[ ص: 100 ] الباب الثاني
في القبض
وفي الجواهر : في الأعيان المشار إليها كالمنقول ، والعقار - ما تقدم في البيع ، وفي الدين بتسليم ذكر الحق ، والإشهاد ، والجمع بين الغريمين ، والجمع فقط إن لم يكن ذكر حق ، وتقدم إليه بحضرة البينة ألا يعطيه إياه حتى يصل إلى حقه المرتهن ، وإن كان على المرتهن فهو قابض له . وأصله قوله تعالى : ( فرهان مقبوضة ) فشرط في وصف كونه رهنا القبض ; لأن الصفة قائمة مقام الشرط .
فرع
في الجواهر : القبض ليس بشرط في انعقاد الرهن ، وصحته ، ولا في لزومه ، بل ينعقد ، ويصح ، ويلزم ثم يطالب المرتهن بالإقباض ، ويجبر الراهن عليه لكن يشترط في استقرار الوثيقة ليكون أولى من الغرماء في الفلس والموت كما يتأخر اللزوم في بيع الخيار ، وانتقال الضمان في البيع حتى يقبض المبيع ، ويصح التحمل في الشهادة ، وتتوقف ثمرتها على العدالة . وقال ( ش ) : ( ح ) لا يلزم شيء بالعقد ، بل بالقبض ، وله أن لا يسلم قبل القبض . وقال : إن كان مكيلا ، أو موزونا لزم بالعقد ، وإلا فلا . وقال ( ش ) : العتق ، والبيع ، والرهن في الرهن قبل القبض يبطل الرهن بخلاف تزويج الأمة . وإن أجر الدار مدة دون أجل الدين لا يبطل لإمكان بيعها . ابن حنبل
لنا : قوله تعالى : ( فرهان مقبوضة ) فجعل القبض صفة للرهن ، والصفة غير [ ص: 101 ] الموصوف ، وليست صفة لازمة ، وإلا لما صح قوله : أرهنك هذا ، ولم يسلمه إليه . وإذا كان الرهن يتحقق قبل القبض وجب الوفاء بالقبض لقوله تعالى : ( أوفوا بالعقود ) ولقوله عليه السلام : . وقياسا على سائر العقود . المؤمنون عند شروطهم
احتجوا بأنه عقد إرفاق فيشترط القبض في لزومه كالقرض ، ولا يلزم بمجرد القول حتى ينضاف إليه غيره كالوصية لا بد فيها من الموت .
والجواب عن الأول : المنع ، بل القراض يلزم بالقول ، وعن الثاني : القلب ، فنقول يشترط فيه القبض قياسا على الوصية .
تفريع : في الجواهر : لو ، فهو أسوة الغرماء بخلاف المجد في الطلب إلى حينئذ ، ولو عجز كالهبات . وظاهر الكتاب هو كغير المجد لإطلاق القول من غير تفصيل ، ولا يبطل الحوز بخروجه عن يده عليه ، ولو وجد بعد الموت أو الفلس بيد أمين أو المرتهن . قال تراخى في طلب القبض حتى مات ، أو فلس عبد المالك : لا ينفع ذلك حتى تشهد البينة بحوزه قبل الموت أو الفلس لاحتمال طريان القبض بعدهما . وقال محمد : صوابه لا ينفع إلا معاينة الحوز لهذا الإرهان ، ولا يفسخ عقد الإرهان بموت أحدهما ، ولا جنونهما ، ولا الحجر عليهما .
قاعدة : كل ما كان مالا ، أو متعلقا بالمال كالرهن ، والرد بالعيب ، والأخذ بالشفعة ، وإمضاء الخيار انتقل للوارث ; لأنه يرث المال فيرث ما يتعلق به . وكل ما يرجع إلى النفس ، والرأي ، والملاذ - لا ينتقل للوارث ; لأنه لا يرث النفس كاللعان ، والإيلاء ، وخيار من اشترط خياره ; لأنه رأيه .
