499 - ثم المناولات إما تقترن بالإذن أو لا ، فالتي فيها أذن 500 - أعلى الإجازات وأعلاها إذا
أعطاه ملكا فإعارة كذا 501 - أن يحضر الطالب بالكتاب له
عرضا وهذا العرض للمناوله 502 - والشيخ ذو معرفة فينظره
ثم يناول الكتاب محضره 503 - يقول : هذا من حديثي فاروه
وقد حكوا عن مالك ونحوه 504 - بأنها تعادل السماعا
وقد أبى المفتون ذا امتناعا 505 - إسحاق مع والثوري النعمان
والشافعي وأحمد الشيباني 506 - وغيرهم رأوا وابن المبارك
بأنها أنقص ، قلت : قد حكوا 507 - إجماعهم بأنها صحيحه
معتمدا وإن تكن مرجوحه [ ص: 289 ] 508 - أما إذا ناول واستردا
في الوقت صح ، والمجاز أدى 509 - من نسخة قد وافقت مرويه
وهذه ليست لها مزيه 510 - على الذي عين في الإجازه
عند المحققين لكن مازه 511 - أهل الحديث آخرا وقدما
أما إذا ما الشيخ لم ينظر ما 512 - أحضره الطالب لكن اعتمد
من أحضر الكتاب وهو معتمد 513 - صح وإلا بطل استيقانا
وإن يقل : أجزته إن كانا 514 - ذا من حديثي فهو فعل حسن
يفيد حيث وقع التبين 515 - وإن خلت من إذن المناوله
قيل : تصح ، والأصح باطله القسم
وأخر عن الإجازة مع كونه على المعتمد أعلى ; لأنها جزء لأول نوعيه ، حتى قال ابن سعيد : إنه في معناها ، لكن يفترقان في أنه يفتقر إلى مشافهة المجيز للمجاز له وحضوره ، بل بالغ بعض الأصوليين كما سيأتي في آخر النوع الثاني فأنكر مزيده فائدة فيه ، وقال : هو راجع إليها . بل اشترط أحمد بن صالح كما مضى قريبا المناولة لصحة الإجازة .
وعلى كل حال ، فاحتيج لسبق معرفتها ، أو قدمت لكونها تشمل المروي الكثير بخلاف المناولة على الأغلب فيهما ، أو لقلة استعمال المناولة على الوجه الفاضل ، [ ص: 290 ] أو لاشتمال كل من القسمين على فاضل ومفضول [ إذ ، فلم ينحصر لذلك التقديم في واحد ، وحينئذ فقدمت لكثرة استعمالها ، والأصل فيه ما علقه أول أنواع الإجازة ] أعلى من ثاني نوعي المناولة حيث ترجم له في العلم من صحيحه ، أنه صلى الله عليه وسلم كتب لأمير السرية كتابا ، وقال له : ( ( البخاري لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا ) ) ، فلما بلغ المكان قرأه على الناس ، وأخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وعزى الاحتجاج به لبعض البخاري أهل الحجاز ، وهذا قد أورده في المغازي ، فقال : حدثني ابن إسحاق يزيد بن رومان ، عن قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عروة بن الزبير عبد الله بن جحش إلى نخلة ، فقال له : ( ( كن بها حتى تأتينا بخبر من أخبار قريش ) ) ، ولم يأمره بقتال ، وذلك في الشهر الحرام ، وكتب له كتابا قبل أن يعلمه أن يسير ، فقال : ( ( اخرج أنت وأصحابك حتى إذا سرت يومين فافتح كتابك ، وانظر فيه ، فما أمرتك به فامض له ، ولا تستكرهن أحدا من أصحابك على الذهاب معك ) ) ، فلما سار يومين فتح الكتاب ، فإذا فيه : ( ( أن امض حتى تنزل نخلة فتأتينا من أخبار قريش ) ) .
