قرأ أبو عمرو " وعدنا " بغير ألف ، ورجحه أبو عبيدة وأنكر " واعدنا " قال : لأن المواعدة إنما تكون من البشر ، فأما من الله فإنما هو التفرد بالوعد على هذا وجدنا القرآن كقوله وعدكم وعد الحق [ إبراهيم : 22 ] وقوله : وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين [ الأنفال : 7 ] ومثله ، قال أبو حاتم ومكي ، وإنما قالوا هكذا نظرا إلى أصل المفاعلة أنها تفيد الاشتراك في أصل الفعل وتكون من كل واحد من المتواعدين ونحوهما ، ولكنها قد تأتي للواحد في كلام العرب كما في قولهم : داويت العليل ، وعاقبت اللص ، وطارقت النعل ، وذلك كثير في كلامهم .
وقرأه الجمهور واعدنا قال النحاس : وهي أجود وأحسن وليس قوله : وعد الله الذين آمنوا [ المائدة : 9 ] من هذا في شيء ، لأن واعدنا موسى إنما هو من باب الموافاة ، وليس هو من الوعد والوعيد في شيء ، وإنما هو من قولك : موعدك يوم الجمعة ، وموعدك موضع كذا ، والفصيح في هذا أن يقال : واعدته .
قال : واعدنا بالألف هاهنا جيد ، لأن الطاعة في القبول بمنزلة المواعدة ، فمن الله سبحانه وعد ومن الزجاج موسى قبول .
قوله : أربعين ليلة قال : التقدير تمام أربعين ليلة ، وهي عند أكثر المفسرين : ذو القعدة وعشر من ذي الحجة ، وإنما خص الليالي بالذكر دون الأيام لأن الليلة أسبق من اليوم فهي قبله في الرتبة . الزجاج
ومعنى قوله : ثم اتخذتم العجل أي جعلتم العجل إلها من بعده : أي من بعد مضي موسى إلى الطور .
وقد ذكر بعض المفسرين أنهم عدوا عشرين يوما وعشرين ليلة .
وقالوا : قد اختلف موعده فاتخذوا العجل ، وهذا غير بعيد منهم ، فقد كانوا يسلكون طرائق من التعنت خارجة عن قوانين العقل مخالفة لما يخاطبون به بل ويشاهدونه بأبصارهم ، فلا يقال كيف تعدون الأيام والليالي على تلك الصفة ، وقد صرح لهم في الوعد بأنها أربعون ليلة ، وإنما سماهم ظالمين لأنهم أشركوا بالله وخالفوا موعد نبيهم عليه السلام ، والجملة في موضع نصب على الحال .
وقوله : من بعد ذلك أي من بعد عبادتكم العجل ، وسمي العجل عجلا لاستعجالهم عبادته كذا قيل ، وليس بشيء لأن العرب تطلق هذا الاسم على ولد البقر .
وقد كان جعله لهم السامري على صورة العجل .
وقوله : لعلكم تشكرون أي لكي تشكروا ما أنعم الله به عليكم من العفو عن ذنبكم العظيم الذي وقعتم فيه .
وأصل الشكر في اللغة : الظهور من قولهم دابة شكور إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تعطى من العلف .
قال الجوهري الشكر : الثناء على المحسن بما أولاك من المعروف ، يقال : شكرته وشكرت له ، وباللام أفصح ، وقد تقدم معناه ، والشكران خلاف الكفران .
والكتاب : التوراة بالإجماع من المفسرين .
واختلفوا في الفرقان ، وقال الفراء وقطرب : المعنى آتينا موسى التوراة ومحمدا الفرقان .