نظائر : قال ابن بشير : سبع عشرة مسألة لا تتم إلا بالقبض : الرهن ، والحبس ، والصدقة ، والهبة ، والعمرى ، والعطية ، والنحل ، والعرية ، والمنحة ، والهدية ، والإسكان ، والعارية ، والإرفاق ، والعدة ، والإخدام ، والصلة ، والحباء .
[ ص: 102 ] فرع
في الجواهر : يجوز الوضع على يد ثالث يتوكل ، وليس له التسليم لأحدهما دون إذن الآخر ، فإن فعل ضمن لتعديه . ولو تغير حاله لكان لكل واحد طلب التحويل إلى عدل آخر صونا له عن الضياع . فإن اختلفا في عدلين . قال : يجعله القاضي على يد عدل . قال ابن عبد الحكم اللخمي : وليس ببين ، بل يقدم قول الراهن إذا دعا إلى ثقة ; لأنه ماله ، فهو أنظر لنفسه . فإن قال أحدهما عند عدل ، وقال الآخر عند المرتهن قدم طالب العدل ; لأنه أعدل ، وأبعد عن التهم .
فرع
في الكتاب : إذا اكترى حصة شريكه ، وسكن بطل حوز المرتهن إن لم يقم المرتهن بقبض حصة الراهن من الدار ، ويقاسمه ، ولا يمنع الشريك من كراء نصيبه من الراهن ; لأنه مطلق التصرف ، ولكن تقسم الدار فيحوز المرتهن رهنه ، ويكري الشريك نصيبه . قال التونسي عن ابن القاسم : إذا ، فإن كان المكتري من ناحية رب الدار ، فالكراء فاسد ، وفسد الرهن ، أو أجنبيا جاز ; لأنه لما تقدم حوزه للرهن ثم غلب على رده إلى يد صاحبه لم ينتقض الحوز كالعبد إذا أبق بعد الحوز ، وأخذه الراهن . واختلف في رهن ما أكري هل تصح حيازته ، ففي المدونة : في ارتهن دارا ، فأكراها من رجل بإذن الراهن ، فأكراها المرتهن من الراهن أنه حوز ، وهو مرتهن مكترى إلا أن ذلك في عقد واحد . وإذا جوز الكراء والرهن في عقد واحد ، ويصح الحوز فيصح ما تقدم الكراء الرهن كما أجاز اشتراط الانتفاع بالرهن ابن القاسم هبة ما تقدمت فيه الخدمة ، وأجاز الإخدام ، والهبة ، والرقبة في مدة واحدة ، وإن كان مالك فرق بينهما . ولا يتم حوز الصدقة عند ابن القاسم فيما تقدمت فيه الإجارة ; لأن منافعه لما كان المتصدق يأخذ كراءها ، فكانت يده باقية ، وعلى هذا يجب ألا يتم الرهن ، والإجارة في مرة واحدة .
وفي كتاب محمد : إذا ، فليجعل المرتهن مع المساقي رجلا ، أو يجعلانه على يد رجل يرضيان به ، فإن جعلاه على يد المساقي ، أو أجير له في [ ص: 103 ] الحائط فليس برهن . قال : ولا وجه لقوله يجعل مع المساقي رجلا آخر لبقاء يد المساقي . ويقضى بكونه للراهن لعمل المساقي بجزئه الذي يأخذه . ساقى حائطا ثم رهنه
وقال مالك : إذا اكترى دارا سنة ، وأخذ حائطا مساقاة ، فرهنه قبل وفاء السنة لا يكون محازا لحوزه قبل ذلك بالسقي بخلاف ارتهان فضلة الرهن ; لأن الفضلة محوزة عن صاحبها ، فلم يحز هاهنا ما تقدم سقاء ، ولا كراء بخلاف ما تقدم فيه رهن . ومنعه أشهب ، وهو الأشبه ، وجوز رهن نصف الدار ، وهي له كلها ، ويقوم بذلك المرتهن مع الراهن ، أو يضعانها على يد غيرهما ما لم يكن الموضوع على يده قيما له مثل عبده ، وأجيره . ولو رهن الجميع جاز وضعه على يد الآخر ; لأن للمرتهن القيام بجميعه ، وصار قيمه حائزا للمرتهن بخلاف العبد ; لأن العبد يده يد السيد ، ويد القيم يد المرتهن ما لم يبق للراهن فيه شيء ، وإذا رهن النصف بقيت يد القيم على النصف للراهن ، فهو كمن ارتهن نصف دار ، وبقيت يده مع المرتهن ; لأن القيم هاهنا حائز للمرتهن بخلاف ما لو رهن دارا على أن يجعلاها على يد أجنبي لزوال يد الراهن .
