إذا مات فوق الرحل أحييت روحه بذكراك والعيس المراسيل جنح
ومثله قول عنترة :جوانح قد أيقن أن قبيله إذا ما التقى الجمعان أول غالب
قرأ الأعمش وأبو بكر وابن محيصن والمفضل بكسر السين ، وقرأ الباقون بفتحها .
وقرأ " فاجنح " بضم النون ، وقرأ الباقون بفتحها ، والأولى لغة قيس ، والثانية لغة تميم . العقيلي
قال : ولغة قيس هي القياس ، والسلم تؤنث كما تؤنث الحرب ، أو هي مؤولة بالخصلة ، أو الفعلة . ابن جني
وقد اختلف أهل العلم هل هذه الآية منسوخة أم محكمة ؟ فقيل : هي منسوخة بقوله : فاقتلوا المشركين وقيل : ليست بمنسوخة ؛ لأن المراد بها قبول الجزية ، وقد قبلها منهم الصحابة فمن بعدهم ، فتكون خاصة بأهل الكتاب ، وقيل : إن المشركين إن دعوا إلى الصلح جاز أن يجابوا إليه ، وتمسك المانعون من بقوله - تعالى - : مصالحة المشركين فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ( محمد : 35 ) .
وقيدوا عدم الجواز بما إذا كان المسلمون في عزة وقوة لا إذا لم يكونوا كذلك ، فهو جائز كما وقع منه - صلى الله عليه وسلم - من مهادنة قريش ، وما زالت الخلفاء والصحابة على ذلك ، وكلام أهل العلم في هذه المسألة معروف مقرر في مواطنه وتوكل على الله في جنوحك للسلم ولا تخف من مكرهم ، ف إنه - سبحانه - هو السميع لما يقولون العليم بما يفعلون .
وإن يريدوا أن يخدعوك بالصلح ، وهم مضمرون الغدر والخدع فإن حسبك الله أي كافيك ما تخافه من شرورهم بالنكث والغدر ، وجملة هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين تعليلية ، أي لا تخف من خدعهم ومكرهم ، فإن الله الذي قواك عليهم بالنصر فيما مضى ، وهو يوم بدر ، هو الذي سينصرك ويقويك عليهم عند حدوث الخدع والنكث ، والمراد بالمؤمنين المهاجرون والأنصار .
ثم بين كيف كان تأييده بالمؤمنين فقال : وألف بين قلوبهم وظاهره العموم وأن ائتلاف قلوب المؤمنين هو من أسباب النصر التي أيد الله بها رسوله .
وقال جمهور المفسرين : المراد الأوس والخزرج ، فقد كان بينهم عصبية شديدة وحروب عظيمة فألف الله بين قلوبهم بالإيمان برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقيل : أراد التأليف بين المهاجرين والأنصار ، والحمل على العموم أولى ، فقد كانت العرب قبل البعثة المحمدية يأكل بعضهم بعضا ولا يحترم ماله ولا دمه ، حتى جاء الإسلام فصاروا يدا واحدة ، وذهب ما كان بينهم من العصبية ، وجملة لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم مقررة لمضمون ما قبلها .
والمعنى أن ما كان بينهم من العصبية والعداوة قد بلغ إلى حد لا يمكن دفعه بحال من الأحوال ، ولو أنفق الطالب له جميع ما في الأرض ، لم يتم له ما طلبه من التأليف ؛ لأن أمرهم في ذلك قد تفاقم جدا ولكن الله ألف بينهم بعظيم قدرته وبديع صنعه إنه عزيز لا يغالبه مغالب ، ولا يستعصي عليه أمر من الأمور حكيم في تدبيره ونفوذ نهيه وأمره .
وقد أخرج ابن المنذر ، ، عن وابن أبي حاتم مجاهد في قوله : وإن جنحوا للسلم قال : قريظة .
وأخرج أبو الشيخ ، عن ، في الآية قال : نزلت في السدي بني قريظة نسختها فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم ( محمد : 35 ) إلى آخر الآية .
وأخرج ، عن ابن أبي حاتم ، قال : السلم الطاعة . ابن عباس
وأخرج أبو الشيخ ، عنه في الآية قال : إن رضوا فارض .
وأخرج ، عن ابن أبي حاتم ، في الآية قال : إن أرادوا الصلح فأرده . السدي
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ، في الآية قال : نسختها هذه الآية : ابن عباس قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ( التوبة : 29 ) إلى قوله : وهم صاغرون ( التوبة : 5 ) .
وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، والنحاس ، في ناسخه وأبو الشيخ ، عن قتادة ، قال : ثم نسخ ذلك فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( التوبة : 5 ) .
وأخرج ابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله : وإن يريدوا أن يخدعوك قال : قريظة .
وأخرج ، عن ابن أبي حاتم ، في قوله : السدي وبالمؤمنين قال : بالأنصار .
وأخرج ابن مردويه ، عن نحوه . النعمان بن بشير
وأخرج ابن مردويه ، عن ، نحوه أيضا . ابن عباس
وأخرج ، عن ابن عساكر قال : مكتوب على العرش لا إله إلا الله ، أنا الله وحدي لا شريك لي ، ومحمد عبدي ورسولي أيدته بعلمي ، وذلك قوله : أبي هريرة هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين .
وأخرج ابن المبارك ، وابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا ، والنسائي ، والبزار ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب عن أن هذه الآية نزلت في المتحابين في الله ابن مسعود لو أنفقت ما في الأرض جميعا الآية .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، والبيهقي في شعب الإيمان ، واللفظ له عن ، قال : قرابة الرحم تقطع ، ومنة المنعم تكفر ، ولم نر مثل تقارب القلوب ، يقول الله : ابن عباس لو أنفقت ما في الأرض جميعا الآية .
وأخرج ابن المبارك وعبد الرزاق ، ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، والحاكم والبيهقي عنه نحوه ، وليس في هذا عن ، ما يدل على أنه سبب النزول ، ولكن الشأن في قول ابن عباس - رضي الله عنه - : إن هذه الآية نزلت في المتحابين في الله مع أن الواقع قبلها ابن مسعود هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين والواقع بعدها ياأيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ( الأنفال : 64 ) [ ص: 549 ] ومع كون الضمير في قوله : ما ألفت بين قلوبهم يرجع إلى المؤمنين المذكورين قبله بلا شك ولا شبهة ، وكذلك الضمير في قوله : ولكن الله ألف بينهم فإن هذا يدل على أن التأليف المذكور هو بين المؤمنين الذين أيد الله بهم رسوله - صلى الله عليه وسلم .