الجناية السابعة
حد الشرب ، والنظر في الموجب والواجب
النظر الأول : في الموجب : وهو . وقد تقدم في كتاب الأشربة ( أكثر فقها ) ونذكر هاهنا ما يتعلق بالحد . وفيه خمس مسائل : شرب القطرة مما يسكر كثيره اختيارا من مكلف مسلم
الأولى : في الكتاب : من شرب خمرا ، أو نبيذا مسكرا وإن قتل ، سكر أم لا ، حد ثمانين جلدة ، أو ( عصير عنب ، أو زبيب ، أو نبيذ ، أو تمر ، أو تين ، أو حنطة ، أو السكركة ) قيل : أو يجعل خبز في نبيذ يومين ، قال : كرهه شهدت عليه بينة أن به رائحة الخمر مالك في قوله الآخر ، في التنبيهات : [ ص: 201 ] الأسكركة ، بضم الهمزة ، وسكون السين ، وضم الكاف الأولى ، وفتح الثانية ، وبينهما راء ساكنة ، وضبطناه أيضا بالسين المضمومة ; هو شراب الذرة ، والجذيذة ، بجيم مفتوحة ، وذالان معجمان أولهما مكسورة ، بينهما ياء ساكنة ، هو السويق ، والجذاذ : التقطيع ، قال الله تعالى : ( فجعلهم جذاذا ) ، والبسر المذنب الذي أرطب بعضه من جهة ذنبه ; فإن أرطب من جانبه فهو فوكة ، وفي النكت : إن شهد اثنان أن الذي به رائحة خمر ، ( واثنان أنها ليست رائحة ; حد ، كقوله في كتاب السرقة : إذا اختلف المعولون . قال ابن يونس : الأسكركة ) : شراب القمح .
الثانية ، وفي الجواهر : يحد ، قال حديث العهد بالإسلام وإن لم يعلم التحريم مالك وأصحابه : إلا أن ابن وهب قال : في البدوي الذي لم يقرأ الكتاب ويجهل : هذا لا يحد . لنا : أن الإسلام قد فشا فلا يجهل ذلك ، فإن علم التحريم وجهل الحد ، حد اتفاقا ، ولا حد على الحربي ، والذمي ، والمجنون ، والصبي ، ومن حد ، قاله تأول في المسكر من غير الخمر ، ورأى حل قليله القاضي أبو الوليد ; ولعل هذا في غير المجتهد العالم ، أما المجتهد العالم فلا حد إلا أن يسكر ، وقد جالس مالك وغيره من الأئمة ممن يرى شرب النبيذ مباحا فما دعا للحد ، مع تظاهرهم بشربه ، ومناظرتهم عليه . سفيان الثوري
[ ص: 202 ] تمهيد ، قال مالك : أحد الحنفي في قليل من النبيذ ، ولا أقبل شهادته ، وقال ( ش ) : أحده وأقبل شهادته ، أما مالك ; فبنى على أن الفروع قسمان : ، فينقض في أربعة : ما خالف الإجماع أو القواعد ; كالشرحية في الطلاق ، أو القياس الجلي ، أو النص الواضح كالنبيذ ; فإن النصوص متضافرة بأن ما أسكر كثيره فقليله حرام ، والقياس على الخمر جلي ، وما ينقض فيه قضاء القاضي لا يصح التقليد فيه ، ولا يثبت حكما شرعيا ; لأن ما لا نقره إذا تأكد بقضاء القاضي ، لا نقره إذا لم يتأكد ، فلذلك رددنا شهادته ، وأبطلنا التقليد ، وأما ( ش ) : فأثبت التقليد بانتفاء العصيان ، وأقام الحد ، لأن العقوبات لدرء المفاسد لا للمخالفات ; بدليل تأديب الصبيان والبهائم استصلاحا لها من غير عصيان ، ويرد عليه أن ذلك يسلم في غير الحدود من العقوبات ، أما الحدود بعدد فلم نعهده في الشرع إلا في معصية ، ولا يحد المكره ، ولا المضطر لإساغة الغصة ، لأنه مباح حينئذ لإحياء النفس . ما ينقض فيه قضاء القاضي وما لا ينقض
الثالثة ، قال : يحرم ، وأما الدواء الذي فيه خمر تردد فيه علماؤنا ، وقال القاضي أبو بكر : والصحيح : التحريم ; لقوله عليه السلام : ( التداوي بالخمر والنجاسات ) . إنها ليست بدواء ولكنها داء
الرابعة : قال : إن لم يحد ، وإن سكر ، كما لو وطئ أجنبية يظنها امرأته ; لا يحد . ظنه غير مسكر شرابا آخر
الخامسة ، قال : لا يحد حتى يثبت الموجب عند الحاكم ممن كان شربها حال كفره أو فسقه ، ثم انتقل للعدالة ، وقد يعرف الشيء إذا الرائحة كالزيت والبان وغيرهما [ ص: 203 ] ولولا ذلك لم يحد سكران ; إذ لعله سكران من علة ، وقد حكم به بشهادة رجلين ، أو إقرار ، أو شهد بالرائحة من يتيقنها عمر رضي الله عنه ، وقبل فيه شهادة العدول ، وهو قول عائشة ، ويكفي في الشهادة أن يقول : شرب مسكرا ، قال وابن مسعود ابن يونس : ولا بد في من شاهدين ، ولا يكفي الواحد إلا أن يقيمه الحاكم فيصير كالترجمان ، وغيره يقبل وحده ، قاله الشهادة على الرائحة أصبغ ، وفي النوادر : وإن أشكلت الرائحة على الإمام وهو حسن الحال ; تركه ، ( أو سيء الحال استقرأه ما لا يغلط في مثله مما يصلى به من المفصل ، فإن اعتدلت قراءته ; تركه ) وإلا حده ، وإن شك في ذلك وهو من أهل التهم ; حد فيه للتهمة ، وعن مالك : إن شك في الرائحة أهو مسكر أو غيره ؟ أو أخذ على مشربه ولم يسكر ، ولم يعرف ما ينبذهم وهو معتاد لذلك ; ضرب سبعين ونحوها ، وإن لم يكن معتادا بخمسين ونحوها ، عبدا كان أو حرا ; لأنه تغرير ، ويعاقب من حضر الشارب وإن قال : أنا صائم ، قال ابن القاسم : ويختبر الإمام السكران بالرائحة وغيرها ; لأنه حد انتهى إليه ، قال أصبغ : إن ظهرت أمارات السكر وإلا لم يتجسس عليه ، وإن شهد عليه بغير الخمر حده ، وفعله عمر رضي الله عنه ، وقالته عائشة وغيرها ; لأن الأصل : عدم الإكراه ، قال ابن القاسم : إن شهد أحدهما أنه شرب خمرا ، والآخر أنه شرب نبيذا مسكرا ; حد لاجتماعهما على أصل السبب ، فإن شهدت البينة فحلف بالطلاق : [ ص: 204 ] ما شرب ، حد ولا يطلق عليه ، وخالفه الأئمة في الرائحة فلم يحدوا بتحققها ; لأنه قد يتمضمض بالخمر للدواء ويطرحها ، أو يظنها غير خمر ، فلما حصلت في فيه طرحها ، أو كان مكرها ، أو أكل نبقا بالغا ، أو شرب شراب التفاح ; فإن رائحته تشبه رائحة الخمر ، وإذا احتمل فالحد يدرأ بالشبهة ، والجواب : أن الأصل : عدم الإكراه ، وإن الشرب أكثر من المضمضة وغيرها ، والكلام حيث تيقنا أنه ريح خمر ، لا تفاح ولا نبق .