وقد قال : كنت امتنعت أن أحدث فأتاني آت في النوم فقال : ما لك لا تحدث ؟ فقلت : إنهم ليسوا يطلبون به الله تعالى . فقال : حدث أنت ، ينفع من نفع ، ويضر من ضر . حسين بن علي الجعفي
وفي ( زيادات المسند ) من طريق عن الشعبي علي قال : تعلموا العلم صغارا تنتفعوا به كبارا ، تعلموا العلم لغير الله يصير لذات الله . وعند الخطيب عن قال : ما سمعت يحيى بن يمان يعيب العلم قط ولا من يطلبه ، فيقال له : ليست لهم نية . فيقول : طلبهم للعلم نية . الثوري
وعن حبيب بن أبي ثابت ومعمر أنهما قالا : طلبنا الحديث وما لنا فيه نية ، ثم رزق الله النية بعد . وفي لفظ عن معمر قال : كان يقال : الرجل ليطلب العلم لغير الله ، فيأبى عليه العلم حتى يكون لله .
وجاء قوم إلى سماك يطلبون الحديث فقال له جلساؤه : ما ينبغي لك [ ص: 224 ] أن تحدثهم لأنهم لا رغبة لهم ولا نية . فقال لهم سماك : ( قولوا خيرا ، فقد طلبنا هذا الأمر ونحن لا نريد الله به ، فلما بلغت منه حاجتي دلني على ما ينفعني وحجزني عما يضرني ) .
عن ولابن عبد البر الحسن البصري قالا : ( طلبنا العلم للدنيا فجرنا إلى الآخرة ) . والثوري
وعن قال : طلبنا الحديث لغير الله فأعقبنا الله ما ترون . ابن عيينة
ونحوه قول : طلبنا العلم للدنيا فدلنا على ترك الدنيا . ابن المبارك
وقال : مات والدي وخلف لي ولأخي شيئا يسيرا ، فلما فني وتعذر القوت علينا صرنا إلى بعض الدروس مظهرين لطلب الفقه ، وليس المراد سوى تحصيل القوت ، وكان تعلمنا العلم لذلك لا لله ، فأبى أن يكون إلا لله . على أنه قال في ( الإحياء ) : هذه الكلمة اغتر بها قوم في تعلم العلم لغير الله ثم رجوعهم إلى الله . الغزالي
قال : وإنما العلم الذي أشار إليه هذا القائل هو علم الحديث والتفسير ومعرفة سير الأنبياء والصحابة ، فإن فيه التخويف والتحذير ، وهو سبب لإثارة الخوف من الله ، فإن لم يؤثر في الحال أثر في المآل .
فأما الكلام والفقه المجرد الذي يتعلق بفتاوى المعاملات وفصل الخصومات المذهب منه والخلاف ، فلا يرد الراغب فيه للدنيا إلى الله ، بل لا يزال متماديا في حرصه إلى آخر عمره .
[ ص: 225 ] وقال في موضع آخر : قال بعض المحققين : إن معناه أن العلم أبى وامتنع علينا فلم ينكشف لنا حقيقته ، وإنما حصل لنا حديثه وألفاظه . وامتنع بعض الورعين من ذلك ، فروى الخطيب عن أنه قيل له : ألا تحدثنا تؤجر ؟ قال : على أي شيء أؤجر ؟ على شيء تتفكهون به في المجالس . الفضيل بن عياض
ونحوه ما حكي عن أنه كان يقول : الناس لا يؤتون من حلم ، يجيء الرجل فيسأل ، فإذا أخذ غلط ، ويجيء الرجل فيأخذ ثم يصحف ، ويجيء الرجل فيأخذ ليماري صاحبه ، ويجيء الرجل فيأخذ ليباهي به ، وليس علي أن أعلم هؤلاء إلا رجل يجيئني فيهتم لأمر دينه ، فحينئذ لا يسعني أن أمنعه . وقد أسلفت في " متى يصح تحمل الحديث " شيئا من توقف بعض الورعين . علي بن عثام
ولكن قد فصل الماوردي في ( أدب الدنيا والدين ) له تفصيلا حسنا ، فقال : إن كان الباعث للطلب دينيا وجب على الشيخ إسعافه ، وإن لم يكن ; فإن كان مباحا ، كرجل دعاه طلب العلم إلى حب النباهة وطلب الرياسة ، فهو قريب مما قبله ; لأن العلم يعطفه على الدين في ثاني الحال ، وإن كان الداعي محظورا ، كرجل دعاه طلب العلم إلى شر كامن يريد أن يستعمله في شبه دينية ، وحيل فقهية لا [ ص: 226 ] يجد أهل السلامة منها مخلصا ، ولا عنها مدفعا ، فينبغي للشيخ أن يمنعه من طلبته ، ويصرفه عن بغيته ، ولا يعينه على إمضاء مكره وإعمال شره ، ففي الحديث انتهى . ( واضع العلم في غير أهله كمقلد الخنازير اللؤلؤ والجوهر والذهب )
وقال بعض الأدباء :
ارث لرومية توسطها خنزير وابك لعلم حواه شرير
وكذا كان بعضهم يمتنع من إلقاء العلم لمن لا يفهمه ، فحكى الماوردي أن تلميذا سأل عالما عن علم فلم يفده ، فقيل له : لم منعته ؟ فقال : لكل تربة غرس ، ولكل بناء إس . وعن قال : ينبغي للعالم أن يكون بمنزلة الطباخ الحاذق ، يعمل لكل قوم ما يشتهون من الطعام . وهب بن منبهوعن بعض البلغاء قال :
لكل ثوب لابس ولكل علم قابس