الركن الثالث : : قال صاحب المقدمات : القسم إما أن يتبع في رقاب أو منافع ، وقسم رقاب أموال ثلاثة : قرعة بعد التقويم ، وتعديل ومراضاة بعد تعديل وتقويم ، ومراضاة بغير تقويم ولا تعديل ، ولكل صفة أحكام تخصها [ ص: 197 ] فيخص الأول : إجبار الممتنع عنها عليها ، وتختص بالجنس الواحد من العقار أو الحيوان أو العروض لئلا يعظم الغرر بالقرعة في المختلفات دون المكيل والموزون ، ولا يجمع سهم اثنين لما فيه من توقع تكرر القرعة وزيادة الغرر ، ويرجع فيها بالعين لعدم الدخول على التفاوت ، ولا تدخل في المكيل والموزون لإمكان قسمه بغير غرر القرعة بالمكيال والميزان ، ويخص الثانية : جوازها في الأجناس والمكيل والموزون لعدم القرعة ، إلا في صنف يمتنع التفاضل فيه ، فإن الرضا فيه بغير المماثل حرام ، ويرجع فيها بالغبن لما تقدم ، وتختص الثالثة بعدم الرجوع بالغبن مع جوازها في موارد الثانية ؛ لأن التزام عدم التعديل رضا بالتفاوت وهي بيع اتفاقا ويحكم فيها بحكم البيع في الاستحقاق والرد بالعيب وسائر الأحكام المتعلقة بالبيع ، واختلف في الأولين : فالمشهور أنهما بيع ، وقاله ( ش ) و ( ح ) ؛ لأن كل واحد يعوض عن الشافع فيما أخذه شريكه الشافع مما أخذه لشريكه . وهذا هو حقيقة البيع ، وقال صفة القسمة سحنون تمييز حق ، قال صاحب التنبيهات : وهو الصحيح من مذهبنا وأقوال أئمتنا ، وإن كان وابن حنبل مالك أطلق عليهما : بيع ، واضطرب فيها رأي ابن القاسم لقسم الصحابة رضوان الله عليهم البقر والإبل المذبوحة عن سبع ، وبيع لحوم القرب حرام ؛ ولأن القرعة والإجبار ينافيان البيع لاشتراط الرضا فيه ؛ ولأن تعويض المعين عن الشائع لو كان بيعا لكان قبض طعام السلم والديون بيعا ، فيلزم بيع الطعام قبل قبضه ، وبيع المؤجل في الذمم بالمعجل ، وصرف ما في الذمم قبل حلوله ( بجواز تعجيل الدين قبل أجله ) بل هذا أولى بالبيع ، فإن عين ما أخذ لم يكن له فيه ملك . والمقاسم كان يملك فيما أخذ نصيبا .
والجواب عن الأول : أنه مستثنى من القسم للضرورة ، وتوسعة على الناس في التقريب .
[ ص: 198 ] والجواب عن الثاني : إن الرضا قول يشترط فيه البيع لدفع الضرر كالأخذ بالشفعة وبيع مال المفلس .
تنبيه : لا يمكن القول بأنها بيع مطلقا ، فإن عين ما أخذ له فيه حصة قبل القسم ، وهي الآن باقية له فلم يعاوض فيها .
نظائر : قال العبدي : في سبع مسائل : الماء للعطشان ، فإن تعذر الثمن أجبر بغير ثمن ، ومن انهارت بئره وخاف على زرعه الهلاك يجبر جاره على سقيه بغير ثمن ، وقيل : بالثمن والمحتكر يجبر على بيع طعامه . وجار الطريق إذا أفسدها السيل ، وكذلك الساقية إذا أفسدها السيل يؤخذ مكانها بالقيمة من جار الساقية ، وإذا ضاق المسجد يجبر من قاربه على البيع ليوسع للناس ، وصاحب الفدان في فدن الجبل إذا احتاج الناس إليه ليخلصهم لأجل وعره ، وصاحب الفرس أو الجارية يبطلها السلطان فإن لم يدفعها إليه جبر الناس فإنه يجبر هو تغليبا لأحد الضررين ، والإنسان مضطر للخلاص من سوء الشركة والاستقلال بملكه من غير مزاحم فتعين الإجبار ، وإن كان القسم بيعا . يجبر الإنسان على بيع ماله
وعن الثالث : أن المستحق في السلم والديون حقيقة مطلقة تجب على المديون بعينها في معين ليحصل الإقباض ، وهذه الحقيقة لم ينتقل عنها إلى غيرها فما وجد معنى المعاوضة ، وفي القسم كل واحد من نصفي الدار لزيد فيه حق شائع [ ص: 199 ] عاوض عن أحد الشائعين بالآخر فتقرر معنى المبيع ، قال : والأظهر : أن الأولى تميز بخلاف الثانية ، ودليل قوله تعالى : ( القرعة فساهم فكان من المدحضين ) وقوله تعالى : ( وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ) وفي مسلم ) وإنما وقعت القرعة في تلك الصور تطييبا للقلوب وإقرارا لحق الورثة عن المعتق ، وهذا متحقق في القسم وما يوجبه الحكم يجوز التراضي عليه من غير حكم . أن رجلا أعتق ستة أعبد بموته فأسهم - عليه السلام - بينهم فأعتق ثلثهم ، وقال عليه السلام : ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا لاستهموا