[  كيف يروى الحديث إذا كان منته عن جماعة ملفقا      ] :  
ثم إن ما تقدم فيما يكون جميع المتن عنهما ، ( وإن يكن ) مجموعه من جماعة من الرواة ملفقا بأن كان ( عن كل راو ) منهم ( قطعه ) منه ، فـ ( أجز بلا ميز ) أي : تمييز لما عند كل واحد منهم منه أيضا ( بخلط جمعه ) لكن ( مع البيان ) لذلك إجمالا ، وأن عن كل راو بعضه . ( كحديث الإفك ) فإنه في الصحيح من رواية   الزهري  ، عن   عروة بن الزبير  ،   وسعيد بن المسيب  ،   وعلقمة بن وقاص الليثي  ،   وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة  ، كلهم عن  عائشة     .  
قال   الزهري     : وكلهم حدثني طائفة من حديثها ، وبعضهم أوعى من بعض وأثبته اقتصاصا . وفي لفظ : وبعض القوم أحسن سياقا ، وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني عن  عائشة  ، وبعض حديثه يصدق بعضا ، زعموا أن  عائشة     . وساقه بطوله ، ولفظ   ابن إسحاق     : قال   الزهري     : وكل حدثني بعض هذا الحديث ، وقد جمعت لك الذي حدثوني .  
ولما ضم   ابن إسحاق  إلى رواية   الزهري  عن الأربعة روايته هو عن   عبد الله بن أبي بكر  ، عن  عمرة  ، وعن  يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير  ، عن أبيه كلاهما ، عن  عائشة  قال : وكل حديث هؤلاء جميعا يحدث بعضهم ما لم يحدث صاحبه ، وكل كان ثقة ، فكل حدث عنها ما سمع . وذكره .      [ ص: 212 ] ونحو صنيع   الزهري  ما في الوكالة من (   البخاري     ) ثنا   المكي بن إبراهيم  ، ثنا   ابن جريج  ، عن   عطاء بن أبي رباح  وغيره ، يعني  كأبي الزبير  ، يزيد بعضهم على بعض ، لم يبلغه كله رجل واحد منهم عن  جابر     .  
وفي رواية  لأبي نعيم  في ( المستخرج ) لم يبلغه كله إلا رجل واحد ، فذكر حديثا ، وقريب منه قول   عروة بن الزبير  ، عن   المسور بن مخرمة   ومروان بن الحكم  رضي الله عنهما ، يزيد أحدهما على صاحبه قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم . فذكر حديثا ، وفعله من المتأخرين  عياض  ، فقال في ( الشفاء ) : وعن  عائشة  والحسن ، يعني ابن علي  ،  وأبي سعيد  وغيرهم ، في صفته صلى الله عليه وسلم ، وبعضهم يزيد على بعض .  
وكثيرا ما يستعمله أصحاب المغازي والسير . وجازف عصري ممن كثرت مناكيره فاستعمله في أمر بشيع شنيع يحرم على الوجه الذي سلكه إجماعا ، فقال : وفي ( إنجيل  متى  ولوقا  ومرقص     ) يزيد أحدهم على الآخر ، وقد جمعت بين ألفاظهم .  
وحاصل ما فعله   الزهري  ومن نحا نحوه أن جميع الحديث عن مجموعهم لا أن مجموعه عن كل واحد منهم ، ولا يعلم من مجرد السياق القدر الذي رواه منه كل واحد من المسمين .  
نعم ربما يعرف حديث بعضهم أو كلهم من غير طريق ذاك الراوي ، بل ومن طريقه أيضا ، على أنه قد وقع في التفسير من ( الصحيح ) أيضا قول   الزهري     : وبعض حديثهم يصدق بعضا ، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض الذي حدثني  عروة     .  
ففهم  البلقيني  وبعض أتباعه أن  عروة  حدثه بجميع الحديث ، وأن الذي حدثه بالبعض حتى تلفق من عداه ، وصارت صورة أخرى غير الأولى ، ولكن هذه      [ ص: 213 ] اللفظة مع كونها ليست صريحة في ذلك ، بل تحتمل أيضا أن يكون المراد أن الذي حدثه  عروة  أول شيء منه ، خاصة مما زادها  الليث  عن سائر من رواه عن  يونس  ، عن   الزهري     .  
وعلى كل حال فقد صح كون   الزهري  استعمل التلفيق ، وهو جائز ، وإن قال  عياض  مع كونه ممن استعمله كما أسلفته : إنهم انتقدوا عليه صنيعه له ، وقالوا : كان ينبغي له أن يفرد حديث كل واحد منهم عن الآخر . انتهى . والأمر فيه سهل ، فالكل ثقات ، ولا يخرج الحديث بذلك عن كونه صحيحا .  
( وجرح بعض ) من المروي عنهم ، وضعفه أن لو اتفق مع عدم التفصيل ( مقتض للترك ) لجميع الحديث ; لأنه ما من قطعة من الحديث إلا وجائز أن تكون عن ذاك الراوي المجروح .  
( و ) لهذه العلة وجوبا ( حذف ) بالنصب ، مفعول مقدم ، ( واحد من ) الرواة المجتمعين في ( الإسناد ) أو بعض الحديث ( في ) هاتين ( الصورتين ) الثقات كلهم ، والضعيف بعضهم ، ( امنع للازدياد ) أي : لأجل الزيادة على بقية الرواة لما ليس من حديثهم ، أو إسقاط ما اختص به بعضهم عن الباقين .  
فائدة : ليس من هذا الباب قول   البخاري  في " باب كيف كان يعيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه " من كتاب الرقاق : ثنا  أبو نعيم     . بنحو من نصف هذا الحديث ، ثنا   عمر بن ذر     .  
فإنه وإن كان صريحا في كونه لم يسمع جميعه منه يحتمل أن يكون حدث به عنه بطريق الوجادة أو الإجازة ، أو حمله عن شيخ آخر ممن رواه عن   عمر بن ذر  غير  أبي نعيم  ، أو سمع بقية الحديث من شيخ سمعه من  أبي نعيم  ، وعلى الاحتمالين الأخيرين يكون من التعاليق ، ولذا أورده شيخنا رحمه الله في كتابه      [ ص: 214 ] المختص بها .  
				
						
						
