العاشر : في الكتاب : إن سرق وقتل عمدا ، كفر القتل ، فإن عفا الولي ، قطع ، وإن سرق وقطع يمين رجل ، قطع لسرقة فقط ; لتعذر العفو فيها ، ولا شيء للمقطوع يده ، كما لو ذهبت يد القاطع بأمر سماوي ، أو سرق وقطع يسار رجل ، قطع يمينه للسرقة ، ويساره للقصاص ; لإمكان الجمع ، وللإمام جمع ذلك عليه ، وتفريقه بقدر الخوف عليه ، وكذلك الحد والتعزير . وإن اجتمع حد الله تعالى وحد العباد ، بدئ بحد الله تعالى ; لتعذر العفو فيه ، فإن [ ص: 196 ] عاش حد حد العباد ، وإن مات بطل ذلك ، ويجمع الإمام ذلك عليه أو يفرقه بحسب الخوف عليه . قال اللخمي : إن كانا له ، قدم أكثرهما ، كحد الزنا مع الشرب ، إلا أن يخاف عليه في المائة ، فيحد للخمر ، فإن ضعفت البنية عن الحد الواحد ، ضرب المأمون ، ثم يستكمل وقتا بعد وقت ، فإن فرغ جلد الزنا ، جلد للخمر . وإن كانا للعباد نحو قطع هذا وقذف هذا : اقترعا ، فإن كان يقدر على أحدهما دون الآخر ، أقيم عليه الأدنى من غير قرعة . ويقدم حق الله تعالى ، إلا أن يقدر على حق الآدمي فقط ، فيقام ، وأخر حق الله تعالى لوقت الأمن ، فإن خيف منه دائما بدئ به مفرقا ، ثم حق الآدمي . قال : إذا اجتمع قتل في حرابة أو غيرها ، وقود ، قدم حق الله تعالى . وتظهر فائدة ذلك أنه لا ينتظر في القتل حضور الولي ، وأنه يقتل بالحجارة في الزنا ، وبالسيف في الردة ، وقد يكون قتل الآدمي بالحجارة ، أما لو قطع في السرقة ، ثم قطع يمين رجل فعليه دية اليد ; لأنه يوم قطعها ، لم يكن له يمين ، بخلاف ما تقدم . ومتى اجتمعت الحدود كلها مع القتل ، سقطت بالقتل ، إلا القذف ، فإنه يجلد ، ثم يقتل . وقال ( ش ) و ( ح ) : حق الآدمي مقدم . لنا : أن حق الله تعالى أقوى ; لتعذر العفو ، ولأنه قد يتغلظ ، كالقتل بالحجارة في الزنا . وعلى أصل ( ح ) : لا قصاص إلا بالسيف ، وينكل المرتد ، ويمثل به بخلاف القصاص . واحتجوا بأن حق الآدمي أقوى ; لأن حق الله تعالى يسقط بالشبهة ، وبرجوع المقر ، وبالتوبة قبل القدرة في الحرابة ، ولو كانت عليه زكاة ، وكفارة ، وحج ، قدم دين الآدمي على الحج ، ويرث [ ص: 197 ] الوارث في حقوق الله دون حق الآدمي . وحق الله تعالى يسقط بالعفو من مالكه ، ويظهر ذلك في الدار الآخرة . والجواب : أنا إنما رجحنا بين حقوق وجبت ، أما مع الشبهة فلم يجب شيء . وكذلك الرجوع عن الإقرار ، ثم ما ذكرتموه دليل القوة ; لأنه كلما كثرت شروط الشيء كان أقوى ; لأن الزنا أقوى من الثبوت من القتل ; لاشتراط أربعة عدول ، والنكاح أقوى من البيع ; لاشتراط الولي ، والشهود ، والصداق ، فاشتراط عدم الشبهة . وعدم رجوع المقر دليل القوة ، وأما العفو في الآخرة ، فلا مدخل له ، لأنا إنما تكلمنا في القوة في حال الدنيا ، على أن حقوق العباد قد تسقط بالشبهة ; لأن عمد الخطأ لا قود فيه عندكم وعندنا في إحدى الروايتين ، وقتل الابن لأبيه . وأما الزكاة فالدين يسقطها عن العين ، وهي في المناسبة مقدمة على دين الآدمي . والكفارات لها أبدال إن كان فقيرا يعوضه الصوم . وأما الميراث فمشترك ; لأن الوصية والتدبير لا تمنع ملك الوارث ، مع أنا إذا علمنا أن الزكاة عليه لم يفرط في إخراجها ، قدمت على الميراث ، مثل أن يقدم عليه مال لم تؤد زكاته ، أو يموت صبيحة الفطر . وأما الحج ، فمتعلق بالبدن لا بالمال ، فسقط كما يسقط بعجز البدن في الحياة . الطرطوشي