( 678 ) ثم على السامع بالمذاكره بيانه كنوع وهن خامره ( 679 ) والمتن عن شخصين واحد جرح
لا يحسن الحذف له لكن يصح (680 ) ومسلم عنه كنى فلم يوف
والحذف حيث وثقا فهو أخف [ ص: 206 ] ( 681 ) وإن يكن عن كل راو قطعه
أجز بلا ميز بخلط جمعه (682 ) مع البيان كحديث الإفك
وجرح بعض مقتض للترك ( 683 ) وحذف واحد من الإسناد
في الصورتين امنع للازدياد
الأولى : ( السماع على نوع من الوهن أو ) بإسناد قرنت فيه الرواية ( عن رجلين ) فأكثر ، ( ثم ) بعد استحضار ما تقدم من التحري في الأداء ( على السامع ) من حفظ المحدث ( بالمذاكره ) أي : في المذاكرة ، ( بيانه ) على الوجه الواقع ، كأن يقول : أنا فلان مذاكرة . وذلك مستحب كما صرح به الخطيب .
وإن كان ظاهر كلام الوجوب ، فقد فعله بدون بيان غير واحد من متقدمي العلماء ، بل يقال مما الظاهر خلافه كما تقدم آخر رابع أقسام التحمل : إن ما يورده ابن الصلاح في ( صحيحه ) عن شيوخه بصيغة : قال لي . أو : قال لنا . أو : زادنا . أو : زادني . أو : ذكر لنا . أو : ذكر لي . ونحوها مما حمله عنهم في المذاكرة . البخاري
( كنوع وهن خامره ) أي خالطه ، بأن سمع من غير أصل ، أو كان هو أو شيخه يتحدث أو ينعس أو ينسخ في وقت الإسماع ، أو كان سماعه أو سماع شيخه بقراءة لحان أو مصحف ، أو كتابة التسميع حيث لم يكن المرء ذاكرا لسماع نفسه بخط من فيه نظر ، أو نحو ذلك .
وقد أورد أبو داود في ( سننه ) عن شيخه محمد بن العلاء حديثا ثم قال بعده : لم أفهم إسناده من ابن العلاء كما أحب . وكذا أورد فيها أيضا عن بندار حديثا طويلا ، ثم قال في آخره : خفي علي منه بعضه . لمشاركة السماع في المذاكرة غالبا لهذه الصور في الوهن ، إذ الحفظ خوان ، وربما يقع فيها بسبب ذلك التساهل ، [ ص: 207 ] بل أدرجها فيما فيه بعض الوهن . ابن الصلاح
ولذا منع ابن مهدي وابن المبارك وأبو زرعة الرازي وغيرهم من التحمل عنهم فيها ، وامتنع أحمد وغيره من الأئمة من رواية ما يحفظونه إلا من كتبهم . وفي إغفال البيان إيهام وإلباس يقرب من التدليس ، وكما يستحب البيان فيما تقدم ، كذلك يستحب بيان ما فيه دلالة لمزيد ضبط وإتقان ، كتكرر سماعه للمروي ، وقد فعله غير واحد من الحفاظ ، فيقولون : ثنا فلان غير مرة .
[ ] : لا يحسن حذف المجروح إذا كان الحديث عنه وعن ثقة
المسألة الثانية : ( والمتن عن شخصين ) مقرونين من شيوخه الذين أخذ عنهم أو ممن فوقهم ( واحد ) منهما ( جرح ) ، والآخر وثق ، كحديث يرويه عنه مثلا لأنس ثابت البناني وأبان بن أبي عياش ( لا يحسن ) للراوي على وجه الاستحباب ( الحذف له ) أي : للمجروح وهو أبان ، والاقتصار على ثابت ، خوفا من أن يكون فيه شيء عن أبان خاصة ، وحمل المحدث عنهما أو من دونه لفظ أحدهما على الآخر . قاله الخطيب .
( لكن يصح ) لأن الظاهر - كما قال - : اتفاق الروايتين ، وما ذكر من الاحتمال نادر بعيد ، فإنه من الإدراج الذي لا يجوز تعمده . نعم قال ابن الصلاح الخطيب : إن أحمد سئل عن مثله فقال فيه نحوا مما ذكرنا .
ثم ساق من طريق أن حرب بن إسماعيل أحمد قيل له في مثل هذا : أتجوز أن أسمي ثابتا وأترك أبانا ؟ قال : لا ، لعل في حديث أبان شيئا ليس في حديث ثابت . وقال : إن كان هكذا فأحب أن أسميهما . وهذا محتمل .
ويتأيد الاستحباب بسلوك مسلم مع حرصه على الألفاظ له ، فإنه أخرج في النكاح من ( صحيحه ) عن ، عن محمد بن عبد الله بن نمير ، [ ص: 208 ] عن عبد الله بن يزيد المقرئ حيوة بن شريح ، عن شرحبيل بن شريك ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن حديث : ( عبد الله بن عمرو ) . فإن هذا الحديث قد أخرجه الدنيا متاع ، وخير متاعها المرأة الصالحة عن النسائي محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ، عن أبيه ، عن حيوة ، وذكر آخر ، كلاهما عن شرحبيل به .
وكذا أخرجه في ( صحيحه ) من حديث ابن حبان الحسين بن عيسى البسطامي ، عن المقرئ ، عن حيوة وذكر آخر قالا : ثنا شرحبيل . وأخرجه أحمد في ( مسنده ) عن ، عن أبي عبد الرحمن المقرئ حيوة قالا : ثنا وابن لهيعة شرحبيل . إذ الظاهر من تشديد مسلم حيث حذف المجروح أنه أورده بلفظ الثقة إن لم يتحد لفظهما .
