الفصل السابع 
في الأحكام التابعة للتيمم 
وفيه فروع عشرة : 
الفرع الأول : قال في الكتاب : الآيس من الماء لا يعيد خلافا   لطاوس  ؛ لما في  أبي داود  قال : خرج رجلان لسفر ، فحضرت الصلاة ، وليس معهما ماء ، فتيمما وصليا ، ثم وجدا الماء في الوقت ، فأعاد أحدهما الوضوء ، والصلاة ، ولم يعد الآخر  ، ثم أتيا النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرا ذلك له ، فقال للذي لم يعد : أصبت السنة ، وأجزأتك صلاتك ، وقال للآخر : لك الأجر مرتين   . وقياسا على الجبيرة ، والقصر للصلاة في السفر ، فإذا زالت أعذارهم لا يعيدون ، فكذلك ها هنا . 
الثاني : قال في الكتاب : إذا طلع عليه رجل معه ماء ، وهو في الصلاة لا يقطع ، وفرق بينه وبين من نسي الماء في رحله ، وقال  أبو حنيفة     : يقطع إلا أن يجده قبل السلام . قال صاحب الطراز : وقال بعض أصحابنا : يقطع . 
لنا : أنه مأذون له في الدخول في الصلاة بالتيمم ، والأصل بقاء ذلك   [ ص: 364 ] الإذن ، ولقوله تعالى : ( ولا تبطلوا أعمالكم    ) والعمل كان معصوما قبل طريان الماء ، والأصل بقاؤه . 
حجة الحنفية أن الأصل إيقاع الصلاة بالوضوء مع القدرة ، وقد قدر فيجب ، ولأن كل ما أبطل الطهارة خارج الصلاة أبطلها داخل الصلاة . 
جوابه : أن ذلك ينتقض بصلاة الجنازة ، والعيدين ، وسؤر الحمار ، فإنهم لا يقولون ببطلانها . 
نقوض ستة : 
يحتج الخصم بالقياس على الأمة تعتق في الصلاة مكشوفة الرأس ، والعريان يجد ثوبا في الصلاة ، والمسافر ينوي الإقامة في أثنائها ، وناسي الماء في رحله ، والوالي يقدم على وال آخر في إتيان الجمعة ، وذكر الصلاة في صلاة ، والفرق بين صورة النزاع وبين الأولى والثانية أنهما دخلا بغير بدل ، وهاهنا ببدل ، وهو التيمم مع أن  ابن يونس  قال : إذا عتقت الأمة بعد ركعة ، وهي مكشوفة الرأس  قال  أشهب     : تتمادى ، ولا تعيد في وقت ولا غيره كالمتيمم ، وقال  ابن القاسم     : إن لم تجد من يناولها خمارا ، ولا وصلت إليه ، فلا تعيد ، وإن قدرت أعادت في الوقت ، وبين الثالثة أن الإبطال وجد من جهته وفعله بكونه قصد الإقامة ، والقصر رخصة في السفر ، وبين الرابعة أنه منسوب للتفريط لنسيانه ، وبين الخامسة أن استنابة الثاني عن الأول كالوكيل ، وأما التيمم ، فهو بدل عن الوضوء ، والأصل بقاؤه على ذلك ، ولو أبقينا الأول لتركنا الاحتياط للناس كافة في جمعهم ، وبين السادسة أن نسيان الصلاة كان من قبله ، فهو مفرط ، ولأن الشرع قد جعل الوقت للمنسية لقوله عليه السلام : ( فإن ذلك وقت لها   ) الحديث ، فتكون الحاضرة حينئذ في غير وقتها ، ومن صلى قبل الوقت أعاد أما المتيمم ، فصلاها في وقتها بشروطها ، فتجزئه . 
 [ ص: 365 ] الثالث : قال صاحب الإشراف : إذا وجده قبل الشروع لا يبطل تيممه إذا خشي فوات الوقت ، وإن لم يخش ، فالعلماء على بطلان تيممه إلا  أبا سلمة     . 
