الأدب الثالث عشر : ، قال أرزاقه وأرزاق أعوانه ابن يونس : جلس للناس احتسابا وقال : لو أعطيت جميع بيت المال لأخرته من غير تحريم ، وأخذ لأعوانه وكاتبه ، وكل من استعدى أعطاه طابعا ، فإذا جاء بخصمه رد الطابع وفي الكتاب : أكره إجارة قسام القاضي ، فإن وقع ذلك كان على عدد الرءوس لا على [ ص: 78 ] الأنصباء ، إذا لم يشترطوا بينهم شيئا ، قال سحنون ابن يونس : ليس بحرام بل يكره ; لأن خارجة وزيدا كانا يقسمان بغير أجر ، وفي النوادر من الواضحة : حق على الإمام أن يوسع على القاضي في رزقه ، ويجعل له قومة يقومون بأمره ، ويدفعون عنه الناس ، وأثمان الرقوق والسجلات ، ولا ينبغي أن يأخذ رزقه إلا من الخمس أو الجزية أو عشور أهل الذمة إن جبيت بغير ظلم ، ولا يرزق من الزكاة ، لأنه ليس من أصنافها ، وإن ولي فقير أغني ووفي عنه دينه ، ويكفى جميع ما يحتاج إليه ، قال : وله تكليف الطالب صحيفة يكتب فيها حجته وشهادته ، قال سحنون مالك : لا بأس بأرزاق القضاة من بيت المال ، وكذلك العمال إن عملوا على حق ، قال أشهب : فرزق كل واحد على قدر نفعه وقوته على العمل ، أما إذا كان المال يوضع في غير وجهه ، فتكره أرزاقهم ، قال ابن القاسم : وقاسم الغنائم كقسام القاضي ، وإنما كره مالك لقسام القاضي ، لأنها تؤخذ من مال اليتامى ومن أموال الناس ، ولا بأس من بيت المال ، وكذلك من يبعث في أمور الخصومات ، لا يجعل له على الناس شيء ، وقاله مالك ، لأن الأخذ من أموال الناس سبب الحيف على بعضهم ، فيكون من بيت المال ، قال ابن القاسم : فلو أجر قوم لأنفسهم قاسما لم أر به بأسا ، كما قال مالك في الوثيقة . قال : فإن لم يرزق القاسم من بيت المال أجر نفسه ، وقال سحنون عبد الملك : إن استوجب قاسم الغنيمة جاز ، وإذا بعث القاسم ليقسم بين قوم فيهم صغير أو غائب : قال أصبغ : لا يشهد في ذلك حتى يرفعه للحاكم ، فإن رآه صوابا أمضاه لأن حق الصغير والغائب وكيل يقوم مقامه ، قالابن القاسم : ولا يكره القاضي الناس على قسم قسامة خاصة ، وكان عمر ( يقول ) : أغنوهم بالمعاملة عن الخيانة ، وأجرى للقاضي دفع مائة دينار في السنة ، وكان يوسع على عماله ، ويقول : ذلك لهم قليل إذا أقاموا كتاب الله وعدلوا ، وعند ( ش ) : من تعين عليه القضاء وعنده كفايته وكفاية من تلزمه كفايته ، لم يجز أن يأخذ عليه رزقا ؛ لأنه فرض تعين عليه ، وإن لم تكن له كفاية جاز له الرزق [ ص: 79 ] من بيت المال ، لأن القضاء لا يترك له الكسب ، فلا بد أن يعرض عن الكسب ، وإن لم يتعين عليه القضاء ووجد الإمام من يتطوع به من أهل الولاية ، لم يجز أن يولي من يطلب عليه رزقا ، لأن بيت المال للمصالح ولا مصلحة في الدفع إليه مع وجود المتبرع ، فإن عدم المتبرع وللمولى كفايته كره أن يأخذ عليه رزقا ، لأنه قربة وتحرم الإجارة على القضاء كأنه عمل غير معلوم ، وعند عمر بن عبد العزيز : يجوز أخذ الرزق لمن تعين ولم يتعين مطلقا مع إكراهه ذلك مطلقا ، واتفقت الأئمة والأمة - فيما علمت - على تحريم الإجارة ، وأصل الأرزاق : ابن شعبان عتاب بن أسيد أربعين أوقية في السنة . رواه أن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ أرزق ولم يبين : ذهبا ولا فضة ، وقوله تعالى : ( الزهري والعاملين عليها ) ) التوبة : 60 ) فيقاس عليها جميع المصالح .
قاعدة : لا يجتمع العوض والمعوض لشخص واحد ، لئلا تبطل حكمة المعاوضة ، وكذلك امتنع أخذ السابق في حلبة الخيل أو الرماة الرهن لئلا يكون المنتفع هو الآخذ ، واشترط المحلل ، وامتنع أخذ الأجرة في الصلاة ؛ لأن ثوابها للإمام ، وكذلك للقاضي أجر حكمه له فهو يعمل لنفسه .
تمهيد : الأعمال ثلاثة أقسام . أجمع على جواز الإجارة فيه : كالخياطة ، وقسم أجمع فيه على المنع : كالإيمان والصيام ، وقسم مختلف فيه ، كالحج والإمامة والأذان بوجوب شائبتين : حصول النفع للنافع [ . . . ] بالثواب والمستأجر بالملازمة في المكان المخصص ونحو ذلك وقد يتوهم هذا في القضاء لكن عرض أمر عظيم وهو أن منصب القضاء منصب النبوة ) فلا يجوز ) أن يقابل بالعوض ؛ [ ص: 80 ] لأنه هوان ، ولأن المستأجر مستحق للمنافع ، فهو نوع من السلطنة تهين منصبه ، وتخل بهيبته فتختل المصالح ، وبه يفرق بينه وبين القسام وغيرهم ، لأن مناصبهم قليلة العظم والخطر بالنسبة إلى القضاء ، فتعد المفسدة فيهم بخلاف القاضي ، وأما الأرزاق فهو يعطى للقاضي والفقراء والضعفاء بسبب واحد ، وهو سد الخلة ، لا للمعاوضة ، فكما أنه في حق الفقير ليس معاوضة ، فكذلك القاضي لا يلاحظ فيه إلا أنه محتاج لذلك فيعطاه ، لا أنه لو حد خدمته شيء ، ويعاوض عليه كالفقير سواء ، فلذلك جاز اتفاقا . ومنعت الإجارة اتفاقا ، فاعلم هذه الفروق وتدبرها ، فإنها مدارك جليلة .