[ ص: 244 ]    [  تبيين التحديث وترتيله      ] : ( وللحديث رتل ) استحبابا إن لم يخف منه شيء ، ولا تسرده سردا ، أي لا تتابع الحديث استعجالا ، بعضه إثر بعض ; لئلا يلتبس أو يمنع السامع من إدراك بعضه ; لحديث  عائشة  المتفق عليه : (  لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يسرد الحديث سردكم     ) .  
زاد  الإسماعيلي     : ( إنما كان حديثه فهما تفهمه القلوب ) . وزاد  الترمذي  مما قال : إنه حسن صحيح : ( ولكنه كان يتكلم بكلام بين فصل يحفظه من جلس إليه ) .  
ولا شك أن من المعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يسردون الحديث بحيث لا يفهم بعضه ، بل اعتذر عن   أبي هريرة  الذي من أجله قالت  عائشة  ما قالت ، بأنه كان لكونه واسع الرواية كثير المحفوظ ، لا يتمكن من المهل عند إرادة الحديث ، كما قال بعض البلغاء : أريد أن أقتصر فتزاحم القوافي على في .  
وقد قالت  عائشة  ما قالت ، فإذا خفي البعض فأولى أن ينكر ، ولذا قيل كما سلف في كتابة الحديث : ( شر القراءة الهذرمة ) .  
وقد قال  النحاس  في ( صناعة الكتاب ) : قولهم : سرد الكاتب قراءته . معناه : أحكمها . مشتق من سرد الدرع إذا أحكمها ، وجعل حلقها ولاء غير مختلفة ، وأحسن صنعة المسامير .  
واعلم أن القراء في هذه الأعصار المتأخرة ، بل وحكاه  ابن دقيق العيد  ، أيضا قد تسامحوا في ذلك ، وصار القارئ يستعجل استعجالا يمنع السامع من إدراك حروف      [ ص: 245 ] كثيرة بل كلمات ، وقد اختلف السلف في ذلك كما تقدم في خامس الفروع التالية لثاني أقسام التحمل .  
ولا تطل المجلس ، بل اجعله متوسطا ، واقتصد فيه حذرا من سآمة السامع وملله   ، وأن يؤدي ذلك إلى فتوره عن الطلب وكسله ، إلا إن علمت أن الحاضرين لا يتبرمون بطوله ، فقد  قال   الزهري  وغيره : إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيب     .  
وقال   المبرد     : من  أطال الحديث وأكثر القول   ، فقد عرض أصحابه للملال وسوء الاستماع ، ولأن يدع من حديثه فضلة يعاد إليها ، أصلح من أن يفضل عنه ما يلزم الطالب استماعه من غير رغبة فيه ولا نشاط له     .  
وقال   الجاحظ     : قليل الموعظة مع نشاط الموعظ خير من كثير وافق من الأسماع نبوة ، ومن القلب ملالة     .  وقال  الماوردي     : قال بعض العلماء : كل كلام كثر على السمع ولم يطاوعه الفهم ، ازداد به القلب عمى ، وإنما يقع السمع في الآذان إذا قوي فهم القلب في الأبدان     .  
وقال   الوليد بن مزيد البيروتي     : المستمع أسرع ملالة من المتكلم ، وصح قوله صلى الله عليه وسلم : (  عليكم من العمل ما تطيقون ، فإن الله لا يمل حتى تملوا ، وإن      [ ص: 246 ] أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل     ) .  
				
						
						
