السبب الرابع : الانتفاع بالوديعة
وفي الكتاب : إذا لم يضمن إلا ما استهلك أولا ; لأنه الذي طرأ عليه العدوان ولو رده لم يضمنه ويصدق في رده ، كما يصدق في ردها إليك ، وكذلك لو تسلف جميعه ثم رد مثله مكانه ، وكذلك لو أخذه على غير وجه السلف لم يضمن إن هلك بعد ذلك بخلاف إبلاء الثوب ويرد مثله للزوم القيمة له بالاستهلاك ، وفي التنبيهات : لم يبين غير السلف أهو عدوان أم لا ، وظاهره أن الكل سواء ; لأنه لزوم ذمته فأخرجه عن ذمته للأمانة كما كانت قبل ، وقيل : لعل معناها إذا لم يعلم قصد التعدي ، ولو علم قصد الأخذ بنية الرد لضمن على كل حال ، ولو ردها بنية لخروجه عن الأمانة للغصب بالتعدي ، وقال ( ش ) : متى حل خيط الخريطة أو فتح الصندوق التي [ ص: 171 ] أودعته فيه ضمن لهتكه حرز الوديعة من غير عدل ، ووافقه استهلك بعض المثلي ثم هلكت بقيته وضمنه ( ح ) الخيط دون المربوط ; لأنه تعدى عليه دون ما في الكيس أو الصندوق ، وعند الأئمة : إذا كانت الدراهم غير مربوطة ضمن المأخوذ دون الباقي ، ولا يضمن بنية العدوان عند الأئمة لقوله صلى الله عليه وسلم : ابن حنبل . ضمنه إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تتكلم شريح قياسا على نية الملتقط التملك ، وجوابه أن الملتقط إن نوى ابتدأت ضمن لتعديه بالفعل الحرام مع النية ، أو انتهاء لم يضمن كمسألتنا ، ولا يبرأ برد ما ضمنه إلى الوديعة عند الأئمة في المثليات ، و يضمن الجميع عندهم إذ لم يتميز المردود عما بقي من الوديعة ; لأن المردود ماله ، ، وإذا رد الدابة بعد الركوب أو الثوب بعد اللبس برئ من الضمان عند الأئمة ، قال وخلط الوديعة بما لا يتميز يوجب الضمان : روي عن الطرطوشي مالك : يبرأ ، كانت الوديعة منشورة أو مصرورة ، وعنده لا يبرأ مطلقا ; لأنه دين ثبت في ذمته ، وبه أخذ المدنيون ، والروايتان في المثلي لا في القيمي فلا يبرأ إذا أراد صفقته قولا واحدا ، أما إذا رد الدابة بعينها بعد التعدي بالركوب . خيرك مالك بين تضمينه قيمته أو كراءها ، فإن أخذت الكراء فهي في ضمانك ، أو القيمة ففي ضمانه ، وضمنه القاضي أبو الحسن بالاستعمال ولم يسقط الضمان بالرد ; لأنه صار غاصبا ، والغاصب لا يبرأ بالرد إلا للمالك أو وكيله أو الحاكم إن غاب المالك ، وإذا قلنا : يبرأ برد مال مثلي فهو يصدق في الرد ، قال مالك : لا يبرأ إلا ببينة ، وعن ابن القاسم : يبرأ بغير بينة ، ويصدق استصحابا للأمانة ، وفي الموازية : إن تسلفها ببينة لا يبرأ إلا ببينة ، وإلا صدق ، وإذا قلنا : يقبل قوله : ظاهر المدونة : لا يمين عليه ، وقال أشهب : يحلف ، وكل هذا إذا تسلفها بغير إذن صاحبها ، أما إذا قال له تسلف منها إن شئت ، قال : لا يبرأ إلا بالرد إليك كسائر الديون ، وإذا تلف الباقي قبل رد المتسلف : [ ص: 172 ] ففي الموازية : لا يضمنه لبقائه على الأمانة ، وأما نفس الإقدام على التسلف ففي المدونة : يكره ، وعن ابن شعبان مالك : إن كان له وفاء وأشهد على ذلك لا بأس به ، وعند المنع هذا في الدنانير والدراهم التي لا تتعين ، وأما غير المثلي قال : فلا شبهة في المنع ، والمثلي كالمكيل الموزون والمعدود ، قال : فلا ( كذا ) ظهر عندي تحريمهما ، وعلى القول ببراءته برد مثل ذلك يباح ، وفي الجواهر قال عبد الملك : إن كانت الوديعة مربوطة أو مختومة لا يبرأ بردها ، وإن تلف بعضها ضمن جميعها لتعديه في حلها ، وكذلك لو أخذ الدراهم ليصرفها في حاجته ضمن ، والمكيل والموزون الذي يكثر الاختلاف فيه كالطعام هل يلحق النقدين فيكره تسلفه على المشهور ، أو بالعروض التي يحرم تسلفها قولان ، ولو كان معدما حرم السلف مطلقا .