وإذا ، والابن مباين له لم يفسد الرهن ، وكذلك الزوجة بخلاف الابن الصغير . واختلف إذا سلف من امرأته ، ورهنها جارية له ، جعله وضع المرتهن الرهن عند ابن الراهن على يده ، أو زوجته أصبغ حوزا ، وكل ما في بيتها ما خلا رقبة الدار إذا ارتهنتها من زوجها لم يكن ذلك حوزا ، وكذلك الصدقة بخلاف صدقتها هي عليه بالدار ، فتسكن فيها معه ; لأن عليه السكنى لها . قال : وفيه نظر . وفي الحقيقة لا فرق بين الدار ، والخادم ، وهو بيده ، وجميع ما في البيت من رهنه منهما لصاحبه ، فذلك حوز ، وعليه إخدامها كما عليه إسكانها .
قال ابن يونس : قال محمد : إذا بطل رهن جميع الدار لرجوعها كما كانت بيد صاحبه . لكل واحد نصيبه . قال ارتهن نصف دار ، فجعلها على يد شريك ثم ارتهن نصيب الشريك ، فجعله على يد الشريك الأول ابن القاسم : إذا رهنها خادما في صداقها قبل البناء ، فحازتها شهرا ثم بنى بها ، فخدمتهما خرجت من [ ص: 104 ] الرهن بخدمتهما . قال ابن يونس : وكل أمر إذا ابتدئ في الرهن لا يكون حوزا يخرج عن الحوز ، ولا يبطل الحوز في الهبة والصدقة والحبس إذا طال الحوز . والفرق أن الرهن وثيقة في الحق ، فإذا عاد للراهن بطل حقه ، ورجع الراهن لملكه وحوزه ، والملك منتقل في أولئك ، فلا يضر الرجوع كما لو رجعت بعد البيع . وفي العتبية إذا حزت سنة ثم شهدت بينة أن غيرك ارتهنه قبلك وحازه ، وقال : لم أعلم بيد الأول - قدمت حيازته ، وما فضل لك دون الغرماء . وعن مالك : إذا حزت الحائط تحت يد أمين ، فأخذه ربه مساقاة من الأمين ضعف الرهن ، وكأنه لم يرهنه ، ويحوز ما فاته من الذي له الدين ، ولا يأخذه الأمين مساقاة إلا بإذنكما .
فرع
قال التونسي : لا ينفع إقرار المتراهنين بأن الرهن حيز حتى تعاين البينة حوزه لاتهامهما على الغرماء . ولو وجد في يد المرتهن بعد الفلس أو الموت ؛ ما نفع ذلك ، وفيه خلاف . قال عبد الملك : إذا لا شيء للغرماء ; لأنه لم يرجع للراهن . قال مات الراهن ، فأكراه المرتهن من بعض ورثته ثم قام الغرماء محمد : صوابه أن الابن لا ميراث له فيه لاستغراق الدين التركة . وظاهر قول عبد الملك خلاف ذلك . قال ابن يونس : قال عبد الملك : إذا مات الراهن ، وقد أكريته بعد الحوز في حياته من وارثه لا يبطل الرهن ; لأن الدين استغرقه ، فلا ميراث .
فرع
في الكتاب : إذا لم يقبض حتى مات الراهن ، أو أفلس ، فهو أسوة الغرماء في الرهن .
فرع
قال ابن يونس : قال مالك : لا يوضع الرهن على يد ابن صاحب الرهن إذا كان [ ص: 105 ] في عياله ، ولا امرأته . قال ابن القاسم : ويفسخ ذلك بخلاف الأخ ، وكذلك امرأته البائنة عنه في دارها ، وحوزها . قال : عبد الراهن المأذون وغيره حوز باطل .
