[ ص: 248 ] النظر في أركانها وأحكامها
النظر الأول : في الأركان ، وهي أربعة : الركن الأول : ، وفيه ستة فروع : الأول : في الجواهر : هي أن تقول : كاتبتك على خمسين في نجم أو نجمين فصاعدا كل نجم كذا ، وإن لم يقبل أن أديت حرة ، قال ( ش ) : لا يجوز إلا على الصيغة ، ولا يجوز نجم ولا الحالة ، لما روي عن نجمين عثمان - رضي الله عنه - أنه غضب على عبده فقال : لا عاقبتك ولا كتابتك على نجمين . فدل على أنه لا يجوز أقل من ذلك ولا يعاقبه بالتضييق به ، وعن علي - رضي الله عنه - أنه قال : الكتابة على نجمين ، والإتيان من الثاني ، ووافقه على منع الحال ، ووافقنا ( ح ) . ابن حنبل
احتجوا : بالأثر السابق ، ولأنه يعجز عن أدائه فينفسخ العقد ويبطل المقصود فيمتنع كالسمك في الماء ، والطير في الهواء بخلاف بيعه من نفسه ، فإنه لا ينفسخ بالعجز ، والجواب عن الأثرين : أما أثر عثمان - رضي الله عنه - فإنه يدل على أن ذلك تضييق على ذلك العبد لقصور قدرته على الحلول ، وأما أثر علي - رضي الله عنه - فهو إنما يدل على نفي الحلول بمفهومه لا بمنطوقه وهو خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له ، وأما التعجيز : فذلك غير لازم في جميع الصور ، فلا تحصل هذه الدعوى من هذا الدليل ، ويؤكد ما قلنا : القياس على البيع وسائر المعاوضات ، وبالقياس على ما أدى قال : أنت حر على مال ، وقال ( ش ) : كاتبتك على كذا ليس صريحا فلا يعتق بالأداء حتى يقول السيد : نويت إن أدى فهو حر ، لدوران : كاتبتك ، بين الكتابة ، ومخارجة العبد ، والكتابة بالقلم ، فلا تنصرف لأحدهما إلا بالنية ، ووافقنا ( ح ) .
والجواب : أنه [ ص: 249 ] مشتهر في العرف في الكتابة المخصوصة فتنصرف إليه من غير نية كالمخالعة تحتمل خلع الثياب وغيرها ، وهي تنصرف لزوال العصمة ، وإن لم يقل : إذا دفعت العوض فأنت طالق .
الثاني : في الجواهر : ، قيل : يعتق في الحال ، والألف في ذمته ; لأن له انتزاع ماله وعتقه ، ولو باعه من نفسه صح وله الولاء ، وكذلك إن دس من اشتراه أو اشترط أن يوالي من شاء ; لأن السيد هو المعتق فله أخذ ماله من غير بيع . أنت حر على ألف
الثالث : في الكتاب : إن وإن لم يؤد نجومه إلى أجل كذا فلا كتابة له ، لم يكن له تعجيزه بما شرطت ، ويعجز السلطان بعد أن يجتهد له في التلوم بعد الأجل فإن رجاه وإلا ، لأنك تتهم في تعجيزه وانقطاعه كذلك ، قال اشترط أنه إن عجز عن نجم رق ابن يونس : قال بعض فقهائنا : إن شرطت عليه إن شرب خمرا أو نحوه فهو مردود للرق ففعل لا يرده في الرق ، بخلاف العتق إلى أجل فيشترط عليه إن أبق فلا حرية له ، والفرق : أن الثاني ضرر عليك .
الرابع : إن بطل الشرط دون الكتابة ، كما لو أعتقها إلى أجل على أن يطأها ، وقال ( ش ) و ( ح ) : الكتابة فاسدة لمناقضته له ، لأن شأن الكتابة حوز النفس . وجوابه : أن ذلك اشترط منفعة من منافعها ، وذلك لا يناقض العقد ، كما لو شرط أن يزوجها من غلامها ويستخدمها ، أو شرطت وطئها مدة الكتابة ; لأنها لا تنفسخ بالغرر كما تنفسخ بالبيع إذا شرط وطئا ، قال شرط : أيما ولدت في كتابتها رق لك ابن يونس : ويكون الولد المشترط تبعا لأمه ، ولا يجوز استثناء ما في بطنها ويبيعها ، وعن مالك في هذا كله : تفسخ الكتابة إلا أن يرضى السيد بإسقاط الشرط ، وقال أشهب : تنفسخ ولو بقي منها درهم إلا أن [ ص: 250 ] يرضى السيد بإسقاط الشرط فإن لم يعلم بها حتى أدى المكاتب تبعها الولد ، وقال محمد : إذا أدى ولو نجما بطل الشرط وصحت الكتابة ، وقيل ذلك يخير السيد بين إبطال الشرط والكتابة ، قال ابن القاسم وأشهب : لو كان الشرط من المكاتب إن مات له زوجته وهي أمة السيد وهو معه في الكتابة فذلك جائز ، فإن باعها السيد أو وهبها ، لم يدخل ما تلد بعد ذلك في الكتابة ، قال محمد : وإن كاتب السيد امرأته على حدث ، سقط شرط الزوج في ولدها المولود بعد كتابتها ، ويعتق الولد مع أولهما عتقا ، ويسعى معهما معونة لهما ، ويرث من مات من أبويه قبل العتق ، وإذا أعتق مع أولهما لم يبق له مع الثاني سعاية ولا موارثة ، وما ولدته بعد إسقاط الشرط ففي كتابتها خاصة .