لنا : أن الله تعالى اشترط عدم وجود الماء ، وهو واجد . 
الرابع : قال في الكتاب : إذا وجد الجنب الماء بعد التيمم والصلاة وخروج الوقت  ، اغتسل للمستقبل وصلاته تامة . قال صاحب الطراز : إلا أن يكون على بدنه نجاسة فيعيد ما صلى في الوقت الذي وجد فيه الماء . 
لنا : ما في  أبي داود  ،   والترمذي  أنه عليه الصلاة والسلام قال  لأبي ذر     : ( الصعيد طهور المسلم ، ولو لم يجد الماء عشر سنين ، فإذا وجد الماء فليمسسه بشرته   ) وحكى صاحب الاستذكار فيه الإجماع . 
وهذه المسألة هي التي اعتمد عليها الأصحاب وغيرهم في أن التيمم لا يرفع الحدث ، وهو من الأمور المشكلة ، وقد آن أن نكشف عنه ، فنقول : كيف يستقيم قولنا التيمم لا يرفع الحدث مع أن الحدث له معنيان : أحدهما الأسباب الموجبة كالريح للوضوء ، والوطء للغسل مثلا ، والثاني : المنع الشرعي من الإقدام على العبادة حتى نتطهر ، وهذا هو الذي قصده الفقهاء بقولهم : ينوي المتطهر رفع الحدث ، فإن رفع الأسباب محال . 
فإن كان المراد بأن التيمم لا يرفع الحدث الأول فكذلك الوضوء ، وإن كان المراد الثاني فقد ارتفع بالضرورة ، فإن الإباحة ثابتة إجماعا ، ومع الإباحة لا منع ، فهذا بيان ضروري لا محيص عنه . 
وأما ما يتمسك به من قوله عليه السلام   لعمرو بن العاص     : ( صليت بأصحابك ، وأنت جنب   ! ) ، وكان متيمما ، ومن إيجاب الغسل على الجنب إذا وجب الماء ، ومن عدم استباحة الصلوات ، - فتخيلات لا تحقيق لها . 
أما الأول : فمحمول على الاستفهام ليتبين ما عند   عمرو بن العاص  من الفقه   [ ص: 366 ] لا على الخبر ، والكلام محتمل للأمرين فيتعين حمله على ما نقول على وفق الدليل الضروري الذي ذكرناه . 
وأما وجوب الغسل على الجنب ، فإن الماء فيه من المناسبة للتقرب ما ليس في التراب ، فوجب استعماله عند وجوده لمناسبته لمعنى التقرب لا أن الحدث باق . 
وأما عدم الجمع بين صلوات ، فذلك هو الأصل فيه ، وفي الوضوء ; لأن الله تعالى يقول : ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا    ) إلى قوله تعالى : ( فتيمموا ) ، والشروط اللغوية أسباب ، والأصل ترتيب المسببات على الأسباب ، وكذلك كان  علي  رضي الله عنه يرى ألا يجمع بين فرضين بوضوء واحد ، ولم يقل أحد إن الوضوء لا يرفع الحدث ، فكذلك التيمم . 
وأما وجوب استعمال الماء إذا وجده قبل الصلاة  ، فلما تقدم من مناسبته للنظافة وأصالته ، لا لبقاء الحدث . 
وقد اشتد نكير صاحب القبس ، وإنه لمعذور قال : رفع التيمم للحدث هو الذي يفهم من قول  مالك  ، فإن الموطأ كتابه الذي كان يعنى به ، ويقرأ عليه طول عمره حتى لقي الله ، وهو القائل فيه يؤم المتيمم المتوضئين ; لأن المتيمم قد أطاع الله ، وليس الذي وجد الماء بأطهر منه ، ولا أتم صلاة ، وقال  ابن نافع     : رفع الحدث بالتيمم مغي بطريان الماء كما أن رفعه بالوضوء مغي بطريان الحدث . 
