الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
404 [ ص: 332 ] حديث سابع وخمسون لهشام بن عروة

مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم .

التالي السابق


وهذا مرسل في الموطأ عند جميعهم ، وقد رواه عبيد الله بن عمر العمري ، عن نافع ، ، عن ابن عمر ، ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - واختلف في معنى هذا الحديث ، فقيل : من صلاتكم يريد المكتوبة ، وقيل : النافلة ، ومن قال : إنها المكتوبة فلقوله - صلى الله عليه وسلم - : أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة فكيف يأمرهم بما قد أخبرهم أن غيره أفضل منه ؟ ومعروف أن حرف " من " حقيقته التبعيض ، لما في ذلك من تعليم الأهل حدود الصلاة معاينة ، وهو أثبت أحيانا من التعليم ، وقيل : أراد بقوله هذا النافلة ، على أن معنى قوله : اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم أي : اجعلوا صلاتكم في بيوتكم ، يعني النافلة ، وتكون " من " زائدة ، كقولهم : ما جاءني من أحد .

وأما ما جاء في الموطأ من حديث هشام بن عروة موقوفا ، وهو مرفوع مسند في غير الموطأ عند جماعة من العلماء ، فمن ذلك حديث مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن رجل من المهاجرين لم ير به بأسا أنه قال : سألت عبد الله بن عمرو بن العاصي : أأصلي في أعطان الإبل ؟ قال : لا ، ولكن صل في مراح الغنم . ومثل هذا من الفرق بين الغنم والإبل لا يدرك بالرأي ، والعطن موضع بروك الإبل بين الشربتين ؛ لأنها في سقيها ترد الماء مرتين طائفة بعد أخرى .

[ ص: 333 ] وقد روى هذا الحديث يونس بن بكير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : صلوا في مراح الغنم ، ولا تصلوا في أعطان الإبل ، ويونس بن بكير ليس ممن يحتج به عن هشام بن عروة فيما خالفه فيه مالك ؛ لأنه ليس ممن يقاس بمالك وليس بالحافظ عندهم ، والصحيح في إسناد هشام ما قاله مالك ، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا المعنى من حديث أبي هريرة والبراء وجابر بن سمرة وعبد الله بن مغفل ، وكلها بأسانيد حسان ، وأكثرها تواترا وأحسنها حديث البراء وحديث عبد الله بن مغفل ، رواه نحو خمسة عشر رجلا عن الحسن ، وسماع الحسن من عبد الله بن مغفل صحيح .

وفي هذا الحديث دليل على أن ما يخرج من مخرجي الحيوان المأكول لحمه ليس بنجس ، وأصح ما قيل في الفرق بين مراح الغنم وعطن الإبل : أن الإبل لا تكاد تهدأ ولا تقر في العطن ، بل تثور ، فربما قطعت على المصلي صلاته ، وجاء في الحديث الثابت أنها جن خلقت من جن فبين العلة في ذلك ، وقد قيل : إنما كان يستتر بها عند الخلاء ، وهذا لا يعرف في الأحاديث المسندة ، وفي الأحاديث المسندة غير ذلك .

حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، ، عن عبد الله بن عبد الله الرازي ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن البراء بن عازب قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، عن الصلاة في مبارك الإبل ، فقال : لا تصلوا في مبارك الإبل ؛ فإنها من الشياطين ، وسئل عن الصلاة في مراح الغنم ، فقال : صلوا فيها فإنها بركة .

[ ص: 334 ] حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، أخبرنا يونس ، عن الحسن ، عن عبد الله بن مغفل المزني قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل ؛ فإنها خلقت من الشياطين .

وفي بعض هذه الآثار : فإنها جن خلقت من جن . وهذا كله يشهد لما اخترناه من التأويل في ذلك ، والحمد لله .

وأما حديث مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أنها قالت : ما أبالي في الحجر صليت أم في البيت . فهذا يستند من حديث علقمة بن أبي علقمة ، عن أمه ، عن عائشة . ذكره أحمد بن شعيب النسائي قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، حدثنا علقمة بن أبي علقمة ، ، عن أمه ، عن عائشة قالت : أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي فأدخلني الحجر وقال : إذا أردت دخول البيت فصلي هاهنا ؛ فإنه قطعة من البيت .

وقد ذكرنا بنيان الكعبة فيما تقدم من حديث ابن شهاب ، والحمد لله .




الخدمات العلمية