخويت تخوي خواء ممدود وخويا وخويا : أقفرت ، والخواء أيضا الجوع لخلو البطن عن الغذاء . ابن جرير
والظاهر القول الأول بدلالة قوله : على عروشها من خوى البيت إذا سقط ، أو من خوت الأرض إذا تهدمت ، وهذه الجملة حالية : أي من حال كونها كذلك .
وقوله : أنى يحيي هذه الله أي متى يحيي أو كيف يحيي ، وهو استبعاد لإحيائها وهي على تلك الحالة المشابهة لحالة الأموات المباينة لحالة الأحياء ، وتقديم المفعول لكون الاستبعاد ناشئا من جهته لا من جهة الفاعل .
فلما قال المار هذه المقالة مستبعدا لإحياء القرية المذكورة بالعمارة لها والسكون فيها ضرب الله له المثل في نفسه بما هو أعظم مما سأل عنه فأماته الله مائة عام ثم بعثه وحكى عن بعضهم أنه قال : كان هذا القول شكا في قدرة الله سبحانه على إحياء قرية بجلب العمارة إليها ، وإنما يتصور الشك إذا كان سؤاله عن إحياء موتاها . الطبري
وقوله : " مائة عام " منصوب على الظرفية .
والعام : السنة أصله مصدر كالعوم سمي به هذا القدر من الزمان .
وقوله : بعثه معناه أحياه .
قوله : قال كم لبثت هو استئناف كأن سائلا سأله ماذا قال له بعد بعثه .
واختلف في فاعل قال ، فقيل : هو الله عز وجل ، وقيل : ناداه بذلك ملك السماء ، قيل هو جبريل ، وقيل غيره ، وقيل إنه نبي من الأنبياء ، قيل رجل من المؤمنين من قومه شاهده عنده أن أماته الله وعمر إلى عند بعثه .
والأول أولى لقوله فيما بعد : وانظر إلى العظام كيف ننشزها وقرأ ابن عامر وأهل الكوفة إلا عاصما كم لبثتم بإدغام الثاء في التاء ؛ لتقاربهما في المخرج وقرأ غيرهم بالإظهار وهو أحسن لبعد مخرج الثاء من مخرج التاء .
وكم في موضع نصب على الظرفية ، وإنما قال : يوما أو بعض يوم بناء على ما عنده وفي ظنه فلا يكون كاذبا ، ومثله قول أصحاب الكهف : قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم [ الكهف : 19 ] ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم في قصة ذي اليدين : وهذا مما يؤيد قول من قال : إن الصدق ما طابق الاعتقاد ، والكذب ما خالفه . لم تقصر ولم أنس
وقوله : قال بل لبثت مائة عام هو استئناف أيضا كما سلف : أي ما لبثت يوما أو بعض يوم بل لبث مائة عام .
فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه أمره سبحانه أن ينظر إلى هذا الأثر العظيم من آثار القدرة ، وهو عدم تغير طعامه وشرابه مع طول تلك المدة . وقوله :
وقرأ وهذا طعامك وشرابك لم يتسنه وقرأ ابن مسعود وانظر لطعامك وشرابك لمائة سنة . طلحة بن مصرف
وروي عن طلحة أيضا أنه قرأ لم يسن بإدغام التاء في السين وحذف الهاء .
وقرأه الجمهور بإثبات الهاء في الوصل ، والتسنه مأخوذ من السنة : أي لم تغيره السنون ، وأصلها سنهة أو سنوة من سنهت النخلة وتسنهت : إذا أتت عليها السنون ، ونخلة سنا : أي تحمل سنة ولا تحمل أخرى ، وأسنهت عند بني فلان : أقمت عندهم ، وأصله يتسنا سقطت الألف للجزم والهاء للسكت وقيل : هو من أسن الماء : إذا تغير ، وكان يجب على هذا أن يقال : يتأسن من قوله : " حمإ مسنون " [ الحجر : 26 - 28 ] قاله . أبو عمرو الشيباني
وقاله : ليس كذلك ؛ لأن قوله : الزجاج مسنون ليس معناه متغير ، وإنما معناه مصبوب على سنه الأرض .
وقوله : وانظر إلى حمارك اختلف المفسرون في معناه ، فذهب الأكثر إلى أن معناه انظر إليه كيف تفرقت أجزاؤه ، ونخرت عظامه ثم أحياه الله وعاد كما كان .
وقال الضحاك : انظر إلى حمارك قائما في مربطه لم يصبه شيء بعد أن مضت عليه مائة عام ، ويؤيد القول الأول قوله تعالى : ووهب بن منبه وانظر إلى العظام كيف ننشزها ويؤيد القول الثاني مناسبته لقوله : فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وإنما ذكر سبحانه عدم تغير طعامه وشرابه بعد إخباره أنه لبث مائة عام ، مع أن عدم تغير ذلك الطعام والشراب لا يصلح أن يكون دليلا على تلك المدة الطويلة ، بل على ما قاله من لبثه يوما أو بعض يوم لزيادة استعظام ذلك الذي أماته الله تلك المدة ، فإنه إذا رأى طعامه وشرابه لم يتغير مع كونه قد ظن أنه لم يلبث إلا يوما أو بعض يوم زادت الحيرة وقويت عليه الشبهة ، فإذا نظر إلى حماره عظاما نخرة تقرر لديه أن ذلك صنع من تأتي قدرته بما لا تحيط به العقول ، فإن الطعام والشراب سريع التغير .