وكذلك اشتد تعجب  المازري  من هذه المسألة ، وقال : لعل الخلاف في اللفظ ، واستدل على رفع التيمم للحدث بقوله تعالى : ( ولكن يريد ليطهركم    ) وبقوله عليه السلام : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا   . 
وحكى فيه روايتان عن  مالك  ،   وابن المسيب  ،   وابن شهاب     . 
 [ ص: 367 ] وعن  أبي سلمة  أنه يرفع الحدثين ، ولا يجب عليه الوضوء إذا وجد الماء بعد التيمم ، وقبل الصلاة ، قال : وفائدة رفع الحدث عند الأصحاب أربعة أحكام : وطء الحائض إذا طهرت به ، ولبس الخفين به ، وعدم وجوب الوضوء إذا وجد الماء بعده ، وإمامة المتيمم المتوضئين  من غير كراهة . زاد   ابن شاس  التيمم قبل الوقت ، فتكون خمسة . 
نظائر خمسة : التيمم ، والمسح على الخفين ، والمسح على الجبيرة ، والمسح على شعر الرأس ، والغسل على الأظفار ، وفي الجميع قولان للعلماء ، والمذهب في الثلاثة الأول عدم الرفع . 
الخامس : قال في الكتاب : يؤم المتيمم المتوضئين ، وإمامة المتوضئ لهم أحب إلي ; لأن التيمم لا يرفع الحدث على أصلنا فيكره لأنها حالة ضرورة كصاحب السلس ، والإجزاء لحديث   عمرو بن العاص  أنه صلى متيمما بالمتوضئين ، وقد تقدم . 
والفرق بين هذه وبين الصلاة خلف من يومئ والقارئ خلف الأمي أن السجود والقراءة من نفس الصلاة ، فالإخلال بهما إخلال في نفس الصلاة ، فالمأموم حينئذ آت بصلاة لا سجود فيها ، ولا قراءة ; لأن الصلاتين واحدة ، وأما الطهارة فلا تبعية فيها ، ولا اختلاط ، وإنما المقصود منها الاستباحة ، وهي حاصلة . 
السادس : قال في الكتاب : إذا نوى بتيممه الصلاة جاهلا للجنابة وصلى  لا يجزئه ، ويعيد أبدا ، وهو قول  أبي حنيفة     . قال صاحب الطراز : وروي عنه الإجزاء ، وهو قول   الشافعي  ، ويعيد في الوقت . 
وجه الأول : قوله عليه الصلاة والسلام : إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى   . وهو لم ينو الجنابة ، فلا ترتفع ، ولأن الذي نواه ليس بمانع للصلاة لاندراج الحدث الأصغر في الأكبر ، فأشبه ما إذا نوى الأكل ، أو الشرب ، ولو سلمنا   [ ص: 368 ] عدم الاندراج ، لكن التيمم للوضوء بدل عن الوضوء ، والوضوء نفسه بعض أعضاء الجنابة ، فلا يجزئ عنها فيكون بدله كذلك بطريق الأولى ، ووجه الإجزاء أن صورة التيمم لهما واحدة ، وموجبه لهما واحد ، وهو عدم الماء فيجزئ كالوضوء للريح عن الوضوء من المس . 
فلو تيمم للجنابة ، ثم تبين عدمها هل يجزئه عن الوضوء قال  ابن القاسم  في العتبية : يجزئه . 
السابع : قال في الكتاب : إذا تيممت الحائض وصلت بعد طهرها لا يطؤها زوجها حتى يكون معهما من الماء ما يغتسلان به جميعا . قال صاحب الطراز : يريد حتى يكون معهما من الماء ما يتطهران به من الحيض ، والجنابة ، وفي كتاب ابن شعبان له وطؤها بالتيمم ، وهو قول   الشافعي     . 
لنا : أن التيمم ليس بطهارة فيقتصر به على الصلاة . 
حجة الجواز أنه طهارة للصلاة فيكون طهارة لغيرها عملا بارتفاع المنع في الصورتين . 
