وهو نوع لغة لبعض العرب ، اختص بروايته من أنواع تخفيف الهمز المفرد بشرط أن يكون آخر كلمة ، وأن يكون غير حرف مد ، وأن تكون الهمزة أول الكلمة الأخرى ، سواء كان ذلك الساكن تنوينا ، أو لام تعريف ، أو غير ذلك ، فيتحرك ذلك الساكن بحركة الهمزة ، وتسقط هي من اللفظ ؛ لسكونها وتقدير سكونها ، وذلك نحو ( ورش ومتاع إلى حين ، وكل شيء أحصيناه ، و خبير أن لا تعبدوا ، و بعاد إرم ، و لأي يوم أجلت ، و حامية ألهاكم ) ونحو ( الآخرة ، و الآخر ، و الأرض ، و الأسماء ، و الإنسان ، و الإيمان ، والأولى ، و الأخرى ، و الأنثى ) ونحو ( من آمن ، و من إله ، و من إستبرق ، و من أوتي ، ولقد آتينا ، و الم أحسب الناس ، و فحدث ألم نشرح ، و خلوا إلى ، و ابني آدم ) ونحو ذلك . فإن [ ص: 409 ] كان الساكن حرف مد تركه على أصله المقرر في باب المد والقصر نحو ( يايها ، و انا ان ، وفي أنفسكم ، وقالوا آمنا ) واختلف ، عن في حرف واحد من الساكن الصحيح ، وهو قوله تعالى : في الحاقة ( ورش كتابيه إني ظننت ) فروى الجمهور عنه إسكان الهاء وتحقيق الهمزة على مراد القطع والاستئناف من أجل إنهاء هاء السكت ، وهذا الذي قطع به غير واحد من الأئمة من طريق الأزرق ، ولم يذكر في " التيسير " غيره ، وقال : إنه قرأ بالتحقيق من طريقيه على الخاقاني وأبي الفتح ، وابن غلبون ، وبه قرأ صاحب " التجريد " من طريق الأزرق ، عن ابن نفيس ، عن أصحابه ، عنه ، وعلى عبد الباقي ، عن أصحابه ، عن ابن عراك ، عنه ، ومن طريق الأصبهاني أيضا بغير خلف عنه ، وهو الذي رجحه الشاطبي وغيره ، وروى النقل فيه كسائر الباب جماعة من أهل الأداء ، ولم يفرقوا بينه وبين غيره ، وبه قطع غير واحد من طريق الأصبهاني ، وهو ظاهر نصوص العراقيين له ، وذكره بعضهم عن الأزرق ، وبه قرأ صاحب " التجريد " على عبد الباقي ، عن أبيه من طريق أبي هلال عنه . وأشار إلى ضعفه وقال أبو القاسم الشاطبي ، : أخذ قوم بترك النقل في هذا ، وتركه أحسن وأقوى ، وقال مكي أبو العباس المهدوي في هدايته وعنه ( كتابيه إني ) النقل والتحقيق ، فسوى بين الوجهين .
( قلت ) : وترك النقل فيه هو المختار عندنا ، والأصح لدينا ، والأقوى في العربية ، وذلك أن هذه الهاء هاء سكت ، وحكمها السكون ، فلا تحرك إلا في ضرورة الشعر على ما فيه من قبح ، وأيضا فلا تثبت إلا في الوقف ، فإذا خولف الأصل فأثبتت في الوصل إجراء له مجرى الوقف لأجل إثباتها في رسم المصحف ، فلا ينبغي أن يخالف الأصل من وجه آخر ، وهو تحريكها ، فيجتمع في حرف واحد مخالفتان ، وانفرد الهذلي ، عن أصحابه ، عن الهاشمي ، عن ابن جماز بالنقل كمذهب فيما ينقل إليه من جميع القرآن ، وهو رواية ورش العمري ، عن أصحابه ، عن أبي جعفر ، ووافقه على النقل في ( من استبرق ) فقط في الرحمن رويس ووافقه على ( آلآن ) في موضعي يونس وهما [ ص: 410 ] ( آلآن وقد كنتم ، آلآن وقد عصيت ) قالون وابن وردان ، وانفرد الحمامي عن النقاش ، عن ، عن أبي الحسن الجمال الحلواني ، عن بالتحقيق فيها كالجماعة ، وكذلك انفرد قالون في كفايته لحكايته في وجه سبط الخياط لأبي نشيط ، وقد خالفا في ذلك جميع أصحاب وجميع النصوص الواردة عنه وعن أصحابه ، والله أعلم . وانفرد قالون أيضا ، عن أصحابه عن أبو الحسن بن العلاف ابن وردان بالتحقيق في الحرفين ، فخالف الناس في ذلك ، واختلف عن ابن وردان في ( آلآن ) في باقي القرآن فروى النهرواني من جميع طرقه ، وابن هارون من غير طريق هبة الله ، وغيرهما النقل فيه ، وهو رواية الأهوازي ، وغيرهما عنه ، ورواه والرهاوي ، هبة الله ، وابن مهران والوراق وابن العلاف ، عن أصحابهم ، عنه ، بالتحقيق ، والوجهان صحيحان عنه ، نص عليهما له غير واحد من الأئمة ، والله أعلم .
