فهذا ما تيسر من أسانيدنا بالقراءات العشر
من الطرق المذكورة التي أشرنا إليها
وجملة ما تحرر عنهم من الطرق بالتقريب نحو ألف طريق وهي أصح ما يوجد اليوم في الدنيا وأعلاه لم نذكر فيها إلا من ثبت عندنا ، أو عند من تقدمنا من أئمتنا [ ص: 193 ] عدالته ، وتحقق لقيه لمن أخذ عنه وصحت معاصرته ، وهذا التزام لم يقع لغيرنا ممن ألف في هذا العلم .
ومن نظر أسانيد كتب القراءات وأحاط بتراجم الرواة علما عرف قدر ما سبرنا ونقحنا وصححنا ، وهذا علم أهمل ، وباب أغلق ، وهو السبب الأعظم في ترك كثير من القراءات ، والله تعالى يحفظ ما بقي .
وإذا كان كما تقدم تعين أن يعرف حال رجال القراءات كما يعرف أحوال رجال الحديث ، لا جرم اعتنى الناس بذلك قديما ، وحرص الأئمة على ضبطه عظيما وأفضل من علمناه تعاطى ذلك وحققه ، وقيد شوارده ومطلقه ، إماما الغرب والشرق الحافظ الكبير الثقة - صحة السند من أركان القراءة - مؤلف التيسير وجامع البيان وتاريخ القراءة وغير ذلك ، ومن انتهى إليه تحقيق هذا العلم وضبطه وإتقانه ببلاد أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني الأندلس والقطر الغربي ، والحافظ الكبير - - مؤلف الغاية من القراءات العشر وطبقات القراء وغير ذلك ، ومن انتهى إليه معرفة أحوال النقلة وتراجمهم ببلاد أبو العلاء الحسن بن أحمد العطار الهمداني العراق والقطر الشرقي .
ومن أراد الإحاطة بذلك فعليه بكتابنا " غاية النهاية في أسماء رجال القراءات أولي الرواية والدراية " .
وأعلى ما وقع لنا باتصال تلاوة القرآن على شرط الصحيح عند أئمة هذا الشأن أن بيني وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة عشر رجلا ، وذلك في قراءة عاصم من رواية حفص وقراءة يعقوب من وراية رويس وقراءة ابن عامر من رواية ابن ذكوان ويقع لنا من هذه الرواية ثلاثة عشر رجلا لثبوت قراءة ابن عامر على - رضي الله عنه - ، وكذلك يقع لنا في رواية أبي الدرداء حفص من طريق الهاشمي عن الأشناني ، ومن طريق هبيرة عن حفص متصلا ، وهو من كفاية ، وهذه أسانيد لا يوجد اليوم أعلى منها ، ولقد وقع لنا في [ ص: 194 ] بعضها المساواة والمصافحة للإمام سبط الخياط - رحمه الله - ولبعض شيوخه كما بينت ذلك في غير هذا الموضوع ، ووقع لي بعض القرآن كذلك ، وأعلى من ذلك ، فوقعت لي سورة الصف مسلسلة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاثة عشر رجلا ثقات وسورة الكوثر مسندة بأحد عشر رجلا ، وهذا أعلى ما يكون من جهة القرآن . أبي القاسم الشاطبي