( 684 ) وصحح النية في التحديث  واحرص على نشرك للحديث         (685 ) ثم توضأ واغتسل واستعمل  
طيبا وتسريحا وزبر المعتلي         (686 ) صوتا على الحديث واجلس بأدب  
وهيبة بصدر مجلس وهب         (687 ) لم يخلص النية طالب فعم  
ولا تحدث عجلا أو أن تقم         (688 ) أو في الطريق ثم حيث احتيج لك  
في شيء اروه  وابن خلاد  سلك         (689 ) بأنه يحسن للخمسينا  
عاما ولا بأس لأربعينا         (690 ) ورد والشيخ بغير البارع  
خصص لا  كمالك   والشافعي         (691 ) وينبغي الإمساك إذ يخشى الهرم  
وبالثمانين   ابن خلاد  جزم         (692 ) فإن يكن ثابت عقل لم يبل  
كأنس  ومالك  ومن فعل         (693 )  والبغوي  والهجيمي  وفئه  
 كالطبري  حدثوا بعد المائه         (694 ) وينبغي إمساك الاعمى إن يخف  
وأن من سيل بجزء قد عرف         (695 ) رجحان راو فيه دل فهو حق  
وترك تحديث بحضرة الأحق         (696 ) وبعضهم كره الأخذ عنه  
ببلد وفيه أولى منه         (697 ) ولا تقم لأحد وأقبل  
عليهم وللحديث رتل         (698 )  واحمد  وصل مع سلام  
ودعا في بدء مجلس وختمه معا  
وقدمت على آداب الطالب التي كان الأليق تقديمها ; إما لكونها أشرف ، أو لمناسبتها لأكثر الفروع التي في صفة الرواية والأداء ، وقد صنف الخطيب كتابا حافلا لآداب كل منهما سماه ( الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع ) قرأته ، وكذا لأبي سعد بن السمعاني ( أدب الإملاء والاستملاء ) .
[ وجوب تقديم النية وتصحيحها عند التحديث ] :
( وصحح ) أيها المريد الرواية ( النية في التحديث ) وقدمها عليه بحيث تكون في ذلك مخلصا لله لا يشوبك فيه غرض دنيوي ، بل طاهر القلب من أعراضها وأدناسها ، بعيدا عن حب الرياسة ورعوناتها ودسائسها ، كالعجب والطيش والحمق والدعوى بحق ، فضلا عن باطل ، لا تحب أن يحمدك عليه أحد من الناس ، ولا تريد به معنى سوى التقرب إلى الله .
وإن لم تفعل ذلك فما صنعت شيئا ، ولا تأمن أن يقول لك الرب سبحانه وتعالى حين قولك : ( تعلمت فيك العلم وعلمته ، وقرأت القرآن ) - : ( كذبت ، ولكن ليقال : قارئ ، فقد قيل ) . ثم يؤمر بمن يكون كذلك فيسحب على وجهه حتى يلقى في النار ، إذ الأعمال بالنيات ، ولا يقبل الله منها إلا ما كان خالصا له .
وانظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم : ( من سمع الناس بعلمه سمع الله به سامع خلقه ، وصغره وحقره ) . و ( رب قائم ، أو صائم ، حظه من قيامه ، أو صيامه ، السهر ، أو الجوع والعطش ) نسأل الله العفو والعافية .
[ ص: 216 ] ومن هنا وقف كثير من السلف عن التحديث إلا بعد نية صحيحة ، قال حبيب بن أبي ثابت لما سأله الثوري التحديث : حتى تجيء النية . وقال أبو الأحوص سلام بن سليم لمن سأله أيضا : ليست لي نية . فقيل له : إنك تؤجر ، فقال :
يمنونني الخير الكثير وليتني      نجوت كفافا لا علي ولا ليا  
وقال كلثوم بن هانئ - وقد قيل له : يا أبا سهل حدثنا - : إن قلبي لا خير فيه ، ما أكثر ما سمع ونسي . هذا وهو لو شاء فعل ، كما قاله أبو زرعة السيباني ، ولكنه أشفق من الزهو والعجب حين نصبوه . ونحوه قول حماد بن زيد : أستغفر الله ، إن لذكر الإسناد في القلب خيلاء .
وتصحيح النية وإن كان شرطا في كل عبادة ، إلا أن عادة العلماء تقييد مسألتنا به ، لكونه قد يتساهل فيه بعض الناس أو يغفل عنه ، لا سيما والحديث علم شريف يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ، وينافر مساوئ الأخلاق ومشائن الشيم ، كما قال ابن الصلاح ، والنية تعز فيه لشرفه .
ويستفز صاحبه اللعين بهدفه ، ومن حرمه فقد حرم خيرا كثيرا ، ومن رزقه بشرطه فقد فاز فوزا عظيما ، ونال أجرا كبيرا ، وهو من علوم الآخرة لا من علوم الدنيا ; لأنه عبادة لذاته لا صناعة .
ولا ينافيه قول الثوري : ليس طلب الحديث من عدة الموت ، ولكنه علة يتشاغل به الرجال . إذ طلب الحديث - كما قال الذهبي : شيء غير الحديث . قال : وهو اسم عرفي لأمور زائدة على تحصيل ماهية [ ص: 217 ] الحديث ، وكثير منها مراق إلى العلم ، وأكثرها أمور يشغف بها المحدث ، من تحصيل النسخ المليحة ، وتطلب الإسناد العالي ، وتكثير الشيوخ ، والفرح بالألقاب ، وتمني العمر الطويل ليروي ، وحب التفرد ، إلى أمور عديدة لازمة للأغراض النفسانية لا للأعمال الربانية .
قال : فإذا كان طلبك للحديث النبوي محفوفا بهذه الآفات ، فمتى خلاصك منها إلى الإخلاص ؟ وإذا كان علم الآثار مدخولا ، فما ظنك بعلوم الأوائل التي تنكث الأيمان وتورث الشكوك ؟ ولم تكن - والله - في عصر الصحابة والتابعين ، بل كانت علومهم القرآن والحديث والفقه . انتهى .
على أن جماعة منهم الثوري قال كل منهم : لا أعلم عملا أفضل من طلب الحديث لمن أراد به الله عز وجل . فيحمل على ما إذا خلص من هذه الشوائب كما هو صريحه ، وحينئذ فهو أفضل من التطوع بالصوم والصلاة لأنه فرض على الكفاية .
				
						
						