والهاشمي عن ابن جماز في ذلك كله على أصله من النقل كما تقدم ، والله أعلم .
واتفق ورش وقالون وأبو عمرو وأبو جعفر ، ويعقوب في : ( عادا الأولى ) في النجم على نقل حركة الهمزة المضمومة بعد اللام وإدغام التنوين قبلها في حالة الوصل من غير خلاف عن أحد منهم ، واختلف عن في قالون ، فروى عنه همزها جمهور المغاربة ، ولم يذكر همز الواو التي بعد اللام الداني عنه ولا ابن مهران ولا الهذلي من جميع الطرق سواه ، وبه قطع في " الهادي " و " الهداية " و " التبصرة " و " الكافي " و " التذكرة " و " التلخيص " و " العنوان " وغيرها من طريق أبي نشيط وغيره ، وبه قرأ صاحب " التجريد " على ابن نفيس وعبد الباقي من طريق أبي نشيط ، ورواه عنه جمهور العراقيين من طريق الحلواني ، وبه قطع له ابن سوار وأبو العز وأبو العلاء الهمداني ، في مؤلفاته ، وروى عنه بغير همز وسبط الخياط أهل العراق قاطبة من طريق أبي نشيط كصاحب " التذكار " ، و " المستنير " ، و " الكفاية " ، و " الإرشاد " و " غاية الاختصار " ، و " المبهج " ، و " الكفاية " في الست والمصباح وغيرهم ، ورواه صاحب " التجريد " عن الحلواني ، والوجهان صحيحان ، غير أن الهمز أشهر عن الحلواني ، وعدمه أشهر عن أبي نشيط ، وليس الهمز مما انفرد به [ ص: 411 ] كما ظن من لا اطلاع له على الروايات ومشهور الطرق والقراءات ، فقد رواه عن قالون نافع أيضا أبو بكر بن أبي أويس ، وابن أبي الزناد ، عن وابن جبير إسماعيل ، عن نافع وابن ذكوان عن وابن سعدان ، المسيبي ، عنه . وانفرد به الحنبلي ، عن هبة الله ، عن أصحابه في رواية ابن وردان ، واختلف في توجيه الهمز ، فقيل وجهه ضمة اللام قبلها ، فهمزت لمجاورة الضم كما همزت في : سؤق ويؤقن ، وهي لغة لبعض العرب كما قال الشاعر .
أحب المؤقدين إلي موسى
ذكره أبو علي في الحجة وغيره . وقيل : الأصل في الواو الهمز ، وأبدلت لسكونه بعد همز مضموم واوا كـ " أوتي " ، فلما حذفت الهمزة الأولى بعد النقل زال اجتماع الهمزتين ، فرجعت لك الهمزة . قال الحافظ في كتاب التمهيد له : قد كان بعض المنتحلين لمذهب القراء يقول بأنه لا وجه لقراءة أبو عمرو الداني بحيلة وجهل العلة ، وذلك أن أولى وزنها فعلى ؛ لأنها تأنيث أول ، كما أن أخر تأنيث أخرى ، هذا في قول من لم يهمز الواو فمعناها على هذا المتقدمة ; لأن أول الشيء متقدمه ، فأما في قول قالون فهي عندي مشتقة من ( وأل ) . أي : لجا ، ويقال : نجا . فالمعنى أنها نجت بالسبق لغيرها ، فهذا وجه بين من اللغة والقياس ، وإن كان غيره أبين فليس سبيل ذلك أن يدفع ويطلق عليه الخطأ ; لأن الأئمة إنما تأخذ بالأثبت عندها في الأثر دون القياس إذا كانت القراءة سنة . فالأصل فيها على قوله : ( وءلى ) بواو مضمومة بعدها همزة ساكنة ، فأبدلت الواو همزة لانضمامهما كما أبدلت في : قالون أقتت ، وهي من الوقت ، فاجتمعت همزتان : الثانية ساكنة ، والعرب لا تجمع بينهما على هذا الوجه فأبدلت الثانية واوا لسكونها وانضمام ما قبلها ، كما أبدلت في يومن ويوتى وشبههما ، ثم أدخلت الألف واللام للتعريف ، فقيل : " الأولى " بلام ساكنة بعدها همزة مضمومة بعدها واو ساكنة ، فلما أتى التنوين قبل اللام في قوله ( عادا ) التقى ساكنان ، فألقيت حينئذ حركة الهمزة على اللام وحركتها بها لئلا يلتقي ساكنان .
