المظنة الثانية : الملامسة ، قال في الكتاب : ، أو من تحته ، أو قبلة في غير الفم يوجب الوضوء خلافا ح في اشتراطه التجرد ، والتعانق ، والتقاء الفرجين مع الانتشار ، ولمنع مس أحد الزوجين صاحبه للذة من فوق ثوب محمد بن الحسن إيجاب الملامسة مطلقا ، وخلافا ش في عدم اشتراط اللذة مع نقضه أصله بذوات المحارم . لنا : قوله تعالى : ( أو لامستم النساء ) وفي اشتراط اللذة ما في مسلم عائشة رضي الله عنها أنها قالت كنت أنام بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ورجلاي في قبلته ، فإذا سجد غمزني ، فقبضت رجلي ، والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح . عن
وفي الموطأ عائشة رضى الله عنها أنها قالت كنت نائمة إلى جنب النبي [ ص: 226 ] - صلى الله عليه وسلم - ، ففقدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الليل ، فلمسته بيدي فوقعت على أخمص قدميه ، الحديث . عن
تمسك الحنفية بأن هذا حكم تعم به البلوى ، ولم ينقل عنه عليه السلام أنه قال : من لمس زوجته انتقض وضوءه بل نقل عنه عليه السلام أنه ؛ نقله كان يقبل بعض زوجاته ، ولا يتوضأ أبو داود ، عن والترمذي عائشة رضي الله عنها ، وقد قال : الإفضاء ، والتغشي ، والرفث ، والملامسة في كتاب الله تعالى كنايات عن الوطء ، ولأن السبب في الحقيقة إنما هو المذي ، ويمكن الوقوف عليه ، فلا حاجة إلى اعتبار مظنة له . ابن عباس
والجواب عن الأول : أن تمسكهم بعموم البلوى هنا ، وفي مسألة الوضوء من مس الذكر بناء على أن كل ما تعم به البلوى يجب اشتهاره ، وإلا فهو غير مقبول ; لأن ما تعم به البلوى يكثر السؤال فيه فيكثر الجواب عنه فيشتهر ، وهم نقضوا هذه القاعدة بإيجاب ، والدم السائل من الجسد ، وغيرهما ، وقد كان عليه السلام يتلو طول عمره ، ( الوضوء من الحجامة أو لامستم النساء ) وهو مقطوع به متواتر .
وعن الثاني : أن الحديث غير صحيح ؛ طعن فيه الترمذي ، وأبو داود ، وقال : هذه اللفظة لا تحفظ ، وإنما المحفوظ الدارقطني . كان يقبل ، وهو صائم
وعن الثالث : أن قوله مدفوع بقول عائشة ، ، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم أن وابن مسعود . القبلة توجب الوضوء
وعن الرابع : أن مظنة الشيء تعطي حكم ذلك الشيء ، وإن أمكن الوقوف عليه ؛ كالتقاء الختانين مظنة الإنزال أعطي حكمه ، والنوم مظنة الحدث وأعطي حكمه مع إمكان الوقوف عليه ، وعلى رأيهم المباشرة مع التجرد ، وما معه مظنة أيضا .
[ ص: 227 ] ولا فرق عندنا بين أن يكون الملموس عضوا ، أو شعرا من زوجة ، أو أجنبية ، أو محرم ، وبين قليل المباشرة ، وغيرها ، وبين اليد ، والفم ، وسائر الأعضاء إذا وجدت اللذة في جميع ذلك .
فروع ثمانية :
الأول : في الجواهر : القبلة في الفم لا يشترط فيها اللذة لأنها لا تنفك عنها غالبا ، فأقيمت المظنة مقامها ، وإن لم يعلم وجودها كالمشقة في السفر لا نعتبرها مع وجود مظنتها ، وهي المسافة المحدودة لها ، وروي عنه اعتبارها . قال الباجي : وعليه أكثر الأصحاب ، والأول ظاهر الكتاب .
الثاني : إذا وجد الملامس اللذة ، ولم يقصدها ، أو قصدها ، ولم يجدها ، فعليه الوضوء على المنصوص ، أما الأول : فلوجود اللذة ، وهي السبب ، وأما الثاني : قال صاحب الطراز : قال ابن القاسم : لأن القلب التذ لأجل قصده لذلك ، وهذا لا يستقيم ; لأن السبب هو اللذة لا إرادة اللذة ؛ ألا ترى أنه لا وضوء عليه إذا قصد مسها من فوق حائل كثيف . قال اللخمي : هذا يتخرج على رفض الطهارة .
واستقرأ بعض المتأخرين عدم النقض هنا في مسألة الرفض ، وتعقب بالفرق بمقارنة الفعل .
الثالث : قال صاحب الطراز : إذا كان اللمس من وراء حائل خفيف يصل بشرتها إلى بشرته وجب الوضوء خلافا ش لوجود اللذة ، وإن كان كثيفا قال مالك - رحمه الله - في العتبية والمجموعة : لا وضوء عليه ، وقاله ابن القاسم ، ، وسحنون وابن حبيب فيحمل قوله في الكتاب على هذا دفعا للتناقض قال اللخمي : أما إذا ضمها استوى الخفيف ، والكثيف .