وقد بقي هذه المدة الطويلة غير متغير ، والحمار يعيش المدة الطويلة .
وقد [ ص: 180 ] صار كذلك فتبارك الله أحسن الخالقين [ المؤمنون : 14 ] .
قوله : ولنجعلك آية للناس قال الفراء : إنه أدخل الواو في قوله : ولنجعلك دلالة على أنها شرط لفعل بعدها ، معناه : ولنجعلك آية للناس ودلالة على جعلنا ذلك . البعث بعد الموت
وإن شئت جعلت الواو مقحمة زائدة .
قال : موضع كونه آية هو أنه جاء شبابا على حاله يوم مات ، فوجد الأبناء والحفدة شيوخا . الأعمش
قوله : وانظر إلى العظام كيف ننشزها قرأ الكوفيون وابن عامر بالزاي والباقون بالراء .
وروى أبان عن عاصم ننشرها بفتح النون الأولى وسكون الثانية وضم الشين والراء .
وقد أخرج الحاكم وصححه عن زيد بن ثابت
قرأ كيف ننشزها بالزاي . أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
فمعنى القراءة بالزاي نرفعها ، ومنه النشز : وهو المرتفع من الأرض : أي يرفع بعضها إلى بعض .
وأما معنى القراءة بالراء المهملة فواضحة من أنشر الله الموتى : أي أحياهم وقوله : ثم نكسوها لحما أي : نسترها به كما نستر الجسد باللباس فاستعار اللباس لذلك ، كما استعاره النابغة للإسلام فقال :
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي حتى اكتسيت من الإسلام سربالا
قوله : فلما تبين له أي ما تقدم ذكره من الآيات التي أراه الله سبحانه وأمره بالنظر إليها والتفكر فيها قال أعلم أن الله على كل شيء قدير لا يستعصي عليه شيء من الأشياء .قال : المعنى في قوله : ابن جرير فلما تبين له أي لما اتضح له عيانا ما كان مستنكرا في قدرة الله عنده قبل عيانه .
قال أعلم وقال أبو علي الفارسي معناه : أعلم أن هذا الضرب من العلم الذي لم أكن علمته .
وقرأ حمزة قال اعلم على لفظ الأمر خطابا لنفسه على طريق التجريد . والكسائي
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن علي في قوله : أو كالذي مر على قرية قال : خرج عزير نبي الله من مدينته وهو شاب ، فمر على قرية خربة وهي خاوية على عروشها ، فقال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه فأول ما خلق الله عيناه فجعل ينظر إلى عظامه ينضم بعضها إلى بعض ، ثم كسيت لحما ، ثم نفخ فيه الروح ، فقيل له : كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فأتى مدينته .
وقد ترك جارا له إسكافا شابا فجاء وهو شيخ كبير .
وقد ورد عن جماعة من السلف أن الذي أماته الله عزير ، منهم عند ابن عباس ابن جرير ومنهم وابن عساكر ، عند عبد الله بن سلام الخطيب ومنهم وابن عساكر ، عكرمة وقتادة وسليمان وبريدة والضحاك والسدي عند وورد عن جماعة آخرين أن الذي أماته الله هو نبي اسمه ابن جرير ، أرمياء ، فمنهم عبد الله بن عبيد بن عمير عند عبد بن حميد وابن المنذر ومنهم وابن أبي حاتم ، عند وهب بن منبه عبد الرزاق وابن جرير وأبي الشيخ .
وأخرج عنه أيضا أنه الخضر . ابن إسحاق
وأخرج عن رجل من أهل ابن أبي حاتم الشام أنه حزقيل .
وروى ابن كثير عن مجاهد أنه رجل من بني إسرائيل .
والمشهور القول الأول .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن في قوله : خاوية قال : خراب . ابن عباس
وأخرج عن ابن أبي حاتم قتادة قال : خاوية ليس فيها أحد .
وأخرج أيضا عن الضحاك قال : " على عروشها " سقوفها .
وأخرج عن ابن جرير قال : ساقطة على سقوفها . السدي
وأخرج عن ابن أبي حاتم قتادة قال : لبثت يوما ، ثم التفت فرأى الشمس فقال أو بعض يوم .
وأخرج عنه أيضا قال : كان طعامه الذي معه سلة من تين ، وشرابه زقا من عصير .
وأخرج أيضا عن مجاهد نحوه .
وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر عن وابن أبي حاتم في قوله : " لم يتسنه " قال : لم يتغير . ابن عباس
وأخرج عبد بن حميد قال : لم يتسنه لم ينتن . وابن جرير
وأخرج عن ابن أبي حاتم في قوله : ابن مسعود ولنجعلك آية للناس مثل ما تقدم عن وكذلك أخرج مثله أيضا عن الأعمش ، عكرمة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن في قوله : ابن عباس كيف ننشزها قال : نخرجها .
وأخرج عن ابن جرير قال : نحييها . زيد بن ثابت