الثامن : قال صاحب الطراز : إذا تيمم رجلان في سفر ، أو نفر يسير ، فقال رجل : وهبت هذا الماء لأحدكما ، وهو يكفي أحدهما    . قال   سحنون     : من أسلمه لصاحبه انتقض تيمم التارك له ، وكذلك إذا قال : هو لأحدكم إلا في العدد الكثير كالجيش ، فلا ينتقض وضوء الباقين ، وإن قل ؛ كأنه رأى أن قوله يوجب التشريك بينهم ، ونصيب كل واحد لا يقع به الكفاية بخلاف قوله هو لأحدكما ، فإنهما لو تقارعا عليه حصل لأحدهما ، فمن أسلمه مع جواز أن يكون له بطل تيممه ، فإذا كان اثنان كان ظن أحدهما لحوزه أقرب من الثلاثة ، وكلما كثر العدد ضعف الظن ، ولو وجدوه في الصحراء بعد تيممهم بمكان لا ينسبون فيه إلى تفريط ، فإن بدر إليه أحدهم ، فتوضأ به قال   سحنون  في العتبية : لا ينتقض تيمم الباقين ، فلو أعطوه لواحد منهم اختيارا قال   سحنون  في العتبية : ينتقض تيممهم أجمعين ، وقال في   [ ص: 369 ] المجموعة : لا ينتقض إلا تيمم المسلم إليه لأنهم قبل حوزه لا يعدون مالكين له ، وإنما ملكه من حازه كالصيد ، ولو سلم ملكهم ، فالذي يصيب كل واحد منهم لا تقع به الكفاية كما لو وهبه لجميعهم قال صاحب البيان : قال  ابن القاسم     : إذا وجد الرجلان في السفر من الماء كفاية أحدهما فيتشاحان عليه يتقاومانه ; لأن المقاومة شراء ، وشراء الماء واجب ، فإن ترك أحدهما المقاومة قبل بلوغه القدر الذي يجب عليه شراؤه به وصلى أعاد الصلاة أبدا ، فلو كانا معدمين كان لهما التيمم جميعا إلا أن يجيبا إلى القرعة ، فمن صار له انتقض تيممه ، وكان عليه قيمة نصيب صاحبه دينا ، ولو كان أحدهما موسرا ، والآخر معسرا كان للموسر الوضوء به ، ويؤدي لشريكه قيمة نصيبه إلا أن يحتاج إلى نصيبه منه فيقسم ، وقال   ابن كنانة     : لا تلزم المقاومة عند  ابن القاسم  إلا أن يتشاحا ، وأما إن تركاها ، وأسلم أحدهما الماء لصاحبه لم ينتقض تيمم الدافع ، قال : وذلك بعيد عندي . 
قاعدة : الموانع الشرعية على ثلاثة أقسام : 
الأول : يمنع ابتداء وانتهاء كالرضاع يمنع النكاح ؛ قبله وطارئا عليه . 
والثاني : يمنع ابتداء فقط كالاستبراء يمنع النكاح ابتداء ، وإذا طرأ عليه لا يبطله . 
الثالث : مختلف فيه كالإحرام يمنع من وضع اليد على الصيد ابتداء ، وإن طرأ على الصيد اختلف فيه ، وكذلك الماء مع التيمم ، وعلى الفقيه أن ينظر في رد الفروع إلى أقرب الأصول إليها فيعتمد عليه . 
التاسع : قال صاحب الطراز : لو وجد المتيمم ماء ، فتوضأ به وصلى ، أو لم يصل ، ثم علم بنجاسته . قال سحنون : لا ينتقض تيممه قال : ويريد بالنجس غير المتيقن قال : وفيه نظر لعدم اتصال تيممه بصلاته . 
العاشر : قال صاحب البيان : وقال ابن القاسم : إذا أصاب المتيمم بول ، ولا ماء معه مسحه بالتراب ، وأعاد في الوقت لأنه يزيل العين . 
				
						
						