الرابع : في الجواهر : الملموس إذا وجد اللذة توضأ خلافا ش في أحد قوليه [ ص: 228 ] لأن الله تعالى إنما خاطب اللامس بقوله : ( أو لامستم النساء ) لاشتراكهما في اللذة فيشتركان في موجبها كالتقاء الختانين ، وإن لم يجد الملموس لذة فلا وضوء عليه إلا أن يقصد فيكون لامسا في الحكم .
الخامس : قال : لو عليه لعدم السبب الذي هو الملامسة ، وقال نظر فالتذ بمداومة النظر ، ولم ينتشر ذلك منه ، فلا وضوء ابن بكير : يؤثر .
السادس : الإنعاظ . قال صاحب الطراز : قال مالك - رحمه الله - : لا شيء عليه ; لأن العادة فيه غير منضبطة فيهمل بخلاف اللمس ، فإن غالبه المذي . قال اللخمي : قيل : عليه الوضوء ; لأن غالبه المذي ، وأرى أن يحمل على عادته ، فإن اختلفت عادته توضأ أيضا ، وإن أنعظ في الصلاة ، وعادته عدم المذي مضى عليها ، وإلا قطع إلا أن يكون ذلك الإنعاظ ليس بالبين ، فإن كان شأنه المذي بعد زوال الإنعاظ ، وأمن ذلك في الصلاة أتمها ، فإن تبين أن ذلك كان قبل قضى الصلاة ، وإن أشكل عليه جرى على الخلاف .
السابع : قال صاحب الطراز : يجب الوضوء من مس ظفر الزوج ، والسن ، والشعر إذا التذ خلافا ش ، ولم يره مالك في العتبية في الشعر .
والعجب من - رحمه الله - أنه نقض الوضوء بمس أذن الميتة ، ولم ينقضه بمس أظفار أنامل الحية مع قوله إن شعر الميتة نجس ، وإن لم يكن حيا ; لأن كل متصل بالحية ، فهو على حكمها ، فما باله هنا لا يكون على حكمها لا سيما وهو لا يراعي اللذة ، وقد اتفقنا على أنه إذا قال : إن مسست امرأتي ، فهي طالق ، أو عبدي ، فهو حر ، فمس ظفرهما طلقت ، وعتق العبد . الشافعي
قاعدة أصولية يتخرج عليها فروع هذا الباب ، وغيره .
وهي : أن الشرع إذا نصب سببا لحكم لأجل حكمة اشتمل عليها ذلك السبب هل يجوز التعليل بتلك الحكمة لأنها سبب جعل السبب سببا ، والأصل متقدم على الفرع أو لا يجوز ذلك ، وهو الصحيح عند العلماء ; لأن حكمة جعل السرقة سبب القطع صون الأموال ، وحكمة جعل الإحصان مع الزنا سبب الرجم [ ص: 229 ] صون الأنساب ، وحكمة جعل المسافة المعينة في السفر سبب القصر المشقة ، ونظائر ذلك كثيرة جدا مع انعقاد الإجماع على منع ترتيب أحكام هذه الأسباب بدونها ، وإن وجدت الحكم ، فكذلك هنا جعل الله تعالى اللمس سببا للوضوء لاشتماله على اللذة ، فهل يجوز اتباع اللذة على الإطلاق كما في التذكر ، والإنعاظ أو لا يراعى ذلك على الإطلاق حتى لا يوجب الوضوء من وراء حائل ، وإن رق ، أو يتوسط بين الرتبتين ، وهو ظاهر المذهب .
تمهيد : يظهر منه مذهب مالك - رحمه الله - على الشافعية ، والحنفية .
أما الحنفية : فلأن الله تعالى عطف الملامسة على المجيء من الغائط ، والذي يفعل في الغائط لا يوجب غسلا ، فتحمل على ما لا يوجب غسلا تسوية بين المعطوف والمعطوف عليه ، ولأن الله تعالى قال : ( وإن كنتم جنبا فاطهروا ) فلو كان المراد بالملامسة الجماع لزم التكرار ، ويؤكد ذلك ما قاله صاحب الصحاح : إن اللمس اللمس باليد يقال : لمسه يلمسه بضم الميم في المضارع وبكسرها .
وأما الشافعية ، فلأن أئمة اللغة قالوا : اللمس الطلب ، ومن ذلك قوله عليه السلام ( ) . التمس ، ولو خاتما من حديد
وقوله تعالى حكاية عن الجان : ( وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا ) أي طلبناها .
ولما كانت النساء تلمس طلبا للذة قال الله تعالى : ( أو لامستم النساء ) ، والأصل في الاستعمال الحقيقة فيكون هذا نصا على إبطال مذهب الشافعية ، والحنفية ، وعلى اشتراط اللذة ، والطلب .