[ ص: 412 ] ولو كسرت التنوين ولم تدغمه لكان القياس ، ولكن هذا وجه الرواية ، فلما عدمت المضمومة وهي الموجبة لإبدال الهمزة واوا لفظا رد قالون تلك الهمزة لعدم العلة الموجبة لإبدالها . فعامل اللفظ . قال : ونظير ذلك ( لقاءنا ، ايت ، وقال ايتوني ) وشبهه فيه ، ألا ترى أنك إذا وصلت حققت الهمزة لعدم وجود همزة الوصل حينئذ ، فإذا ابتدأت كسرت ألف الوصل ، وأبدلت الهمزة ، فكذلك هنا . فعله مما دخلت عليه ألف الوصل على الهمزة وقال : أصل ( أولى ) عند البصريين " وولى " بواوين - تأنيث أول - قلبت الواو الأولى همزة وجوبا حملا على جمعه ، وعند الكوفيين ( وءلى ) بواو وهمزة من وأل ، فأبدلت الواو همزة على حد ( وجوه ) فاجتمع همزتان ، فأبدلت الثانية واوا على حد ( قالون أوتي ) انتهى . فعلى هذا تكون ( الأولى ) في القراءتين بمعنى ، وهو الظاهر ، والله أعلم .
وقرأ الباقون : ابن كثير ، وابن عامر ، والكوفيون بكسر التنوين وإسكان اللام وتحقيق الهمزة بعدها . هذا حكم الوصل ، وأما حكم الابتداء فيجوز في مذهب أبي عمرو ، ويعقوب ، وقالون إذا لم يهمز الواو ، ، وأبي جعفر من غير طريق الهاشمي عن ابن جماز ، ومن غير طريق الحنبلي عن ابن وردان ثلاثة أوجه :
( أحدها ) الأولى بإثبات همزة الوصل وضم اللام بعدها ، وهذا الذي لم ينص ابن سوار على سواه ، ولم يظهر من عبارة أكثر المؤلفين غيره ، وهو أحد الثلاثة في " التيسير " ، و " التذكرة " ، وغاية أبي العلاء ، وكفاية أبي العز ، و " الإعلان " ، و " الشاطبية " ، وغيرها ، وأحد الوجهين في " التبصرة " و " التجريد " ، و " الكافي " ، و " الإرشاد " ، و " المبهج " ، و " الكفاية " .
( الثاني ) ( لولى ) بضم اللام وحذف همزة الوصل قبلها اكتفاء عنها بتلك الحركة ، وهذا الوجه هو ثاني الوجوه الثلاثة في الكتب المتقدمة ، كالتيسير ، و " التذكرة " و " الغاية " ، و " الكفاية " ، و " الإعلان " ، و " الشاطبية " ، وهو الوجه الثاني في " الكافي " ، و " الإرشاد " ، و " المبهج " ، وكفايته ، وغيرها ، وهذان الوجهان جائزان في ذلك ، وشبهه في مذهب وطريق ورش الهاشمي عن ابن جماز كما سيأتي .