فذكر الحديث بطوله ، وهو مرسل جيد الإسناد ، قد صرح فيه بالتحديث مع أنه لم ينفرد به ، فقد رواه ابن إسحاق أيضا عن الزهري عروة ، بل رويناه متصلا في المعجم الكبير ، والمدخل للطبراني للبيهقي من طريق أبي السوار [ ص: 291 ] عن رضي الله عنه ، رفعه وهو حجة ، ولذا جزم جندب بن عبد الله به إذ علقه ، وأورده البخاري الضياء في المختارة لا سيما وله شاهد عند وغيره في التفسير من طرق عن الطبري
( ثم المناولات ) على نوعين : ( إما تقترن بالإذن ) أي : بالإجازة ( أو لا ) ، بأن تكون مجردة عنها ( ف ) ابن عباس . ) أي : أجيز ، وهي النوع الأول ( أعلى الإجازات ) مطلقا ; لما فيها من التعيين والتشخيص بلا خلاف بين المحدثين فيه ، حتى كان ممن حكاه عن أصحاب الحديث المناولة ( التي فيها أذن في المستصفى ، فقال : وهي عندهم أعلى درجة منها . الغزالي
وقول ابن الأثير : الظاهر أنها أخفض من الإجازة ; لأن أعلى درجاتها أنها إجازة مخصوصة في كتاب بعينه بخلاف الإجازة ، ليس بجيد ; فإنها وإن كانت غالبا في كتاب بعينه فهي مقترنة بما فيه مزيد ضبط ، بل والتخصيص أبلغ في الضبط ، وتحت هذا النوع صور ، فالجمع أولا بالنظر لذلك ، وهي - أعني الصور - [ ص: 292 ] متفاوتة في العلو ( وأعلاها إذا أعطاه ) أي : أعطى الشيخ الطالب على وجه المناولة تصنيفا له ، أو أصلا من سماعه ، وكذا من مجازه ، أو فرعا مقابلا بالأصل ( ملكا ) أي : على جهة التمليك له بالهبة ، أو بالبيع ، أو ما يقوم مقامهما ، قائلا له : هذا من تصنيفي ، أو نظمي ، أو سماعي ، أو روايتي عن فلان ، أو عن اثنين أو أكثر ، وأنا عالم بما فيه ، فاروه أو حدث به عني ، ونحو ذلك مما هو بمعنى الإجازة ، فضلا عن لفظها كأجزتك به ، بل وكذا لو لم يذكر اسم شيخه واكتفى بكونه مبينا في الكتاب المناول .
قال يحيى بن الزبير بن عباد الزبيري : طلبت من أحاديث أبيه ، فأخرج إلي دفترا ، فقال لي : هذه أحاديث أبي قد صححته وعرفت ما فيه فخذه عني ، ولا تقل كما يقول هؤلاء حتى أعرضه ، ولم يصرح هشام بن عروة بكون هذه الصورة أعلى ، ولكنه قدمها في الذكر كما فعل عياض ، وهو منهما مشعر بذلك . ابن الصلاح
( ف ) يليها ما يناوله الشيخ له من أصل أو فرع أيضا ( إعارة ) أي : على جهة الإعارة ، أو إجارة ونحوها ، فيقول له : خذه ، وهو روايتي على الحكم المشروح أولا فانتسخه ، ثم قابل به ، أو قابل به نسختك التي انتسختها ، أو نحو ذلك ، ثم رده إلي . وهل تكفي الإشارة إلى نسخة معينة ، أو أمر بعض من حضر بالإعطاء ؟ الظاهر نعم ، وبه صرح الرازي في الإشارة غير المقترنة بالإجازة كما سيأتي في النوع الثاني ، بل قال الخطيب : إنه لو أدخله خزانة كتبه وقال : ارو جميع هذه عني ; فإنها سماعاتي من الشيوخ المكتوبة عنهم ، كان بمثابة ما ذكرناه في الصحة ; [ ص: 293 ] لأنه أحاله على أعيان مسماة مشاهدة ، وهو عالم بما فيها ، وأمره برواية ما تضمنت من سماعاته ، فهو بمنزلة ما لو قال له : تصدقت له عليك بما في هذا الصندوق ، أو نحوه ، وهو عالم بما فيه ، فقال : قبلت . وإليه أشار بعض المتأخرين بقوله : إنه نبه بقوله : " أعطاه إلى آخره " ، على أن الشيخ لو سمع في نسخة من كتاب مشهور ، فليس له أن يشير إلى نسخة أخرى من ذلك الكتاب ، ويقول : سمعت هذا ; لأن النسخ تختلف ما لم يعلم اتفاقهما بالمقابلة ; فإنه يقتضي أنه لو علم اتفاقهما كفى ، ويقرب من هذا لو علق طلاقها على إعطاء كذا ، فوضعته بين يديه طلقت ، قال بعض المتأخرين : وينبغي أن يجعل هذا قسما مستقلا يسمى بالإشارة ، ويكون أيضا على نوعين كالمناولة ، فلا فرق ، ثم إنه بأن يناوله إياه عارية ; ليحدث به منه ، ثم يرده إليه ، و ( كذا ) مما يوازي الصورة المرجوحة في العلو ( أن يحضر الطالب بالكتاب ) الذي هو أصل الشيخ أو فرع مقابل عليه ( له ) أي : للشيخ ( عرضا ) أي : لأجل عرض الشيخ له ، وقد سمى هذه الصورة عرضا غير واحد من الأئمة ، ولقصد التمييز لذلك من عرض السماع الماضي في محله يقيد ، ولذا قال قد يكون في صور العارية ما يوازي التمليك ما معناه : ( وهذا العرض للمناولة والشيخ ) أي : والحال أن الشيخ الذي أعطي الكتاب ( ذو معرفة ) وحفظ ويقظة ( فينظره ) ويتصفحه متأملا ; ليعلم صحته وعدم الزيادة فيه والنقص منه ، أو يقابله بأصل كتابه إن لم يكن عارفا ، كل ذلك كما صرح به ابن الصلاح الخطيب على جهة الوجوب .
[ ص: 294 ] ( ثم يناول ) الشيخ ذاك ( الكتاب ) بعد اعتباره ( محضره ) الطالب لروايته منه ، و ( يقول ) له : ( هذا من حديثي ) ، أو نحو ذلك ( فاروه ) ، أو حدث به عني ، أو نحو ذلك على الحكم المشروح أولا حتى في الاكتفاء بكون سنده به مبينا فيه . وممن فعله عبد الله ، إما أو ابن عمر ، قال ابن عمرو بن العاص أبو عبد الرحمن الحبلي : أتيت عبد الله بكتاب فيه أحاديث ، فقلت له : انظر في هذا الكتاب ، فما عرفت منه اتركه ، وما لم تعرفه امحه .
قال : وابن شهاب أشهد أنه كان يؤتى بالكتاب من كتبه فيتصفحه وينظر فيه ، ثم يقول : هذا من حديثي أعرفه ، خذه عني . عبيد الله بن عمر بن حفص
ومالك جاءه رجل فقال : يا أبا عبد الله ، الرقعة ، فأخرج رقعة وقال : قد نظرت فيها ، وهي من حديثي فاروها عني .
وأحمد جاءه رجل بجزئين وسأله أن يجيزه بهما ، فقال : ضعهما وانصرف . فلما خرج أخذهما فعرض بهما كتابه وأصلح له بخطه ، ثم أذن له فيهما .
كما سيأتي ، والأوزاعي وآخرون . والذهلي
[ ص: 295 ] ( وقد ) اختلفوا في موازاة هذا النوع للسماع ، ف ( حكوا ) كالحاكم ومن تبعه ( عن ) ) رحمه الله ( ونحوه ) من أئمة المدنيين ; الإمام ( مالك ، أحد الفقهاء السبعة ، كأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وابن شهاب ، وربيعة الرأي ، وعن جماعة من المكيين ; ويحيى بن سعيد الأنصاري كمجاهد ، وأبي الزبير ، ، ومسلم الزنجي ، ومن الكوفيين وابن عيينة كعلقمة ، ، وإبراهيم النخعيين ، ومن البصريين والشعبي كقتادة ، وأبي العالية ، ، ومن المصريين ; وأبي المتوكل الناجي كابن وهب ، وابن القاسم ، وأشهب ، ومن الشاميين والخراسانيين وجماعة من مشايخ الحاكم ، القول ( بأنها ) أي : ( تعادل السماعا ) ، ولم يحك المناولة المقرونة بالإجازة الحاكم لفظ مالك في ذلك ، وقد روى الخطيب في الكفاية من طريق قال : تذاكرنا بحضرة أحمد بن إسحاق بن بهلول السماع ، فقال : قال إسماعيل بن إسحاق : إسماعيل بن أويس : القراءة على المحدث ، وهو أصحها ، وقراءة المحدث ، والمناولة ، وهو قوله : أرويه عنك وأقول : ثنا ، وذكر عن السماع على ثلاثة أوجه مالك مثله ، فهذا مشعر عن مالك بتسوية السماع لفظا والمناولة ، وحينئذ فكأن وابن أبي أويس عرض السماع عند وعرض المناولة مالك سيان ، فقد تقدم هناك عنه القول باستواء عرض السماع والسماع لفظا ، وكذا ممن [ ص: 296 ] ذهب إلى التسوية بين السماع وعرض المناولة أحمد ، فروى الخطيب أيضا من طريق المروذي عنه أنه قال : إذا أعطيتك كتابي وقلت لك : اروه عني وهو من حديثي ، فما تبالي أسمعته أو لم تسمعه ، وأعطاني أنا وأبا طالب المسند مناولة ، ونحوه قول أبي اليمان : قال لي أحمد : كيف تحدث عن شعيب ؟ فقلت : بعضها قراءة ، وبعضها أنا ، وبعضها مناولة ، فقال : قل في كل : أنا . وسيأتي مثله في الترجمة الآتية .
وعن قال : الإجازة والمناولة عندي كالسماع الصحيح ، بل أعلى من القول بالاستواء ما نقله ابن خزيمة ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول من أن ، وكأنه يشير بذلك إلى ما أسنده من أصحاب الحديث من ذهب إلى أن المناولة أوفى من السماع عياض من حديث محمد بن الضحاك عن مالك قال : كلمني ، فكتبت له أحاديث يحيى بن سعيد الأنصاري ، فقال له قائل : فسمعها منك ؟ قال : كان أفقه من ذلك ، وفي لفظ : بل أخذها عني وحدث بها ، فقد قال ابن شهاب عياض عقبه : وهذا بين ; لأن الثقة بكتابه مع إذنه أكثر من الثقة بالسماع وأثبت ; لما يدخل من الوهم على السامع والمسمع .
( و ) لكن ( قد أبى المفتون ) ، جمع مفت ; اسم فاعل من أفتى ، فلما جمع جمع [ ص: 297 ] تصحيح التقى ساكنان : الياء التي آخر الكلمة ، وواو الجمع ، فحذفت الياء ، في الحلال والحرام ( ذا ) أي : القول بأنها حالة محل السماع ، فضلا عن ترجيحها ، [ حيث امتنع من القول به ] ( امتناعا ) ، منهم ( ( و ) إسحاق ) بن راهويه ) بالمثلثة نسبة سفيان ( الثوري لثور ، بطن من تميم ( مع ) باقي الأئمة المتبوعين : و ) إمامنا ( أبي حنيفة ( النعمان الشافعي ) ، نسبة وأحمد ) بن حنبل ( الشيباني لشيبان بن ثعلبة ( ( وغيرهم ) وابن المبارك ) عبد الله ، كالبويطي والمزني ، ويحيى بن يحيى حسبما حكاه الحاكم عنهم ، حيث ( رأوا ) القول ( بأنها ) أي : . والذي حكاه المناولة ( أنقص ) من السماع الحاكم عنهم أنهم لم يروها سماعا فقط ، ولكن مقابلته الأول به مشعر بأنها أنقص ، وهو الذي صححه قبل ذكره كلام ابن الصلاح الحاكم فقال : والصحيح أن ذلك غير حال محل السماع ، وأنه منحط عن درجة التحديث لفظا ، والإخبار قراءة .
ثم حكى عن الحاكم العزو للمذكورين إلى أن قال : قال الحاكم : وعليه عهدنا أئمتنا ، وإليه ذهبوا ، وإليه نذهب ، واحتج لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : ( ( نضر الله امرأ [ ص: 298 ] سمع مقالتي فوعاها حتى يؤديها إلى من لم يسمعها ) ) ، وبقوله صلى الله عليه وسلم : ( ( تسمعون ويسمع منكم ) ) فإنه لم يذكر فيهما غير السماع ، فدل على أفضليته ، لكن قال البلقيني : إن ذلك لا يقتضي امتناع تنزيل المناولة على ما تقدم منزلة السماع في القوة ، قال : على أني لم أجد من صريح كلامهم ما يقتضيه - انتهى ، وفيه نظر .
وممن قال : إنها أنقص مالك ، فأخرج من حديث الرامهرمزي قال : سألت ابن أبي أويس مالكا عن أصح السماع ، فقال : قراءتك على العالم أو المحدث ، ثم قراءة المحدث عليك ، ثم أن يدفع إليك كتابه فيقول : ارو هذا عني . وهذا يقتضي انحطاط درجتها عن القراءة ، لكنه مشعر بتسميتها سماعا ، ليكون مطابقا للسؤال ، إلا أن يكون زاد في الجواب ، وحينئذ فاختلف المروي عن مالك ، إلا أن تكون " ثم " لمجرد العطف ، وكذا بمقتضى ما سلف اختلف المروي عن أحمد إن لم يكن الخلل من الحاكم في النقل عنه ، فقد قال : إن في كلامه بعض التخليط من حيث كونه خلط بعض ما ورد في عرض القراءة بما ورد في عرض المناولة ، وساق الجميع مساقا واحدا ، [ أو تحمل [ ص: 299 ] الرواية الأولى عن ابن الصلاح أحمد باستوائهما على أصل الحجية ] ، لا على القوة ، وهو أولى ; فقد حكى الخطيب عن أحمد أنه كان ربما جاءه الرجل بالرقعة من الحديث فيأخذها فيعارض بها كتابه ، ثم يقرؤها على صاحبها .
وكذا لا يخدش في حكايته عن بما حكاه الشافعي البيهقي عنه أنه نص في كتاب القاضي إلى القاضي على عدم القبول إلا بشاهدين مع فتحه وقراءته عليهما ، قال : كالصكوك للناس على الناس لا نقبلها مختومة ، وهما لا يدريان ما فيها ; لأن الخاتم قد يصنع على الخاتم ، ويبدل الكتاب ، وحكى في تبديل الكتاب حكايته ، ولا في حكايته عن بكراهية الثوري حتى يعلم ما فيها ; لأنا نقول : باب الرواية أوسع ، وأيضا فالتبديل غير متوهم في صورة المناولة ، ومسألة الوصية - وإن حكيت الكراهة فيها أيضا عن شهادة الرجل على الوصية في صحيفة مختومة الحسن البصري وأبي قلابة الجرمي كما عند وإبراهيم النخعي البيهقي في [ ص: 300 ] ( المدخل ) ، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة تمسكا بقوله تعالى : وما شهدنا إلا بما علمنا [ يوسف : 81 ] فقد حكي أيضا فيها الجواز عن مالك ، بل وعن أنه كان يفعل ذلك إذا أراد سفرا ، ويدفعها إلى ابن عمه حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ، ويقول : اشهد على ما فيها ، وبها استدل سالم بن عبد الله بن عمر ، حيث قيل له في جواز المناولة ، فقال : ألم تر ابن شهاب ؟ فيجوز ذلك ويؤخذ به . الرجل يشهد على الوصية ولا يفتحها
وأما النزاع معه في إدراج أبي حنيفة في المجيزين بأن صاحب القنية حكي عنه وعن صاحبه محمد في ، خلافا إعطاء الشيخ الكتاب للطالب وإجازته له به - عدم الجواز إذا لم يسمع ذلك ولم يعرفه لأبي يوسف ، ففيه نظر ; إذ الظاهر أنهما إنما منعا إذا لم يكن أحد شيئين ; إما السماع أو معرفة الطالب ، بما في الكتاب ; أي : بصحته ، وهذا لا يمنع ما قدمناه في أول أنواع الإجازة عن أبي حنيفة وأبي يوسف من بطلان الإجازة ; لجواز اختصاصه بالمجردة عن المناولة ، أفاد حاصله المؤلف .
وما حكاه أبو سفيان من الحنفية ، ولعله الرازي ، عن إمامه وصاحبه [ ص: 301 ] أبي يوسف أنهما منعا الإجازة والمناولة يمكن حمله على المناولة المجردة .
وكذا في ذكر معهم بما سيأتي في القسم الخامس من احتجاجه على ابن راهويه في مسألة بحديث احتج الشافعي عليه فيها بغيره ، وقال له : هذا سماع ، وذاك كتاب ، يعني : فهو مقدم ، فقال له الشافعي إسحاق : إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر [ بإرادة أصل الاحتجاج ] .
ولأجل ما نسب للحاكم قال بعض المتأخرين عقب حكايته الاستواء : وكان هؤلاء الأئمة المحكي عنهم جوزوا الرواية بها ، لا أنهم نزلوها منزلة السماع . ونحوه جمع بعضهم بين المذهبين بأن المثلية في الحكم والإجمال ، وعدمها في التفصيل والتحقيق ، فصار الخلاف في الحقيقة لفظيا ، وفي المسألة قول رابع أورده البيهقي في المدخل من طريق ، قال : قال يحيى بن معين : يقول في العرض : قرأت وقرئ ، وفي المناولة يتدين به ولا يحدث به . وهذا قد لا ينافيه إدراج الأوزاعي الحاكم له فيمن يراها دون السماع ، لكن قد روى البيهقي أيضا من طريق قال : لقيت محمد بن شعيب بن شابور ومعي كتاب كتبته من حديثه ، فقلت : يا الأوزاعي أبا عمرو ، هذا كتاب كتبته من أحاديثك ، فقال : هاته ، فأخذه وانصرف إلى منزله ، وانصرفت أنا ، فلما كان بعد أيام لقيني به فقال : هذا كتابك قد عرضته وصححته ، فقلت : يا أبا عمرو ، فأرويه عنك ؟ قال : نعم ، قلت : أذهب فأقول : أخبرني [ ص: 302 ] ؟ قال : نعم . قال الأوزاعي ابن شعيب : وأنا أقول كما قال ، وبالجملة ، فعلى القول الثالث من يرد يرد عرض المناولة من باب أولى . عرض القراءة
( قلت ) : ولكن ( قد حكوا ) أي : ومن تبعه ( إجماعهم ) أي : أهل النقل ، على القول ( بأنها ) أي : المناولة ( صحيحه معتمدا ) أي : من أجل اعتمادها وتصديقها ، يعني وإن اختلف في صحة الإجازة المجردة . وعبارة القاضي عياض عياض بعد أن قال : وهي رواية صحيحة عند معظم الأئمة والمحدثين ، وسمى جماعة : وهو قول كافة أهل النقل والأداء والتحقيق من أهل النظر ( وإن تكن ) المناولة كما تقرر بالنسبة للسماع ( مرجوحه ) على المعتمد .
ثم إنه قد بقي من صور هذا النوع صورتان ( أما ) الأولى ( إذا ( في الوقت ) ، ولم يمكنه منه ، بل أمسكه الشيخ عنده ، فقد ( صح ) هذا الصنيع ، وتصح به الرواية والعمل ( و ) لكن المجاز له [ إذا أراد ] الرواية لذلك ( أدى من نسخة قد وافقت مرويه ) المجاز به بمقابلتها ، أو بإخبار ثقة بموافقتها ، ونحو ذلك على ما هو معتبر في ناول ) الشيخ الكتاب أو الجزء للطالب مع إجازته له به ( واستردا ) ذلك منه ، أو من الأصل الذي استرده منه شيخه إن ظفر به ، وغلب على ظنه سلامته من التغيير من باب أولى ( و ) لكن ( هذه ) ( ليست لها ) ، وعبارة الإجازات المجردة عن المناولة : لا يكاد يظهر لها ( مزيه على ) الكتاب ( الذي عين في الإجازة ) مجردا عن المناولة ( عند المحققين ) أي : من الفقهاء والأصوليين كما هي عبارة ابن الصلاح ، وسبقه لحاصل ذلك ابن الصلاح عياض فقال : ولا مزية له عند [ ص: 303 ] مشايخنا من أهل النظر والتحقيق ; لأنه لا فرق بين إجازته إياه أن يحدث عنه بكتاب ( الموطأ ) وهو غائب أو حاضر ; إذ المقصود تعيين ما أجاز له [ انتهى ، فهي متقاعدة عما سبق ، والخلاف فيها أقوى ; لعدم احتواء الطالب على المروي الذي تحمله وغيبته عنه ] ( لكن مازه ) أي : جعل له مزية معتبرة على ذلك ( أهل الحديث ) ، أو من حكى ذلك عنه منهم ( آخرا وقدما ) ، وسبق لذلك ابن الصلاح عياض ، وعبارته مع ما تقدم عنه : لكن قديما وحديثا شيوخنا من أهل الحديث يرون لهذا مزية على الإجازة ، يعني : فإن ، وربما يستفيد بها معرفة المناول ، فيروي منه أو من فرعه بعد . بل قال كل نوع من أنواع التحمل كيف ما كان لا تصح الرواية به إلا من الأصل أو المقابل به مقابلة يوثق بمثلها ابن كثير : إنه في الكتاب المشهور ; كالبخاري ومسلم ، كصورة التمليك أو الإعارة - انتهى .
إذا علم هذا فقد قال السهيلي : جعل الناس المناولة اليوم أن يأتي الطالب الشيخ فيقول : ناولني كتابك ، فيناوله ، ثم يمسكه ساعة ، ثم ينصرف الطالب فيقول : حدثني فلان مناولة ، وهذه رواية لا تصح على هذا الوجه حتى يذهب بالكتاب معه ، وقد أذن له أن يحدث عنه بما فيه ، وهو محتمل لاقترانه بالإجازة ، فيكون من هذا النوع ، أو [ تجرده عنها ، وهو ظاهر اللفظ ، فيكون من ثاني [ ص: 304 ] النوعين ، ويكون حينئذ على قسمين أيضا ، فالله أعلم ] .
و ( أما ) الثانية ( إذا ما ) أي : إذا ( ] ، و ( لكن ) ناوله له ( واعتمد ) في صحته وثبوته في مرويه ( من أحضر الكتاب وهو ) أي : الطالب المحضر ( معتمد ) لإتقانه وثقته ، فقد ( صح ) ذلك كما يصح في القراءة على الشيخ الاعتماد على الطالب حتى يكون هو القارئ من الأصل إذا كان موثوقا به معرفة ودينا ، ولم يحك الشيخ لم ينظر ما أحضره ) إليه الطالب مما ذكر له أنه مرويه [ ليعلم صحته ويتحقق أنه من مرويه فيه اختلافا ، وقد حكى ابن الصلاح الخطيب في الكفاية عن أحمد التفرقة ، فإنه روى من طريق قالت : سألت حنبل بن إسحاق أبا عبد الله عن القراءة ، فقال : لا بأس بها إذا كان رجل يعرف ويفهم ، قلت له : فالمناولة ؟ قال : ما أدري ما هذا حتى يعرف المحدث حديثه ، وما يدريه ما في الكتاب ؟
وهذا ظاهره أنه ولو كان المحضر ذا معرفة وفهم لا يكفي ، قال : وأهل مصر يذهبون إلى هذا ، وأنا لا يعجبني . قال الخطيب : وأراه عنى - يعني بما نسبه لأهل مصر - ، وحمل ما جاء عن المناولة للكتاب وإجازته روايته من غير أن يعلم هل ما فيه من حديثه أم لا من أنه كان يؤتى بالكتاب فيقال له : يا ابن شهاب أبا بكر ، هذا كتابك نرويه عنك ؟ فيقول : نعم ، وما رآه ولا قرئ عليه ، على أنه كان قد تقدم نظره له ، وعرف صحته وأنه من حديثه ، وجاء به إليه من يثق به ، ولذلك استجاز الإذن في روايته من غير أن ينشره وينظر فيه ، ويؤيده ما تقدم عنه أنه كان يتصفح الكتاب وينظر فيه ، وكذا يحمل عليه ما ورد عن أنه قال : جاءني هشام بن عروة ابن [ ص: 305 ] جريج بصحيفة مكتوبة فقال لي : يا أبا المنذر ، هذه أحاديث أرويها عنك ؟ قال : قلت : نعم ( وإلا ) أي : وإن لم يكن الطالب ممن يعتمد خبره ، ولا يوثق بخبرته ، فقد ( بطل ) الإذن ( استيقانا ) ، ولم تصح الإجازة فضلا عن المناولة .
نعم ، إن تبين بعد ذلك بطريق معتمد صحته وثبوته في مرويه فالظاهر كما قال المصنف : الصحة أخذا من المسألة بعده ; لأنه زال ما كنا نخشى من عدم ثقة الطالب المخبر مع إمكان الفرق بينهما .
( و ) إما ( إن يقل ) أي : الشيخ للطالب المعتمد وغيره : ( أجزته إن كانا ذا ) أي : المجاز به ( من حديثي ) مع براءتي من الغلط والوهم ( فهو ) أي : القول ( فعل ) جائز ( حسن ) كما قاله الخطيب .
وممن فعله مالك ; فإن ابن وهب قال : كنا عنده فجاءه رجل يكتب على يديه ، فقال : يا أبا عبد الله ، هذه الكتب من حديثك أحدث بها عنك ؟ فقال له مالك : إن كانت من حديثي فحدث بها عني ، وكذا فعله غير واحد ، وزاد الناظم أنه ( يفيد حيث وقع التبين ) لصحة كونه من حديث الشيخ .
والنوع الثاني : (
إن خلت من إذن المناوله
) بأن يناول الشيخ الطالب شيئا من مرويه ملكا أو عارية لينتسخ منه ، أو يأتي إلى الشيخ بشيء من حديثه فيتصفحه وينظر فيه مع معرفته ، ثم يدفعه إليه ويقول له في الصور كلها : هذا من رواياتي على الحكم المشروح في النوع الأول ، لكن ، وقد اختلف فيها ف ( قيل ) كما حكاه لا يصرح له بالإذن بروايته عنه الخطيب عن طائفة من العلماء : ( تصح ) وتجوز الرواية بها ; كالرجل يجيء إلى آخر بصك فيه ذكر حق ، فيقول له : أتعرف هذا الصك ؟ فيقول : نعم ، هو دين علي لفلان ، أو يقول له ابتداء : في هذا الصك دين علي [ ص: 306 ] لفلان ، أو يجد في يده صكا يقرؤه ، فيقول له : ما في هذا الصك ؟ فيقول : ذكر حق علي لفلان ، ثم يسمعه بعد ينكره ; فإن له أن يشهد عليه بإقراره على نفسه مع كونه لم يأذن له في أدائه ، كما ذهب إليه مالك وغيره من أهل الحجاز ، وبه قال أصحاب . الشافعيوإذا جاز في الشهادة بدون إذن المقر ففي الرواية من باب أولى ، ولعل هؤلاء ممن يجيز الرواية بمجرد إعلام الشيخ الطالب بأن هذا مرويه ، أو الرواية بمجرد إرساله إليه بالكتاب من بلد إلى بلد كما سيأتي فيهما ، بل هو هنا أولى لترجحه بزيادة المناولة بالنسبة لمسألة الإعلام ، وبالمواجهة بها بالنسبة للإرسال ; فإن المناولة كما قال : لا تخلو من الإشعار بالإذن في الرواية ، فحصل الاكتفاء في هذه الصور كلها بالقرينة ، وبالغ بعضهم فقال : إنها قريب من السماع على الشيخ إذا لم يأذن له في الرواية ; لاشتراكهما في العلم بالمروي . ابن الصلاح
وقيل : يصح العمل بها دون الرواية . حكي عن بعضهم ، ويشبه أن يكون قائلا به ; لأنه روي عنه أنه أجاز المناولة وفعلها ، وروي عنه أنه يعمل بها ولا يحدث بها ، فقال الأوزاعي عياض : ولعل قوله ، يعني : الثاني ، فيمن لم يأذن في الحديث به عنه .
) ، لم نر - كما قال ( والأصح ) أنها بدون إذن ( باطله الخطيب - من فعلها لعدم التصريح بالإذن فيها ، فلا تجوز الرواية بها ، قال : وعاب غير واحد من الفقهاء والأصوليين على المحدثين تجويزها وإساغة الرواية بها ، قلت : منهم ابن الصلاح ; فإنه قال في المستصفى : مجرد المناولة دون قوله : حدث به عني ، لا [ ص: 307 ] معنى له ، وإذا قال : حدث به عني ، فلا معنى للمناولة ، بل هو زيادة تكلف أخذ به بعض المحدثين بلا فائدة ، بل أطلق النووي في تقريبه حكاية البطلان عن الفقهاء وأصحاب الأصول ، [ وهو مقتضى كلام الغزالي ; حيث اشترط الإذن في الرواية ] ، ولكن صنيع السيف الآمدي في عدم التعميم أحسن ; لعدم اشتراط جماعة من الأصوليين - منهم ابن الصلاح الرازي في المحصول - الإذن ، بل ولا المناولة ، حتى قالوا : إن الشيخ لو أشار إلى كتاب وقال : هذا سماعي من فلان ، جاز لمن سمعه أن يرويه عنه ، سواء ناوله إياه أم لا ، خلافا لبعض المحدثين ، وسواء قال له : اروه عني ، أم لا .
وقيل : إنه لم يقل به من الأصوليين سوى وأتباعه ، ووجهه القاضي أبي بكر الباقلاني القاضي أبو بكر بأنه يجوز أن يناول الكتاب الذي يشك فيما فيه ، وقد يصح عند الغير من حديثه ما يعتقد في كثير منه أنه لا يحدث به لعلل في حديثه هو أعرف بها ، كما أنه قد يتحمل الشهادة من لا يجوز عنده أن يقيمها ، ولا أن يشهد عليها ، فإذا أشهد على شهادته كان ذلك بمثابة أدائه لها ، وعلم أنه في نفسه على صفة تجوز إقامته لها ، فكذلك الإجازة والمناولة من العدل الثقة - انتهى .
وقد مال شيخنا للتسوية بين هذا النوع وبين ثاني النوعين أيضا من القسم بعده ، وقال : إنه لم يظهر لي فرق قوي بينهما إذا خلا كل منهما عن الإذن .