ونحوه ما وقع له في موضع آخر من ( صحيحه ) حيث أخرج من طريق ابن وهب ، عن ، عن عبد الرحمن بن شريح أبي الأسود ، عن عروة ، عن حديث : ( عبد الله بن عمرو ) . ولم يسق لفظه ، بل أحال به على طريق إن الله لا يقبض العلم المشهورة ، فتبين من تصنيف هشام بن عروة ابن وهب فيما أفاده أن اللفظ ابن طاهر لابن لهيعة .
وذلك أن ابن وهب أخرجه عن ، عن ابن لهيعة أبي الأسود . وساق الإسناد والمتن ثم عقبه بأن قال : وأخبرني ، عن عبد الرحمن بن شريح أبي الأسود بذلك .
لكن أفاد شيخنا في هذا المتن بخصوصه أن حذف من ابن لهيعة ابن وهب لا من مسلم ، وأنه كان يجمع بين شيخيه تارة ، ويفرد أخرى ، بل ابن شريح لابن وهب فيه شيخان آخران بسند آخر أخرجه في ( بيان العلم ) له من طريق ابن عبد البر : ثنا سحنون ابن وهب : ثنا مالك وسعيد بن عبد الرحمن ، كلاهما عن هشام [ ص: 209 ] باللفظ المشهور .
( ومسلم ) أيضا ( عنه ) أي عن المجروح ربما ( كنى ) حيث يصرح بالثقة ثم يقول : وآخر . وهو منه قليل بخلافه من ، فإنه أورد في تفسير النساء وآخر الطلاق والفتن وعدة أماكن ، من طريق البخاري حيوة وغيره .
وفي ( الاعتصام ) من طريق ابن وهب ، عن وغيره . والغير في هذه الأماكن كلها هو عبد الرحمن بن شريح بلا شك ، وكذا أورد في الطب من رواية ابن لهيعة ابن وهب ، عن وغيره ، وهو أيضا هو ، لكن فيما يغلب على الظن . عمرو بن الحارث
وفي العتق من رواية ابن وهب ، عن مالك وابن فلان كلاهما ، عن . والمبهم هنا هو سعيد المقبري عبد الله بن زيادة بن سمعان . وكذا أكثر منه وغيره ( فلم يوف ) النسائي مسلم ولا غيره ممن أشرنا إليه بالخروج من عهدة المجروح إن اختص عن الثقة بزيادة ، لكن الظن القوي بالشيخين أنهما علما اتفاقهما ولو بالمعنى .
ولهذا الصنيع حينئذ فائدتان ، وهما الإشعار بضعف المبهم وكونه ليس من شرطه ، وكثرة الطرق التي يرجح بها عند المعارضة . وإن أشار الخطيب إلى أنه لا فائدة في هذه الصورة الخاصة فضلا عن غيرها ، قال : لأنه إن كان لأجل ما اعتللنا به فخبر المجهول لا تتعلق به الأحكام ، إذ [ ص: 210 ] إثبات ذكره وإسقاطه سواء ، وإن كان عول على معرفته هو به ; فلماذا ذكره بالكناية عنه ، وليس بمحل للأمانة عنده .
قال : ولا أحسب استجازة إسقاطه ذكره والاقتصار على الثقة إلا لأن الظاهر اتفاق الروايتين في لفظ الحديث . يعني ممن يحرص على الألفاظ ، كمسلم الذي الاحتجاج بصنيعه فيه أعلى أو في معناه ، إن لم يتقيد باللفظ ، واحتاط في ذلك بذكر الكناية عنه مع الثقة تورعا ، وإن كان لا حاجة به إليه .
وقد أشار في ( مدخله ) إلى أنه في ( مستخرجه ) تارة يحذف الضعيف ، وتارة ينبه عليه فقال : وإذا كتبت الحديث - فيه أي في ( المستخرج ) - عن رجل يرويه عن جماعة ، وأحدهم ليس من شرط هذا الكتاب ; فإما أن أترك ذكره وأكتفي بالثقة الذي الضعيف مقرون إليه ، أو أنبه على أنه محكي عنه في الجملة ، وليس من شرط الكتاب . انتهى . أبو بكر الإسماعيلي
وإذا تقررت صحة حذف المجروح فالظاهر عدم صحة الاقتصار عليه ; لما قد ينشأ عنه من تضعيف المتن وعدم الاحتجاج به للقاصر أو المستروح ، وفيه من الضرر ما لا يخفى .
[ ] : حكم إسقاط أحد الثقتين
( و ) أما ( الحذف ) لأحد الراويين ( حيث وثقا ) كما وقع في تفسير المدثر ، فإنه روى عن للبخاري ، عن محمد بن بشار وغيره كلاهما ، عن ابن مهدي حديثا . وفسر الغير بأنه حرب بن شداد الذي لم يخرج له أبو داود الطيالسي شيئا ، ( فهو أخف ) مما قبله ; لأنه وإن تطرق مثل الاحتمال المذكور أولا إليه ، وهو كون شيء منه عن المحذوف خاصة فمحذور الإسقاط فيه أقل ; لأنه لا يخرج عن كون الراوي ثقة كما إذا قال : [ ص: 211 ] أخبرني فلان أو فلان . فإنه إن كانا ثقتين فالحجة به قائمة ; لأنه دائر بين ثقتين ، وإن كان أحدهما غير ثقة ، وهو نحو الصورة الأولى ، لا يكون الخبر حجة ، لاحتمال اختصاصه بشيء من الخبر عن الآخر ، وإن كان الظاهر من المحتري خلافه كما قرر . البخاري