وللخوف من الوعيد ( فحق النحو ) يعني : الذي حقيقته علم بأصول مستنبطة من اللسان العربي وضعت حين اختلاط العجم ونحوهم بالعرب ، واضطراب العربية بسبب ذلك ، يعرف بها أحوال الكلمة العربية إفرادا وتركيبا ، وكذا اللغة التي هي العلم بالألفاظ الموضوعة للمعاني ليتوصل بها إليها تكلما ، ( على من طلبا ) الحديث ، وأن يتعلم من كل منهما ما يتخلص به عن شين اللحن والتحريف .
وظاهره الوجوب ، وبه صرح العز بن عبد السلام حيث قال في أواخر ( القواعد ) : ، فالواجبة كالاشتغال بالنحو الذي يفهم به كلام الله ورسوله ; لأن حفظ الشريعة واجب لا يتأتى إلا بذلك ، [ ص: 161 ] فيكون من مقدمة الواجب . ولذا قال البدعة خمسة أقسام : ( النحو في العلم كالملح في الطعام لا يستغني شيء عنه ) . الشعبي
ثم قال العز : وكذا من شرح الغريب ، وتدوين أصول الفقه ، والتوصل إلى تمييز الصحيح والسقيم . يعني بذلك علم الحديث . ثم ذكر المحرمة والمندوبة والمباحة ، ثم قال : وقد يكون بعض ذلك - يعني ما ذكر في المباحة - مكروها أو خلاف الأولى . وكذا صرح غيره بالوجوب أيضا . البدع الواجبة
لكن لا يجب التوغل فيه ، بل يكفيه تحصيل مقدمة مشيرة لمقاصده بحيث يفهمها ويميز بها حركات الألفاظ وإعرابها ، لئلا يلتبس فاعل بمفعول ، أو خبر بأمر ، أو نحو ذلك ، وإن كان الخطيب قال في ( جامعه ) : ( إنه ينبغي للمحدث أن يتقي اللحن في روايته ، ولن يقدر على ذلك إلا بعد دربة النحو ، ومطالعته علم العربية ) . ثم ساق عن أنه قال : ( ليس يتقي من لا يدري ما يتقي ) . الإمام أحمد
وممن أشار لذلك شيخنا فقال : وأقل ما يكفي من يريد قراءة الحديث أن يعرف من العربية ألا يلحن .
ويستأنس له بما رويناه أنهم كانوا يؤمرون ، أو قال القائل : كنا نؤمر أن نتعلم القرآن ، ثم السنة ، ثم الفرائض ، ثم العربية الحروف الثلاثة . وفسرها بالجر والرفع والنصب ، وذلك لأن التوغل فيه قد يعطل عليه إدراك هذا الفن الذي صرح أئمته بأنه لا يعلق إلا بمن قصر نفسه عليه ، ولم يضم غيره إليه .
وقد قال أبو أحمد بن فارس في جزء " ذم الغيبة " : إن غاية علم النحو وعلم ما يحتاج إليه منه أن يقرأ فلا يلحن ، ويكتب فلا يلحن ، فأما ما عدا ذلك ، فمشغلة [ ص: 162 ] عن العلم وعن كل خير . وناهيك بهذا من مثله .
وقال أبو العيناء لمحمد بن يحيى الصولي : ( النحو في العلوم كالملح في القدر ، إذا أكثرت منه صار القدر زعاقا ) .
وعن قال : إنما العلم علمان : علم للدين ، وعلم للدنيا ، فالذي للدين الفقه ، والآخر الطب ، وما سوى ذلك من الشعر والنحو فهو عناء وتعب . رويناه في " جزء الشافعي ابن حكمان " ، وعلى ذلك يحمل حال من وصف من الأئمة باللحن ، كإسماعيل بن أبي خالد الأحمسي ، ، وعوف بن أبي جميلة ، وأبي داود الطيالسي وهشيم ، ، ووكيع والدراوردي .
وقرأ عبد الله بن أحمد بن موسى عبدان حال تحديثه وابن سريج يسمع : " من دعي فلم يجب " . بفتح التحتانية ، فقال له ابن سريج : أرأيت أن تقول : يجب . يعني : بضمها ، فأبى أن يقول ، وعجب من صواب ابن سريج ، كما عجب ابن سريج من خطئه في آخرين ممن لا أطيل بإيراد أخبارهم لا سيما وقد شرعت في جزء في ذلك ، وإليهم أشار لما اجتمع السلفي بأبي حفص عمر بن يوسف بن محمد بن الحذاء القيسي الصقلي بالثغر ، والتمس منه السماع وتعلل بأمور عمدته فيها التحرز من الوقوع في الكذب ; لأنه لم يتقدم له قراءة في العربية ، بقوله : ( وقد كان في الرواة على هذا الوضع قوم ، واحتج برواياتهم في الصحاح ، ولا يجوز تخطئتهم وتخطئة من أخذ عنهم ) . وسبقه فقال فيما رواه النسائي الخطيب في ( الكفاية ) [ ص: 163 ] من طريقه : إنه ، وقد كان لا يعاب اللحن على المحدثين يلحن إسماعيل بن أبي خالد وسفيان . وذكر ثالثا . ثم قال : وغيرهم من المحدثين .
وقال أيضا في ترجمة السلفي محمد بن عبيد الله بن محمد بن عبيد الله بن كادش الحنبلي : إنه كان قارئ بغداد ، والمستملى بها على الشيوخ ، وهو في نفسه ثقة كثير السماع ، ولم يكن له أنس بالعربية ، وكان يلحن لحن أصحاب الحديث .
وقال : أخبرني ابن ماكولا أبو القاسم بن ميمون الصدفي : أنا عبد الغني الحافظ قال : قرأت على كتاب ( العلم ) القاضي أبي الطاهر محمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر الذهلي ، فلما فرغت قلت له : قرأته عليك كما قرأته أنت . قال : نعم ، إلا اللحنة بعد اللحنة . فقلت له : أيها القاضي ، أفسمعته أنت معربا ؟ قال : لا . قلت : هذه بهذه ، وقمت من ليلتي فجلست عند ليوسف القاضي ابن اليتيم النحوي .
وقال : قرأت على أبو بكر بن الحداد الفقيه جزءا من حديث أبي عبيد علي بن حسين بن حرب المعروف بابن حربويه ، فلما قرأت قلت : قرأت كما قرئت عليك ؟ قال : نعم ، إلا الإعراب ، فإنك تعرب ، وما كان يوسف بن موسى يوسف يعرب .
وفي ( اللقط ) ، وعنه رواه للبرقاني الخطيب في [ ص: 164 ] ( الكفاية ) من طريق قال : سألت عبد الملك بن عبد الحميد بن ميمون بن مهران عن اللحن في الحديث - يعني إذا لم يغير المعنى - فقال : لا بأس به . أحمد بن حنبل
وأما ما ورد من الذم الشديد لمن طلب الحديث ولم يبصر العربية ، كقول شعبة : إن مثله كمثل رجل عليه برنس وليس له رأس . وقول : إنه كمثل الحمار عليه مخلاة لا شعير فيها . الذي نظمه حماد بن سلمة شيخ جعفر السراج في قوله : السلفي
مثل الطالب الحديث ولا يحسن نحوا ولا له آلات كحمار قد علقت ليس فيها
من شعير برأسه مخلات
هو في الفقه فاضل لا يجارى وأديب من جملة الأدباء
لا إلى هؤلاء إن طالبوه وجدوه ولا إلى هؤلاء