وقد قيل : إن هذا غلط أوقعهما فيه أن الفرقان مختص بالقرآن وليس كذلك ، فقد قال الله تعالى : ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان [ الأنبياء : 48 ] وقال : إن الفرقان هو الكتاب أعيد ذكره تأكيدا . الزجاج
وحكي نحوه عن الفراء ، ومنه قول عنترة :
حييت من طلل تقادم عهده أقوى وأقفر بعد أم الهيثم
وقيل : إن الواو صلة ، والمعنى : موسى الكتاب الفرقان ، والواو قد تزاد في النعوت كقول الشاعر : آتيناإلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم
وقال ابن زيد : الفرقان انفراق البحر ، وقيل : الفرقان الفرج من الكرب ، وقيل : إنه الحجة والبيان بالآيات التي أعطاه الله من العصا واليد وغيرهما ، وهذا أولى وأرجح ويكون العطف على بابه كأنه قال : آتينا موسى التوراة والآيات التي أرسلناه بها معجزة له .
قوله : يا قوم القوم يطلق تارة على الرجال دون النساء ، ومنه قول زهير :
وما أدري وسوف إخال أدري أقوم آل حصن أم نساء
والبارئ الخالق ، وقيل : إن البارئ هنا إشارة إلى عظيم جرمهم : أي فتوبوا إلى الذي خلقكم وقد عبدتم معه غيره .
والفاء في قوله : فتوبوا للسببية : أي لتسبب التوبة عن الظلم ، وفي قوله : فاقتلوا للتعقيب : أي اجعلوا القتل متعقبا للتوبة .
قال القرطبي : وأجمعوا على أنه لم يؤمر كل واحد من عبدة العجل بأن يقتل نفسه بيده ، قيل : قاموا صفين وقتل بعضهم بعضا ، وقيل : وقف الذين عبدوا العجل ودخل الذين لم يعبدوه عليهم بالسلاح فقتلوهم .
وقوله : فتاب عليكم قيل : في الكلام حذف : أي فقتلتم أنفسكم فتاب عليكم : أي على الباقين منكم .
وقيل : هو جواب شرط محذوف كأنه قال : فإن فعلتم فقد تاب عليكم .
وأما ما قاله صاحب الكشاف : من أنه يجوز أن يكون خطابا من الله لهم على طريقة الالتفات فيكون التقدير : ففعلتم ما أمركم به موسى فتاب عليكم بارئكم ، فهو بعيد جدا كما لا يخفى .
وقد أخرج عن ابن جرير أبي العالية في قوله : أربعين ليلة قال : ذا القعدة وعشرا من ذي الحجة .
وقد أخرج عنه في قوله : من بعد ذلك قال : من بعد ما اتخذتم العجل . ابن جرير
وأخرج عبد بن حميد عن وابن جرير مجاهد في قوله : وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان قال : الكتاب هو الفرقان ، فرق بين الحق والباطل .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قال : الفرقان جماع اسم التوراة والإنجيل والزبور والقرآن . ابن عباس
وأخرج عنه قال : أمر ابن جرير موسى قومه عن أمر ربه أن يقتلوا أنفسهم ، واختبأ الذين عكفوا على العجل فجلسوا ، وقام الذين لم يعكفوا على العجل فأخذوا الخناجر بأيديهم وأصابتهم ظلمة شديدة فجعل يقتل بعضهم بعضا ، فانجلت الظلمة عنهم عن سبعين ألف قتيل ، كل من قتل منهم كانت له توبة ، وكل من بقي كانت له توبة .
وأخرج عن ابن أبي حاتم علي قال : قالوا لموسى : ما توبتنا ؟ قال : يقتل بعضكم بعضا ، فأخذوا السكاكين فجعل الرجل يقتل أخاه وأباه وابنه لا يبالي من قتل حتى قتل منهم سبعون ألفا ، فأوحى الله إلى موسى : مرهم فليرفعوا أيديهم ، وقد غفر لمن قتل وتيب على من بقي .
وقد أخرج عن عبد بن حميد قتادة ، وأخرج أحمد في الزهد عن وابن جرير نحوا مما سبق . الزهري
وأخرج عن ابن أبي حاتم أبي العالية في قوله : إلى بارئكم قال : خالقكم .