[ ص: 28 ] قال أبو عمر : الذي اجتمع عليه أئمة الحديث والفقه في ، ويحتج بحديثه ، ويجعل سنة ، وحكما في دين الله : هو أن يكون حافظا إن حدث من حفظه ، عالما بما يحيل المعاني ، ضابطا لكتابه إن حدث من كتاب ، يؤدي الشيء على وجهه ، متيقظا غير مغفل ، وكلهم يستحب أن يؤدي الحديث بحروفه ; لأنه أسلم له ، فإن كان من أهل الفهم ، والمعرفة ، جاز له أن يحدث بالمعنى ، وإن لم يكن كذلك لم يجز له ذلك ; لأنه لا يدري لعله يحيل الحلال إلى الحرام ، ويحتاج مع ما وصفنا أن يكون ثقة في دينه ، عدلا جائز الشهادة مرضيا ، فإذا كان كذلك ، وكان سالما من التدليس ، كان حجة فيما نقل وحمل من أثر في الدين . حال المحدث الذي يقبل نقله
وجملة تلخيص القول في هو : أن يحدث الرجل عن شيخ قد لقيه وسمع منه ، بما لم يسمع منه ، وسمعه من غيره عنه ، فيوهم أنه سمعه من شيخه ذلك ، وإنما سمعه من غيره ، أو من بعض أصحابه عنه ، ولا يكون ذلك إلا عن ثقة ، فإن دلس عن غير ثقة فهو تدليس مذموم عند جماعة أهل الحديث ، وكذلك إن دلس عمن لم يسمع منه فقد جاوز حد التدليس الذي رخص فيه من رخص من العلماء إلى ما ينكرونه ، ويذمونه ، ولا يحمدونه ، وبالله العصمة لا شريك له . التدليس الذي أجازه من أجازه من العلماء بالحديث
وكل حامل علم معروف العناية به ، فهو عدل محمول في أمره أبدا على العدالة حتى تتبين جرحته في حاله ، أو في كثرة غلطه ; لقوله صلى الله عليه وسلم يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله .
[ ص: 29 ] وسنذكر هذا الخبر بطرقه في آخر هذا الباب إن شاء الله .
قال : حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل ، قال : سمعت علي بن المديني يقول : قال عبد الرحمن بن مهدي يوما : حدثني رجل عن شعبة سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم بكذا ، ثم قال : ما يسرني أني قلت : قال منصور ، وأن لي الدنيا كلها .
وقد يكون المحدث عدلا جائز الشهادة ، ولا يعرف معنى ما يحمل ، فلا يحتج بنقله ، قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : قد تجوز شهادة الرجل ، ولا يجوز حديثه ، ولا يجوز حديثه حتى تجوز شهادته ، وقال يزيد بن هارون أيوب : إن بالبصرة رجلا من أزهدهم ، وأكثرهم صلاة عييا ، لو شهد عندي شهادة ما أجزت شهادته ، يريد : فكيف أقبل حديثه ؟ .
وقال : إني لأدعو الله لقوم قد تركت حديثهم . ابن مهدي
حدثنا ، قال : حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ أحمد بن زهير ، حدثنا الوليد بن شجاع ، حدثنا ، عن سويد بن عبد العزيز مغيرة ، قال : خرجنا إلى شيخ بلغنا أنه يحدث بأحاديث ، فلما انتهينا إلى إبراهيم ، قال : ما حبسكم ؟ قلنا : أتينا شيخا يحدث بأحاديث ، قال إبراهيم : لقد رأيتنا وما نأخذ الأحاديث إلا ممن يعرف وجوهها ، وإنا لنجد الشيخ يحدث بالحديث يحرف حلاله من حرامه ، وما يعلم .
[ ص: 30 ] وقال : سمعت علي بن المديني - يقول : ينبغي لصاحب الحديث أن تكون فيه خصال : ينبغي أن يكون جيد الأخذ ، ويفهم ما يقال له ، ويبصر الرجال ، ويتعاهد ذلك من نفسه . يحيى بن سعيد - يعني القطان
وقد ذكرنا في باب أخبار مالك بعد هذا الباب قوله فيمن يؤخذ العلم عنه ، ومذهبه في ذلك هو مذهب جمهور العلماء .
والشرط في خبر العدل على ما وصفنا : أن يروي عن مثله سماعا واتصالا ، حتى يتصل ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم .