516 - واختلفوا فيمن روى ما نوولا فمالك جعلا 517 - إطلاقه حدثنا وأخبرا وابن شهاب
يسوغ وهو لائق بمن يرى 518 - العرض كالسماع بل أجازه
بعضهم في مطلق الإجازه 519 - والمرزباني وأبو نعيم
أخبر ، والصحيح عند القوم 520 - تقييده بما يبين الواقعا
إجازة تناولا هما معا 521 - أذن لي ، أطلق لي ، أجازني
سوغ لي ، أباح لي ، ناولني 522 - وإن أباح الشيخ للمجاز
إطلاقه لم يكف في الجواز 523 - وبعضهم أتى بلفظ موهم
شافهني ، كتب لي ، فما سلم 524 - وقد أتى بخبر الأوزاعي
فيها ولم يخل من النزاع 525 - ولفظ " أن " اختاره الخطابي
وهو مع الإسناد ذو اقتراب 526 - وبعضهم يختار في الإجازه
أنبأنا كصاحب الوجازه 527 - واختاره الحاكم فيما شافهه
بالإذن بعد عرضه مشافهه 528 - واستحسنوا للبيهقي مصطلحا
أنبأنا إجازة فصرحا 529 - وبعض من تأخر استعمل " عن
" إجازة وهي قريبة لمن 530 - سماعه من شيخه فيه يشك
وحرف " عن " بينهما فمشترك 531 - وفي قال لي فجعله البخاري
حيريهم للعرض والمناوله
( حدثنا وأخبرا ) أي : وأخبرنا ( يسوغ وهو ) أي : الإطلاق ( لائق ب ) مذهب ( من يرى ) كما تقدم في محله ( العرض ) في المناولة ( ك ) عرض ( السماع ) . وممن حكى هذا [ ص: 309 ] الإطلاق عن مالك الخطيب ، وإنه قال : قل ما شئت من ثنا وأنا .
وروي أيضا عن الحسن أنه قال : يسعه أن يقول : حدثني فلان عن فلان .
واجتمع ابن وهب وابن القاسم وأشهب على أنه يقول : أخبرني ، وعن فيمن روى الكتاب ، بعضه قراءة وبعضه تحديثا وبعضه مناولة وبعضه إجازة ، أنه يقول في كله : أنا ( بل أجازه ) أي : إطلاقهما ( بعضهم ) أحمد بن حنبل وجماعة من المتقدمين ، حسبما عزاه إليهم كابن جريج عياض ، وكمالك أيضا وأهل المدينة كما حكاه عنهم صاحب الوجازة ( في مطلق ) أي : في الرواية بمطلق ( الإجازه ) يعني : المجردة عن المناولة ، حتى قيل : إنه مذهب عامة حفاظ الأندلس ، ومنهم ، فيقولون فيما يجاز : حدثنا وأنا . ابن عبد البر
وعن قال : الإجازة رأس مال كبير ، وجائز أن يقول فيها : حدثني وأخبرني . واختاره بعض المتأخرين وقال : إن عيسى بن مسكين ، فيجوز ذلك فيها ، والاتصال السندي واقع به ; إذ كل واحد من نوعي الإجازة والسماع طريق تحمل ، والتعرض لتعيين النوع المتحمل به ليس بلازم ، ولا العمل متوقف عليه . الإجازة كيف ما كانت إخبار وتحديث
وقال أبو مروان الطبني : له أن يقول في الإجازة بالمعين : حدثني .
وذهب إلى جوازه كذلك إمام الحرمين ، في نوادر الأصول ، محتجا له بأن [ ص: 310 ] مدلول التحديث لغة : إلقاء المعاني إليك ، سواء ألقاه لفظا أو كتابة أو إجازة ، وقد والحكيم الترمذي حدث به العباد وخاطبهم به ، فكل محدث أحدث إليك شفاها أو بكتاب أو بإجازة فقد حدثك به ، وأنت صادق في قولك : حدثني ، ويسمى الواقع في المنام حديثا ، كما قال تعالى : ( سمى الله تعالى القرآن حديثا ولنعلمه من تأويل الأحاديث ) [ يوسف : 21 ] .
( و ) كذا ) بضم الزاي نسبة لجد له اسمه أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى بن عبيد ( المرزباني المرزبان البغدادي ، صاحب أخبار ورواية للأدب وتصانيف كثيرة ، وكان في داره خمسون ما بين لحاف ومحبرة لمن يبيت عنده ، مات سنة أربع وثمانين وثلاثمائة 348 ه .
( الحافظ صاحب التصانيف الكثيرة في علم الحديث ، أطلقا في الإجازة لفظ ( أخبر ) أي : أخبرنا ، خاصة من غير بيان ، وممن حكاه عنهما وأبو نعيم ) الأصبهاني الخطيب ، وعن ثانيهما فقط ، وحكى أبو الفضل بن طاهر الخطيب أن أولهما عيب بذلك ، وكذا نقل ثم ابن طاهر الذهبي في ميزانه عن الخطيب أنه عاب ثانيهما أيضا به ، فقال : رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها ، مثل أن يقول في الإجازة : أنا ، من غير بيان . بل أدخله لذلك ثم ابن الجوزي الذهبي في الضعفاء ، وقال : إنه مذهب رآه هو وغيره ، قال : وهو ضرب من التدليس .
[ ص: 311 ] قلت : أما عيب الأول به فظاهر ; لكونه لم يبين اصطلاحه ، وأكثر مع ذلك منه ، بحيث أن أكثر ما أورده في كتبه بالإجازة لا السماع ، وانضم إلى ذلك أنه رمي بالاعتزال ، وبأنه كان يضع المحبرة وقنينة النبيذ ولا يزال يكتب ويشرب .
وأما ثانيهما فبعد بيان اصطلاحه لا يكون مدلسا ، ولذا قال : سخم الله وجه من يعيبه بهذا ، بل هو الإمام عالم الدنيا . وقال شيخنا : إنهم وإن عابوه بذلك فيجاب عنه بأنه اصطلاح له خالف فيه الجمهور ، فإنه كان يرى أن يقول في السماع مطلقا ، سواء قرأ بنفسه أو سمع من لفظ شيخه ، أو بقراءة غيره على شيخه : ثنا ، بلفظ التحديث في الجميع ، ويخص الإخبار بالإجازة ، يعني كما صرح هو باصطلاحه ; حيث قال : إذا قلت : أنا ، على الإطلاق من غير أن أذكر فيه إجازة أو كتابة أو كتب لي أو أذن لي ، فهو إجازة ، أو ثنا فهو سماع ، ويقوي التزامه لذلك أنه أورد في مستخرجه على علوم الحديث ابن دحية للحاكم عدة أحاديث رواها عن الحاكم بلفظ الإخبار مطلقا ، وقال في آخر الكتاب : الذي رويته عن الحاكم بالإجازة ، فإذا أطلق الإخبار على اصطلاحه عرف أنه أراد الإجازة ، فلا اعتراض عليه من هذه الحيثية ، بل ينبغي أن ينبه على ذلك ; لئلا يعترض عليه - انتهى .
ومع كونه بين اصطلاحه ، فقد قال ابن النجار : إنه إنما يفعله نادرا ; لاستغنائه بكثرة المسموعات التي عنده ، فقد قرأت مستخرجه على مسلم فما وجدت فيه شيئا بالإجازة ، إلا مويضعات يسيرة ، حديثا عن الأصم ، وآخر عن خيثمة ، وعن غيرهما ، وكذا اعتذر عنه غيره بالندور ، وكلام المنذري أيضا مشعر به ; فإنه قال : هذا لا ينقصه شيئا ; إذ هو يقول في معظم تصانيفه : أخبرنا فلان إجازة ، قال : [ ص: 312 ] وعلى تقدير أن يطلق في الإجازة أنا بدون بيان فهو مذهب جماعة ، فلا يبعد أن يكون مذهبا له أيضا ، على أن شيخنا جوز أن الحافظ ممن كان يفعل ذلك أيضا ، وذلك أن أبا نصر أحمد بن عمر الغازي الأصبهاني الحافظ بن السمعاني لما قال في ترجمته : إنه كان لا يفرق السماع من الإجازة ، قال الذهبي : يريد أن السماع والإجازة سواء في الاتصال أو الاحتجاج ، وإلا فمن له أدنى معرفة يريد - أي : يفهم - أن السماع شيء ، والإجازة شيء .
قال شيخنا : ما أظنه أراد ما فهمه الذهبي ، وإنما مراده أنه إذا حدث لا يميز هذا من هذا ، بل يقول مثلا في كل منهما : أنا ، ولا يعين في الإجازة كونها إجازة - انتهى .
وأغرب من هذا كله ما قيل من أن أبا نعيم كان يقول فيما لم يسمعه من مشايخه بل رواه إجازة : أخبرنا فلان فيما قرئ عليه ، ولا يقول : وأنا أسمع ، فيشتد الالتباس على من لم يعرف حقيقة الحال .
وفي تأريخ أصبهان له شيء من ذلك ، كقوله : أنا عبد الله بن جعفر فيما قرئ عليه . بل وكذا في ترجمة من الحلية له : أنا محمد بن يوسف الأصبهاني عبد الله بن جعفر فيما قرئ عليه ، زاد فيها : وحدثني عنه . وهذه الزيادة مما يتضح بها المراد ; فإنها تشعر أنه رواه عاليا عن الأول إجازة ، وبنزول عن الثاني سماعا . وأصرح منه قوله في ترجمة أبو محمد بن حيان من الحلية أيضا : أنا عبد الرحمن بن مهدي عبد الله بن جعفر فيما قرئ عليه وأذن لي فيه ، ولكن قد حكى في أطراف الأفراد هذا المذهب أيضا عن شيخه ابن طاهر ، وهو اصطلاح لهما غريب ، وكأن النكتة في التصريح عن شيخه بذلك اعتماده الدارقطني المروي ، [ ص: 313 ] ( والصحيح ) المختار ( عند ) جمهور ( القوم ) ، وهو مذهب علماء الشرق ، واختار أهل التحري والورع ، و ( تقييده ) أي : المذكور منها ( بما يبين ) أي : يوضح ( الواقعا ) في كيفية التحمل من السماع ، أو الإجازة ، أو المناولة ، بلفظ لا إشكال فيه ، بحيث يتميز كل واحد منها عن الآخر ، كأن يقول : أنا أو ثنا فلان ( إجازة ) ، أو أنا أو ثنا ( تناولا ) ، أو ( هما معا ) أي : إجازة مناولة ، أو فيما ( أذن لي ) ، أو فيما ( أطلق لي ) روايته عنه ، أو فيما ( أجازني ) ، أو فيما ( سوغ لي ) ، أو فيما ( أباح لي ) ، أو فيما ( ناولني ) . المنع من إطلاق كل من ثنا وأنا ونحوهما في المناولة والإجازة ؛ خوفا من حمل المطلق على الكامل
قال الخطيب : وقد كان غير واحد من السلف يقول في المناولة : أعطاني فلان أو دفع إلي كتابه ، وشبيها بهذا القول ، وهو الذي نستحسنه ، هذا مع أنه اختلف في ذلك أيضا ، فحكى في مختصره قولا أنه لا يجوز مع التقييد أيضا ، وإليه ميل ابن الحاجب ابن دقيق العيد ؛ فإنه قال : والذي أراه أن لا يستعمل فيها ؛ أي : في الإجازة ، أنا لا بالإطلاق ولا بالتقييد ; لبعد دلالة لفظ الإجازة عن الإخبار ؛ إذ معناها في الوضع الإذن في الرواية - انتهى ، وليس ما قاله متفقا عليه كما قاله في أول ثالث أقسام التحمل .
وممن كان يسلك التقييد ; فإنه يقول في كتابه ( اشتقاق الأسماء ) : أنا فلان إجازة ، وكذا أجاز لنا الحسن بن محمد بن الحسن الخلال محمد بن أحمد الواعظ أن أخبرهم . عبد الله بن محمد البغوي
[ ص: 314 ] وقال : مما يحسن الاستشهاد به للتقييد هنا أيضا ، إن ألجأت ضرورة من يريد تخريج حديث في باب ولم يجد مسلكا سواه ، أعني الرواية بالإجازة العامة ، استخار الله تعالى وحرر ألفاظه نحو أن أبو بكر الحازمي ، أو فيما أجاز من أدرك حياته ، أو يحكي لفظ المجيز في الرواية ، فيتخلص عن غوائل التدليس والتشبع بما لم يعط ، ويكون حينئذ مقتديا ، ولا يعد مفتريا - انتهى . يقول : أخبرني فلان إجازة عامة
وإذا كان الإطلاق في العامة مع الاضطرار للرواية بها يعد فاعله مفتريا ، فما بالك بمن الوقت في غنية عن تحديثه لو سمع لفظا ، فضلا عن كونه مقلا من المسموع والشيوخ ، ويروي بالإجازة العامة من غير بيان ولا إفصاح ( وإن أباح الشيخ ) المجيز ( للمجاز ) له ( إطلاقه ) ثنا أو أنا في المناولة أو الإجازة الخاصة فضلا عن العامة كما فعله قوم من المشايخ في إجازاتهم ؛ حيث قالوا لمن أجازوا له : إن شاء قال : ثنا ، وإن شاء قال : أنا . ووجد ذلك كما حكي عن شيخنا ، وجزم به ابن الجزري في إجازات المغاربة ( لم يكف ) ذلك ( في الجواز ) ، وإن علل كما تقدم في أثناء التفريعات التالية لثاني أقسام التحمل المنع من إبدال ثنا بأخبرنا وعكسه ، باحتمال أن يكون مذهب الراوي عدم التسوية بين الصيغتين ؛ لتعقب المصنف له هناك من نكته ، بأنه ليس بجيد من حيث إن الحكم لا يختلف في الجائز والممتنع بكون الشيخ يرى الجائز ممتنعا ، والممتنع جائزا . ابن الصلاح
فرع : لو ، فالأحسن حكاية الواقع بأن يقول : إجازة إن لم يكن سماعا ، ثم ظهر سماعه ، كما وقع قرأ على شيخ شيئا بالإجازة إن لم يكن سماعا من شيخه ، ثم تبين أنه [ ص: 315 ] سمعه لأبي زرعة المقدسي في سنن ، ابن ماجه وللصلاح بن أبي عمر في بعض المسانيد من مسند أحمد ؛ حيث أخبر فيها كذلك ، لعدم الوقوف على الأصل فيها ، ثم ظهر سماعه لها ، بل قال بعض الحفاظ : إنه لا بد من التصريح بذلك ، ولكن اتفق رأي المحققين على عدم اشتراطه ، وأن إطلاق السماع كاف ، وهذا ما صححه ابن تيمية والمزي وغيرهما ممن عاصرهما ; كابن المحب شيخ شيوخنا ، ونحوه إخبار الزين ابن الشيخة بالإجازة العامة من الحجار ، ثم بان أن له منه إجازة خاصة . ( وبعضهم ) أي : وبعض المحدثين ، لم يقتصر على ما مضى كالحاكم ؛ حيث ( أتى بلفظ موهم ) تجوزا فيما أجازه فيه شيخه بلفظه شفاها ، وهو أنا فلان مشافهة ، أو ( شافهني ) فلان ، وفيما أجازه به شيخه بكتابه أنا فلان كتابة ، أو مكاتبة ، أو في كتابه ، أو ( كتب لي ) ، أو إلي ، وحكى الشق الثاني عن أبي نعيم ، فقال ابن النجار : إنه كان يقول في الإجازة : حدثني فلان في كتابه .
