الطريق الثالث : القسامة    : مصدر أقسم ، معناه : حلف حلفا ، والمراد هاهنا : الأيمان المذكورة في دعوى القتل ، وقيل : هي الأيمان إذا كثرت على وجه المبالغة ، وأهل اللغة يقولون : إنها القوم الحالفون ; سموا بالمصدر ، نحو   [ ص: 288 ] رجل عدل ورضا ، قال  ابن يونس     : كانت في الجاهلية فأقرها الشرع ، وأصلها : الكتاب والسنة ، وإجماع الأئمة ، أما الكتاب : فقوله تعالى : ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا    ) ووكل تعالى بيان هذا السلطان للنبي صلى الله عليه وسلم فبينه بالقسامة ، وأما السنة : فما في الصحيح : ( أن  عبد الله بن إسماعيل  ومحيصة  خرجا إلى خيبر  من جهد أصابهم ، فأتى  محيصة  فأخبر أن  عبد الله بن إسماعيل  قد قتل وطرح في فقير بئر ، فأتى يهود  فقال : أنتم والله قتلتموه ، قالوا : والله ما قتلناه ، فأقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك ، ثم أقبل هو وأخوه  حويصة  وهو أكبر منه  وعبد الرحمن  ، فذهب  محيصة  ليتكلم وهو الذي كان بخيبر  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كبر ، كبر ، يريد : السن ، فتكلم  حويصة  ، ثم تكلم  محيصة  ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إما أن تدوا صاحبكم ، وإما أن تأذنوا بحرب من الله ، فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فكتبوا إنا والله ما قتلناه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  لحويصة  ومحيصة  وعبد الرحمن     : أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم ؟ فقالوا : لا ، فقال : فليحلف لكم يهود    . قالوا ليسوا بمسلمين ، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده ، فبعث إليهم بمائة ناقة حتى أدخلت إليهم الدار ، قال  سهل     : لقد ركضتني   . 
فوائد ، في المنتقى : الفقير حفير يتخذ في السرب الذي يصنع للماء تحت الأرض يحمل فيه الماء من موضع إلى غيره ، ويعمل عليه أفواه كأفواه الآبار بمناقش على الشرب ، فتلك الآبار واحدها فقير ، وقوله : كبر : تقديم السن إما لأنه ساواهم في   [ ص: 289 ] غير السن ورجح عليهم به ، أو لأن ما عداه مظنون ، وفضيلة السن معلومة ، وقوله عليه السلام : ( إما أن تدوا صاحبكم   ) يحتمل إعطاء الدية لأنهم لم يدعوا قتله عمدا ، أو لم يعينوا القاتل ، فلا يلزم القصاص كالقتيل بين الصفين لا يقول : دمي عند فلان ، وقوله عليه السلام : ( تحلفون ) دليل على أنه لا يحلف أقل من اثنين ، وقوله عليه السلام : ( وتستحقون دم صاحبكم   ) يحتمل أنهم أتوا بلوث ، أو يحمل على أن اسم ما يوجب ذلك . وقوله عليه السلام : ( دم صاحبكم   ) يحتمل ما يجب لكم في دم صاحبكم المقتول أو القاتل ، وفي بعض الطرق : قاتلكم فعين الاحتمال ، وما بعث به عليه السلام إليهم إنما هو تفضيل وجبر لمصابهم من بيت المال لما لم يثبت المال لم يثبت لهم شيء ، وقوله : ( ركضتني منها ناقة حمراء   ) ; ليبين قوة ضبطه للحديث بذكر أحواله . 
				
						
						
