احتجوا بالقياس على الجحود ; لأن الأمانة خصلة واحدة لا تتبعض ، فإذا خان فقد بطلت ، وإذا تجدد ما يضاد جملة مقتضى العقد انفسخ كما ينفسخ [ ص: 173 ] النكاح بالرضاع والردة ، ولأنه عقد يبطل بالقول فيبطل بالفعل كالإيمان بالتصريح بالشرك وبالسجود للصنم ، وكذلك الصلاة تبطل بالكلام والحدث ، وعقد الذمة يبطل بالتصريح بنقض العهد ومحاربة المسلمين مع العدو ، ويوضحه أن عقد الوديعة على المكلف كعقد الذمة ، والأفعال في دفع العقود أعم من الأقوال لبطلان الصوم بالفعل دون القول ; لأنه محسوس لا مرد له ، وكذلك يترتب أثر الفعل من غير المكلف دون القول ، كأفعال المجنون والسفيه وتملكه بالاحتطاب والاصطياد دون البيع والعقود القولية ، بل يشترط لها التكليف ونفوذ التصرف بالرشد فلا ينفذ عتق السفيه ، والصوم لا يعود بعد الأكل ، فكذلك الأمانة لا تعود بعد الخيانة ، ولأن الأمانة وإن أطلقت فهي مقيدة بالعادية بشرط البقاء على الأمانة ، كما تتقيد الوكالة على شراء الثلج والقمح بالشتاء بتلك الآن منه ، ( كذا ) والإجارة المطلقة تتقيد بالمراحل المعلومة ، ولأنه عقد جائز مقيد لمحل مخصوص ، فيرتفع بالمخالفة كالعارية إذا تجاوز المستعير الغاية بشيء كشيء ( كذا ) فإن مالكا قال : يضمن ولو ردها بحالها .
والجواب عن الأول : أن الجاحد إن فقد أنكر أصل الأمر فيضمن ، وإن جحد أصل الإيداع بأن قال : ما أودعتني شيئا عاد أمينا ; لأنه اعترف به وادعى زواله فلم يرتفع ، كما لو ادعى عليه عشرة من بيع ، فقال : ما بايعتك قط ، فلما قامت البينة قال : قضيتها ، لم ينفعه ويغرم من غير تحليف خصمه ، ولو قال : ما لك عندي شيء ثم أقر ، وقال : قضيتك صح ، وله توجيه دعواه وتحليف خصمه ، والمودع هاهنا معترف بأصل الإيداع فلا ينتظم القياس . قال : ما لك عندي وديعة ثم أقر