[ ص: 316 ] وقال غيره : إنه كثيرا ما يقول : أنا في كتابه ، وكتب إلي أبو الميمون بن راشد ، وكتب إلي جعفر الخلدي . أبو العباس الأصم
وهذه الألفاظ ، وإن كثر استعمالها لذلك بين المتأخرين من بعد الخمسمائة وهلم جرا ( فما سلم ) من استعملها مطلقا من الإيهام وطرف من التدليس ، أما المشافهة فتوهم مشافهته بالتحديث ، وأما الكتابة فتوهم أنه كتب إليه بذلك الحديث بعينه ، كما يفعله المتقدمون ، على ما سيأتي في القسم الذي يليه .
ولذا نص الحافظ أبو المظفر الهمداني في جزء له في الإجازة على المنع من هذا معللا بالإيهام المذكور ( وقد أتى بخبر ) بالتشديد فيها ) أي : في الإجازة خاصة ، وجعل " أنا " بالهمزة للقراءة ( ولم يخل ) أيضا ( من النزاع ) من جهة أن معنى خبر وأخبر في اللغة وكذا الاصطلاح واحد ، بل قيل : إن خبر أبلغ . وكان أبو عمرو ( الأوزاعي أيضا في الرواية بالمناولة اصطلاح ، قال للأوزاعي : قلت له في المناولة : أقول فيها : ثنا ؟ فقال : إن كنت حدثتك فقل : ثنا ، فقلت : فما أقول ؟ قال : قل : قال عمرو بن أبي سلمة أبو عمرو ، أو عن أبي عمرو .
[ ص: 317 ] ( ولفظ " أن " ) بالفتح والتشديد ( اختاره ) ، أو حكاه الإمام نسبة لجده أبو سليمان حمد ( الخطابي ) خطاب ، فكان يقول فيما حكي عنه في : أنا فلان أن فلانا حدثه أو أخبره ، قال صاحب الوجازة : وكأنه جعل دخول " أن " دليلا على الإجازة في مفهوم اللغة ، وقد تأملته فلم أجد له وجها صحيحا ؛ لأن " أن " المفتوحة أصلها التأكيد ، ومعنى أنا فلان أن فلانا حدثه ، أي : بأن فلانا حدثه ، فدخول الباء أيضا للتأكيد ، وإنما فتحت لأنها صارت اسما ، فإن صح هذا المذهب عنه كانت الإجازة أقوى عنده من السماع ؛ لأنه خبر قارنه التأكيد ، وهذا لا يقوله أحد - انتهى . الرواية بالسماع عن الإجازة
وليس بجيد ، فقد سبق حكاية تفضيل الإجازة عن بعضهم ، بل لم ينفرد الخطابي بهذا الصنيع ؛ فقد حكاه عن اختيار القاضي عياض ، قال : وأنكره بعضهم ، وحقه أن ينكر ، فلا معنى له يتفهم منه المراد ، ولا اعتيد هذا الوضع لغة ولا عرفا ولا اصطلاحا ؛ ولذا قال أبي حاتم الرازي : إنه اصطلاح بعيد ، بعيد عن مقاصد أهل الأفكار القومية من أهل الاصطلاح ؛ لبعده عن الإشعار بالإجازة ، إلا أنه قال : ( وهو مع ) سماع ( الإسناد ) خاصة لشيخه من شيخه ، وكون الإجازة له فيما وراء الإسناد ، أي : من حديث ونحوه ( ذو اقتراب ) ؛ فإن في هذه الصيغة إشعارا بوجود أصل الإخبار ، وإن أجمل الخبر ولم يذكره تفصيلا ، ونحوه قول ابن الصلاح ابن دقيق العيد في الاقتراح : إذا أخرج الشيخ الكتاب وقال : أنا فلان ، [ وساق السند ، فهل يجوز لسامع ذلك منه أن يقول : أنا فلان ] ، ويذكر الأحاديث كلا أو بعضا ؟ الذي أراه أنه [ ص: 318 ] يجوز من جهة الصدق ؛ فإنه تصريح بالإخبار بالكتاب ، وغاية ما فيه أنه إخبار جملي ، ولا فرق في معنى الصدق بين الإجمال والتفصيل . نعم ، فيه نظر من حيث إن ، وليس هذا عندي بالمتعين من جهة الصدق ، فإن أوقع تهمة فقد يمنع من هذا الوجه - انتهى . العادة جارية بأن لا يطلق الإخبار إلا فيمن قرئ ، ويسمى مثل هذا مناولة
