الوجه الرابع : أن  يكون راوي أحد الحديثين لما سمعه كان بالغا ، والثاني كان صغيرا حالة الأخذ ، فالمصير إلى حديث الأول أولى   ؛ لأن البالغ أفهم للمعاني ، وأتقن للألفاظ ، وأبعد من غوائل الاختلاط ، وأحرص على الضبط ، وأشد اعتناء بمراعاة أصوله من الصبي ، ولأن الكبير سمعه في حالة لو أخبر به لقبل منه بخلاف الصبي .  
ولهذا بعض أهل المعرفة بالحديث لما ذكر في أصحاب   الزهري  رجح  مالكا  على   سفيان بن عيينة     .  
 [ ص: 62 ] لأن  مالكا  أخذ عن   الزهري  وهو كبير ،   وابن عيينة  إنما صحب   الزهري  وهو صغير دون الاحتلام .  
فإن قيل : فعلى هذا يجب أن يقدم من يحتمل شهادة وهو بالغ على من تحملها صغيرا ، قلنا : إنما لم يعتبر هذا الترجيح في باب الشهادة ؛ لأن الشهادة إخبار عن معنى واحد ، وذلك المعنى لا يتغير ولا يختلف معرفته باختلاف الأحوال صغيرا أو كبيرا ، وليس كذلك الرواية ،      [ ص: 63 ] فإنما يراعى فيه الألفاظ والأحوال والأسباب ؛ لتطرق الوهم إليها ، والتغيير والتبديل ، ويختلف ذلك بالكبر والصغر ، فيبالغ في مراعاتها لذلك .  
				
						
						