فرع
في المنتقى : إذا ، فالغلق على البيت حيازة له ، ولنصف الدار ، والكراء يشتمل الجميع . قال رهن بيتا من دار ، ونصفها مشاعا ابن حبيب : وهو يحتمل أن البيت معظم الرهن ، أو هو مبني على جواز حيازة المشاع مع غير الراهن بأن يكون بقية الدار لغير الراهن . ولو حاز الدار ، وفيها طريق يمر فيها الراهن ، وغيره ; لأن الطريق حق الناس كلهم . قاله ابن القاسم ، فراعى البيوت دون الساحة ، ويحتمل الوجهين المتقدمين .
فرع
في البيان : قال ابن القاسم : إذا قال لك رجل في عبد ارتهنته : أنا آخذه عندي ، وأضمنه من كل شيء إلا الموت ، وأعطيك حقك عند الأجل ، فأخره الحميل عند الراهن ، ولم يقبضه ، فليس للحميل بيعه عند الأجل لبطلانه بعدم الحوز ، ويغرم الحميل الدين ، ويرجع به . ولو أخر العبد أياما ، فله القيام بأخذه ; لأنه يعذر بشغل يمنعه من الحوز أما إذا طال حتى حل الأجل فلا .
فرع
في الجلاب : إذا خير البائع بين إمضاء البيع وفسخه ، وقاله ( ش ) لفوات ما رضي لأجله . وفي شرح الجلاب : يعطى في غير المعين الدور ، والثياب ، والحلي لصدق المسمى ، ولا يلزم العبد والدابة للمشقة في الكلفة . ومتى تنازعا فيما يغاب عليه أو ما لا يغاب عليه لزم القبول لصدق المسمى . اشترط رهنا غير معين ، فامتنع الراهن من الإقباض
فرع
قال البصري في تعليقه : لو كانت رهنا بجميع [ ص: 106 ] الحق ، وقاله ( ش ) ، وقال ( ح ) : بنصف الحق قياسا على قبض البيع . والفرق أن الرهن يتعلق به وبكل جزء منه لمناسبة التوثق لذلك المقصود ، ومقصود البيع المالية ، ونسبتها في التوزيع بدليل لو وفاه الحق إلا درهما بقي الرهن رهنا به . رهنه دارين ، فأقبضه إحداهما
لنا : القياس على الضامنين يموت أحدهما ، فله مطالبة الحي بجميع الحق .
فرع
في الجلاب : إلا بعد القسمة ليتحقق الحوز . إذا رهن نصيبه ليس له استئجار نصيب شريكه من الدار
فرع
في البيان : إذا قال لك رجل : قد حزت الرهن لك ، فعامله ، فدفعت بقوله . قال مالك : ضمن ما أردت أن يكون رهنا لغروره لك بعدم الحوز .
فرع
قال صاحب المنتقى : إذا وقع ما يبطل الحيازة ، فللمرتهن القيام برد ذلك . قال أشهب : إلا أن يفوت بحبس ، أو عتق ، أو تدبير ، أو غيره ، أو قيام غرماء ، وقال ابن القاسم : إلا في العارية غير المؤجلة ، فليس له الارتجاع إلا أن يعيره على ذلك . أما المؤجلة فله أخذها بعد الأجل كالإجارة . وعن ابن القاسم : تبطل الإجارة إذا علم بها ، وترك الفسخ ، وعند أشهب : لا يشترط القبض على الفور كما لو تركه عند الراهن ثم قام يقبضه ، وعند ابن القاسم : هو حق الراهن ، فإذا رده ، وترك حقه ، فلا رجوع ، ومتى فات بالعتق ، أو حبس ، ونحوه ، أو يحوزه ، والراهن معدم - رد لعدمه ، ولا يرد البيع ، ولا يعجل من ثمنه الدين ، ولا يوضع له الثمن ; لأنه قد رده كما لو باعه قبل حيازة المرتهن .