باب اليمين في الدخول والسكنى 
( ومن حلف لا يدخل بيتا فدخل الكعبة  أو المسجد أو البيعة أو الكنيسة  لم يحنث ) لأن البيت ما أعد للبيتوتة ، وهذه البقاع ما بنيت لها ( وكذا إذا دخل دهليزا أو ظلة باب الدار ) لما ذكرنا ، والظلة ما تكون على السكة . 
وقيل : إذا كان الدهليز بحيث لو أغلق الباب يبقى داخلا ، وهو مسقف يحنث ; لأنه يبات فيه عادة ( وإن دخل صفة حنث ) لأنها تبنى للبيتوتة فيها في بعض الأوقات فصار كالشتوي والصيفي ، وقيل هذا إذا كانت الصفة ذات حوائط أربعة ، وهكذا كانت صفاتهم ، وقيل الجواب مجرى على إطلاقه وهو الصحيح . 
 [ ص: 66 ]   ( ومن حلف لا يدخل دارا فدخل دارا خربة  لم يحنث ; ولو حلف لا يدخل هذه الدار فدخلها بعدما انهدمت وصارت صحراء  حنث ) لأن الدار اسم للعرصة عند العرب  والعجم  ، يقال : دار عامرة ودار غامرة وقد شهدت أشعار العرب  بذلك ، والبناء وصف فيها غير أن الوصف في الحاضر لغو وفي الغائب معتبر . 
( ولو حلف لا يدخل هذه الدار فخربت ثم بنيت أخرى  فدخلها يحنث ) لما ذكرنا أن الاسم باق بعد الانهدام ( وإن جعلت مسجدا أو حماما أو بستانا أو بيتا فدخله لم يحنث ) لأنه لم يبق دارا لاعتراض اسم آخر عليه ، وكذا إذا دخله بعد انهدام الحمام وأشباهه ; لأنه لا يعود اسم الدارية ( وإن حلف لا يدخل هذا البيت فدخله بعدما انهدم وصار صحراء  لم يحنث ) لزوال اسم البيت ; لأنه لا يبات فيه حتى لو بقيت الحيطان وسقط السقف يحنث ; لأنه يبات فيه والسقف وصف فيه ( وكذا إذا بنى بيتا آخر فدخله لم يحنث ) لأن الاسم لم يبق بعد الانهدام . 
قال : ( ومن حلف لا يدخل هذه الدار فوقف على سطحها  حنث ) لأن السطح من الدار ألا ترى أن المعتكف لا يفسد اعتكافه بالخروج إلى سطح المسجد ، وقيل في عرفنا لا يحنث وهو اختيار الفقيه  أبي الليث    . 
قال ( وكذا إذا دخل دهليزها ) ويجب أن يكون على التفصيل الذي تقدم ( وإن وقف في  [ ص: 67 ] طاق الباب بحيث إذا أغلق الباب كان خارجا لم يحنث ) لأن الباب لإحراز الدار وما فيها فلم يكن الخارج من الدار . 
قال : ( ومن حلف لا يدخل هذه الدار وهو فيها  لم يحنث بالقعود حتى يخرج ثم يدخل ) استحسانا ، والقياس أن يحنث لأن الدوام له حكم الابتداء . 
وجه الاستحسان أن الدخول لا دوام له لأنه انفصال من الخارج إلى الداخل . 
( ولو حلف لا يلبس هذا الثوب ، وهو لابسه فنزعه في الحال  لم يحنث ) وكذا إذا حلف لا يركب هذه الدابة ، وهو راكبها فنزل من ساعته لم يحنث ، وكذا لو حلف لا يسكن هذه الدار وهو ساكنها فأخذ في النقلة من ساعته . 
وقال  زفر  رحمه الله : يحنث لوجود الشرط وإن قل . 
ولنا أن اليمين تعقد للبر فيستثنى منه زمان تحققه ( فإن لبث على حاله ساعة حنث ) لأن هذه الأفاعيل لها دوام بحدوث أمثالها ; ألا يرى أنه يضرب لها مدة ، يقال : ركبت يوما ولبست يوما بخلاف الدخول ; لأنه لا يقال دخلت يوما بمعنى المدة والتوقيت ، ولو نوى الابتداء الخالص يصدق ; لأنه محتمل كلامه . 
قال : ( ومن حلف لا يسكن هذه الدار فخرج بنفسه ومتاعه وأهله فيها ، ولم يرد الرجوع إليها  حنث ) لأنه يعد ساكنها ببقاء أهله ومتاعه فيها عرفا ، فإن  [ ص: 68 ] السوقي عامة نهاره في السوق ، ويقول أسكن سكة كذا . 
والبيت والمحلة بمنزلة الدار ، ولو كان اليمين على المصر لا يتوقف على البر على نقل المتاع والأهل فيما روي عن  أبي يوسف  رحمه الله  ، لأنه لا يعد ساكنا في الذي انتقل عنه عرفا بخلاف الأول ، والقرية بمنزلة المصر في الصحيح من الجواب ، ثم قال  أبو حنيفة  رحمه الله : لا بد من نقل كل المتاع حتى لو بقي ، وقد يحنث لأن السكنى قد ثبت بالكل فيبقى ما بقي شيء منه . 
وقال  أبو يوسف  رحمه الله : يعتبر نقل الأكثر لأن نقل الكل قد يتعذر . 
وقال  محمد  رحمه الله : يعتبر نقل ما يقوم به  [ ص: 69 ] كدخدائيته لأن ما وراء ذلك ليس من السكنى قالوا هذا أحسن وأرفق بالناس ، وينبغي أن ينتقل من منزل آخر بلا تأخير حتى يبر ، فإن انتقل إلى السكة أو المسجد قالوا لا يبر ، دليله في الزيادات أن من خرج بعياله من مصره فما لما يتخذ وطنا آخر يبقى وطنه الأول في حق الصلاة كذا هذا ، والله أعلم بالصواب . 
				
						
						
