والضياء قيل : جمع ضوء كالسياط والحياض .
وقرأ عن قنبل ابن كثير " ضئاء " بجعل الياء همزة مع الهمزة ، ولا وجه له لأن ياءه كانت واوا مفتوحة ، وأصله ضواء فقلبت ياء لكسر ما قبلها .
قال المهدوي : ومن قرأ ضئاء بالهمزة فهو مقلوب قدمت الهمزة التي بعد الألف ، فصارت قبل الألف ، ثم قلبت الياء همزة ، والأولى أن يكون ( ضياء ) مصدرا لا جمعا ، مثل قام يقوم قياما ، وصام يصوم صياما ، ولا بد من تقدير مضاف : أي جعل الشمس ذات ضياء والقمر ذا نور إلا أن يحمل على المبالغة ، وكأنهما جعلا نفس الضياء والنور .
قيل : الضياء أقوى من النور ، وقيل : الضياء هو ما كان بالذات ، والنور ما كان بالعرض ، ومن هنا قال الحكماء : إن نور القمر مستفاد من ضوء الشمس .
قوله : وقدره منازل أي قدر مسيره في منازل ، أو قدره ذا منازل ، والضمير راجع إلى القمر ، : [ ص: 612 ] هي المسافة التي يقطعها في يوم وليلة بحركته الخاصة به ، وجملتها ثمانية وعشرون وهي معروفة ، ينزل القمر في كل ليلة منها منزلا لا يتخطاه ، فيبدو صغيرا في أول منازله ، ثم يكبر قليلا قليلا حتى يبدو كاملا ، وإذا كان في آخر منازله رق واستقوس ، ثم يستتر ليلتين إذا كان الشهر كاملا ، أو ليلة إذا كان ناقصا ، والكلام في هذا يطول . ومنازل القمر
وقد جمعنا فيه رسالة مستقلة جوابا عن سؤال أورده علينا بعض الأعلام .
وقيل : إن الضمير راجع إلى كل واحد من الشمس والقمر ، كما قيل في قوله تعالى : وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها [ الجمعة : 11 ] .
وفي قول الشاعر :
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف
وقد قدمنا تحقيق هذا فيما سبق من هذا التفسير ، والأولى : رجوع الضمير إلى القمر وحده ، كما في قوله تعالى : والقمر قدرناه منازل [ يس : 39 ] ، ثم ذكر بعض المنافع المتعلقة بهذا التقدير ، فقال : لتعلموا عدد السنين والحساب فإن في ما لا يحصى ، وفي العلم بحساب الأشهر والأيام والليالي من ذلك ما لا يخفى ، ولولا هذا التقدير الذي قدره الله سبحانه ، لم يعلم الناس بذلك ، ولا عرفوا ما يتعلق به كثير من مصالحهم . العلم بعدد السنين من المصالح الدينية والدنيويةوالسنة تتحصل من اثني عشر شهرا ، والشهر يتحصل من ثلاثين يوما إن كان كاملا ، واليوم يتحصل من ساعات معلومة هي أربع وعشرون ساعة لليل والنهار ، قد يكون لكل واحد منهما اثنتا عشرة ساعة في أيام الاستواء ، ويزيد أحدهما على الآخر في أيام الزيادة وأيام النقصان ، والاختلاف بين السنة الشمسية والقمرية معروف ، ثم بين سبحانه أنه ما خلق الشمس والقمر واختلاف تلك الأحوال إلا بالحق والصواب دون الباطل والعبث ، فالإشارة بقوله : ذلك إلى المذكور قبله ، والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال ، ومعنى تفصيل الآيات تبيينها ، والمراد بالآيات : التكوينية أو التنزيلية أو مجموعهما ، وتدخل هذه الآيات التكوينية المذكورة هنا دخولا أوليا في ذلك .
قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص ، ويعقوب يفصل بالتحتية .
وقرأ ابن السميفع " تفصل " بالفوقية على البناء للمفعول ، وقرأ الباقون بالنون .
واختار أبو عبيد ، وأبو حاتم ، القراءة الأولى ، ولعل وجه هذا الاختيار أن قبل هذا الفعل ما خلق الله ذلك إلا بالحق وبعده وما خلق الله في السماوات والأرض .
ثم ذكر سبحانه المنافع الحاصلة من اختلاف الليل والنهار ، وما خلق في السماوات والأرض من تلك المخلوقات ، فقال : إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون أي الذين يتقون الله سبحانه ، ويجتنبون معاصيه ، وخصهم بهذه الآيات لأنهم الذين يمعنون النظر والتفكر في مخلوقات الله سبحانه ، حذرا منهم عن الوقوع في شيء مما يخالف مراد الله سبحانه ، ونظرا لعاقبة أمرهم ، وما يصلحهم في معادهم .
قال القفال : من تدبر في هذه الأحوال علم أن الدنيا مخلوقة لبقاء الناس فيها ، وأن خالقها وخالقهم ما أهملهم بل جعلها لهم دار عمل ، وإذا كان كذلك فلا بد من أمر ونهي .
وقد أخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن في قوله تعالى : السدي ، جعل الشمس ضياء والقمر نورا قال : لم يجعل الشمس كهيئة القمر لكي يعرف الليل من النهار ، وهو قوله : فمحونا آية الليل [ الإسراء : 12 ] الآية .
وأخرج أبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن في الآية قال : وجوههما إلى السماوات ، وأقفيتهما إلى الأرض . ابن عباس ،
وأخرج ابن مردويه ، عن مثله . عبد الله بن عمرو
وأخرج أبو الشيخ ، عن خليفة العبدي قال : لو أن الله تبارك وتعالى لم يعبد إلا عن رؤية ، ما عبده أحد ، ولكن المؤمنون تفكروا في مجيء هذا الليل إذا جاء فملأ كل شيء ، وغطى كل شيء ، وفي مجيء سلطان النهار إذا جاء فمحا سلطان الليل ، وفي السحاب المسخر بين السماء والأرض ، وفي النجوم ، وفي الشتاء والصيف ، فوالله ما زال المؤمنون يتفكرون فيما خلق ربهم تبارك وتعالى حتى أيقنت قلوبهم بربهم .