ومع القرب الذي قاله فهو يلتبس باصطلاح ابن الصلاح في أنه إذا زاد في نسب شيخ شيخه على ما سمعه من شيخ يأتي بلفظ : " أن " ( وبعضهم يختار في الإجازه ) لفظ ( أنبأناك ) ابن المديني بالمعجمة المفتوحة ، وقيل : المضمومة ، والميم الساكنة ، نسبة إلى الوليد بن بكر بن مخلد بن أبي زياد الغمري الغمر ، بطن من غافق ، الأندلسي المالكي الأديب الشاعر ( صاحب الوجازه ) وشيخ الحاكم ، بل حكى عياض عن شعبة أنه قال مرة فيها : قال . وروي عنه أيضا : " أنا " ، واستبعد ذلك المصنف عنه ؛ فإنه لم يكن ممن يرى الإجازة ، كما سبق في محله . نعم ، اصطلح قوم من المتأخرين على إطلاقها فيها ( واختاره ) أي : لفظ أنبأنا ( ( فيما شافهه ) شيخه ( بالإذن ) في روايته ( بعد عرضه ) له عرض المناولة ( مشافهه ) ، قال : وعليه عهدت أكثر مشايخي وأئمة عصري ( واستحسنوا ) كما أشعره صنيع الحاكم ) أبو عبد الله ومن بعده ( ابن الصلاح للبيهقي ) الحافظ ( مصطلحا ) ، وهو ( أنبأنا إجازة فصرحا ) بالإجازة ، ولم يطلق الإنباء ؛ لكونه عند القوم فيما تقدم بمنزلة الإخبار ، وراعى في التعبير به عن الإجازة اصطلاح المتأخرين ، لا سيما ولم يكن الاصطلاح بذلك انتشر ، بل قال ابن دقيق العيد : إن إطلاقها في الإجازة بعيد من الوضع اللغوي ، إلا أن يوضع [ ص: 319 ] اصطلاحا .
( وبعض من تأخر ) من المحدثين ( استعمل ) كثيرا اللفظ ( عن ) فيما سمعه من شيخه الراوي عمن فوقه ( إجازة ) ، فيقول : قرأت على فلان عن فلان ( وهي ) أي : عن ( قريبة لمن ) أي : لشيخ ( سماعه من شيخه فيه يشك ) مع تحقق إجازته منه ( وحرف عن بينهما ) أي : السماع والإجازة ( فمشترك ) ، وأدخلت الفاء على الخبر على حد قوله : ويحدث ناس والصغير فيكبر . وهو رأي الأخفش خاصة ، لا ، وهذا الفرع - وإن سبق في العنعنة ، وإنه لا يخرج بذلك عن الحكم له بالاتصال - فإعادته هنا لما فيه من الزيادة ، وليكون منضما لما يشبهه من الاصطلاح الخاص ( وفي ) صحيح ( الكسائي قال لي ) فلان ( فجعله حيريهم ) أي : المحدثين ، وهو بالمهملة البخاري أبو جعفر أحمد بن حمدان بن علي النيسابوري الحيري ، أحد الحفاظ الزهاد المجابي الدعوة ، فيما رواه الحاكم عن ولده أبي عمرو عنه ( للعرض ) أي : لما أخذه على وجه العرض ( والمناوله ) ، وانفرد البخاري أبو جعفر بذلك ، وخالفه غيره فيه ، بل الذي استقرأه شيخنا - كما أسلفته في آخر أول أقسام التحمل - أنه إنما يستعمل هذه الصيغة في أحد أمرين : أن يكون موقوفا ظاهرا وإن كان له حكم الرفع ، أو يكون في إسناده من ليس على شرطه ، وإلا فقد أورد أشياء بهذه الصيغة هي مروية عنده في موضع آخر بصيغة التحديث .