( الثالث ) ( الأولى ) ترد الكلمة إلى أصلها فتأتي بهمزة الوصل [ ص: 413 ] وإسكان اللام ، وتحقيق الهمزة المضمومة بعدها ، وهذا الوجه منصوص عليه في " التيسير " ، و " التذكرة " ، و " الغاية " ، و " الكفاية " ، و " الإعلان " ، و " الشاطبية " ، وهو الوجه الثاني في " التبصرة " ، و " التجريد " ، . قال : وهو أحسن ، وقال مكي أبو الحسن بن غلبون : وهذا أجود الوجوه ، وقال في " التيسير " : وهو عندي أحسن الوجوه وأقيسها ؛ لما بينته من العلة في ذلك في كتاب " التمهيد " ، وقال في " التمهيد " : وهذا الوجه عندي أوجه الثلاثة ، وأليق وأقيس من الوجهين الأولين ، وإنما قلت ذلك لأن العلة التي دعت إلى مناقضة الأصل في الوصل في هذا الموضع - خاصة مع صحة الرواية بذلك - هي التنوين في كلمة " عاد " لسكونه وسكون لام المعرفة بعد ، فحرك اللام حينئذ بحركة الهمزة ؛ لئلا يلتقي ساكنان ويتمكن إدغام التنوين فيها إيثارا للمروي عن العرب في مثل ذلك ، فإذا كان ذلك كذلك ، والتقاء الساكنين والإدغام في الابتداء معدوم بافتراق الكلمتين حينئذ بالوقف على إحداهما والابتداء بالثانية ، فلما زالت العلة الموجبة لإلقاء حركة الهمزة على ما قبلها في الابتداء - وجب رد الهمز ليوافق بذلك - يعني أصل مذهبهم في سائر القرآن . انتهى .
وكذلك يجوز في الابتداء بها في وجه همز الواو ، لقالون وللحنبلي عن ابن وردان ثلاثة أوجه ( أحدها ) ( الاؤلى ) بهمزة الوصل وضم اللام وهمزة ساكنة على الواو ( ثانيها ) ( لولى ) بضم اللام وحذف همزة الوصل وهمزة الواو ( ثالثها ) ( الأولى ) كوجه أبي عمرو الثالث . وهذه الأوجه هي أيضا في الكتب المذكورة كما تقدم ، إلا أن صاحب " الكافي " لم يذكر هذا الثالث عن أبي عمرو ، وذكره ، ولم يذكر الثاني لقالون صاحب " التبصرة " ، وذكر له الثالث بصيغة التضعيف ، فقال : وقيل إنه يبتدأ لقالون بالقطع وهمزة كالجماعة ، وظاهر عبارة لقالون أبي العلاء الحافظ جواز الثالث عن أيضا ، وهو سهو ، والله أعلم . فأما إذا كان الساكن والهمز في كلمة واحدة ، فلا ينقل إليه إلا في كلمات مخصوصة وهي ( ورش ردءا ، و ملء ، والقرآن ، واسأل ) أما ( ردءا ) من قوله :
[ ص: 414 ] ( ردءا يصدقني ) في القصص فقرأه بالنقل نافع وأبو جعفر ، إلا أن أبا جعفر أبدل من التنوين ألفا في الحالين ، ووافقه نافع في الوقف ، وأما ( ملء ) من قوله : ( ملء الأرض ذهبا ) في آل عمران . فاختلف فيه عن ابن وردان والأصبهاني ، عن فرواه بالنقل ورش ، النهرواني ، عن أصحابه ، عن ابن وردان ، وبه قطع لابن وردان الحافظ أبو العلاء ، ورواه من الطريق المذكورة أبو العز في " الإرشاد " ، و " الكفاية " ، وابن سوار ، في " المستنير " ، وهو رواية العمري عنه ، ورواه سائر الرواة عن ابن وردان بغير نقل ، والوجهان صحيحان عنه ، وقطع للأصبهاني فيه بالنقل أبو القاسم الهذلي من جميع طرقه ، وهو رواية أبي نصر بن مسرور وأبي الفرج النهرواني ، عن أصحابهما ، عنه ، وهو نص ابن سوار ، عن النهرواني ، عنه ، وكذا رواه نصا ، عن أبو عمرو الداني الأصبهاني ، ورواه سائر الرواة عنه بغير نقل ، والوجهان عنه صحيحان ، قرأت بهما جميعا عنه ، وعن ابن وردان ، وبهما آخذ ، والله أعلم .
وأما القرآن وما جاء منه نحو ( قرآن الفجر ، وقرآنا فرقناه ، فاتبع قرآنه ) فقرأ بالنقل ابن كثير ، وأما ( واسأل ) وما جاء من لفظه نحو ( واسألوا الله ) ، ( واسأل القرية ) ( فاسأل الذين ) ( واسألهم عن القرية ) ( فاسألوهن ) إذا كان فعل أمر وقبل السين واوا أو فاء . فقرأه بالنقل ابن كثير والكسائي وخلف ، وقرأ الباقون الكلمات الأربع بغير نقل .