الخامس : في الكتاب : إن كان كالبيع ، وبالأول لأنها مبنية على المسامحة ، وما ولدت في الخيار دخل في كتابتها إن أمضاها من له الخيار ، وإن كرهت يدخل في البيع ما ولدت المبيعة في الخيار ، وولد المكاتبة في الخيار أبين ، وقال غيره : لا تدخل ; لأنه لم تتم الكتابة إلا بعد الولادة ، وكذلك الولد في البيع للبائع ، ولا ينبغي للمبتاع أن يختار الشراء للتفرقة ، قال كاتبه على خيار أحدكما شهرا أو يوما ابن يونس ، قال أشهب : الولد للسيد ولا يدخل في الكتابة ، وكذلك أرش جنايتها وما وهب لها ، والولد في بيع الخيار للبائع ، ولا ينبغي للمشتري أن يختار البيع للتفرقة ، فإن فعل فإما أن يضم المشتري الولد إلى أمه أو يأخذ البائع الأم فيجمعان في حوز أحدهما ، وإلا نقضت البيع ، قال ابن القاسم : الهبة والصدقة في أيام الخيار للبائع بخلاف الولد ، وهو رجوع لأشهب يرى في الخيار أن العقد يوم وقع الاختيار ، وابن القاسم يرى أن الاختيار مضى للعقد الأول فكأنه لم يزل منعقدا ، والفرق عنده بين الهبة والولد : أن مال العبد للبائع ، فحمل ما طرأ له للبائع ، والولد لم يكن له ، قال ابن القاسم : أرش ما جنى عليهما في أيام الخيار وفي عهدة الثلاث للبائع ; لأنها في ضمانه وعليه نفقتها ، قال اللخمي : يجوز الخيار وإن بعد وهو عند ابن القاسم بخلاف البيع ; لأن الخوف في البيع من بيع معين فتأخر ضمانه على البائع فيزيد في الثمن لمكان [ ص: 251 ] الضمان ، وفي الكتابة : الضمان من السيد قبل الكتابة وبعدها ، وليس للسيد انتزاع ماله في زمن الخيار ، بل الخيار في العقل والمال أربعة : متقدم لا ينزع إلا أن يريد الكتابة أو حدث من خراجه محمل يده فينتن أو حدث من غلة ثالث بحبلته أو عبيده ، فلا ينتزعه ، واختلف في الهبة والصدقة قال : وأراهما للسيد إلا أن يقصد الدافع العون في الكتابة ، وإن لم يمض الكتابة من له الخيار فللواهب والمتصدق رده .
السادس : في المنتقى : إذا ، وأبطل ( ح ) الشرط دون العقد ، وجعل له السفر ، وعندنا : يمنع من سفر بعيد يحل فيه نجم إلا بإذن سيده وهو سوى بين السفرين ، وعند ( ش ) في السفر والشرط قولان . شرط عليه أن لا يسافر صح العقد والشرط
لنا : قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ) والعبد لا يسافر إلا بإذن سيده ، والتقوى قبل الكتابة على ذلك ، والأصل : بقاؤه ، ولأن السفر غرر وخطر وربما أتلف أمواله فيه أو حلت الكتابة له . احتجوا : بأنه مالك التصرف فيما يتوصل به إلى الأداء ، ومنه السفر ، وجوابه : أن الملك السيد ، والغالب أنه لم يملكه الخطر بشهادة العادة . المكاتب عبد ما بقي عليه شيء
تفريع
إن فإن فعل فله إبطال كتابته ، قال شرط أن لا يسافر ، ولا ينكح ، ولا يخرج من أرضه إلا بإذنه مالك : إبطالها إن فعل ويرفعه للسلطان ، وليس له أن يفعل ذلك إلا بإذنك شرطه عليه أم لا ; لأنه قد يضيع ماله في الصداق وغيره ، وكذلك لو شرطت ولاءه لغيرك بطل الشرط دون العقد ، والرفع للسلطان لينظر : هل لك منعه من ذلك أم لا ؟ لا تنفسخ الكتابة ولا يتزوج مكاتب إلا بإذن سيده ، وقاله ( ش ) ، ولك إجازته وفسخه كالقن والزوجة بعد الدخول بما استحل به ، وهو ربع [ ص: 252 ] دينار ، فإن أديت له ومعه غيره في الكتابة ; قال أشهب : ليس لك إجازة ذلك إلا بإجازة من معه ، إلا أن يكونوا صغارا ، فيفسخ بكل حال .