الثاني عشر : قال في الجواهر : إن نكس ابتدأ ، وقال صاحب الطراز : إن نسي شيئا منه فإن طال لم يبن ، وإن قرب فلا شيء عليه في القليل ويعيد في الكثير من موضع نسي قاله ابن القاسم وأصبغ ، وقال : يعيد اليسير في القرب . لنا أن ترك الكلمة ونحوها قد لا يعلمها السامع ، وإن علمها علم أنه غلط ، فعودها لا يحصل إعلاما ، وربما لبس على السامع فلا يشرع . فرعان مرتبان : الشافعي
الأول : قال في الكتاب : إن أراد الأذان فأخطأ فأقام أعاد الأذان ، وقال ابن الجلاب : إن أراد الأذان فأقام أو الإقامة فأذن أعاد حتى يكون على نية لفعله [ ص: 53 ] ويستمر عليها ، فيحتمل أن يريد نية التقرب ; لأنه قربة من القربان وقد صرح بذلك الأبهري في شرح مختصر ، واحتج بأنه قربة فتجب فيه النية لقوله عليه السلام : ابن عبد الحكم . وكذلك صاحب تهذيب الطالب ويحتمل أن يريد نية الفعل ، وهي أعم من نية التقرب ; لوجودها في المحرمات ، والمباحات بدون التقرب ، ولذلك يقول بعض الشراح : يعيد حتى يكون على صواب من فعله والأول هو الأظهر من قول الأصحاب ، قال الأعمال بالنيات أبو الطاهر : وقيل إن أراد الأذان فأذن لا يعيد مراعاة للقول بأنها مثنى ، وهذا مما يؤيد عدم اشتراط نية التقرب ; فإنه قد صحح الإقامة ، مع أنه لم يقصد التقرب بها .
الثاني : قال صاحب الطراز : فإن أغمي عليه أو جن في بعضه ، ثم أفاق بنى فيما قرب ، وقاله أشهب في الإقامة ، وقال : يبني في الطول وهو باطل ; لأن الإعادة بعد الطول لبس فلا شرع ، فلو أغمي عليه في الإقامة ، فأراد غيره إتمامها قال الشافعي أشهب : يبتدئها ، وإن بنى أجزأه وسوى بين الإغماء والجنون والموت وسوغ فيه الاستخلاف قياسا على الخطبة والصلاة إذا سبق الإمام الحدث ، ومنعه في الأذان واختلف قوله في الإمام يسبقه الحدث ، وفرق بعض أصحابه بأن المستخلف في الصلاة يأتي بجميعها في الجملة بخلاف الأذان وهو منقوض بالخطبة ، فإن الخليفة يأتي بالبعض . الشافعي
الثالث عشر : ما في الصحاح ، ثم صلوا علي ; فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم اسألوا لي الوسيلة ; فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا [ ص: 54 ] هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول . قال المازري : اختلف في ثلاثة مواضع : إحداها إذا أذن مؤذنون هل يحكيهم لقوله عليه السلام إذا سمعتم المؤذن بالألف واللام ، ولأنه ذكر فيؤمر بتكريره أو يقتصر على المؤذن الأول ; لأن الأمر لا يقتضي التكرار ؟ وثانيها : إذا رجع المؤذن هل يكتفي بالأول لحصول المثلية التي في قوله مثل ما يقول ، ولأن الترجيع إنما هو الإسماع والسامع ليس بمسمع ؟ وهو مذهب مالك ، وقال الداودي : يكرر نظرا لعموم الحديث ، وثالثها : هل يكرر معه آخر الأذان ؟ قولان في المدونة مبنيان على أن الأمر هل يقتضي التكرار أم لا ؟ أو يقال : إن قوله مثل صيغة تشبيه ، ويكفي فيه وجه واحد لغة أو يحمل على أعلى مراتب التشبيه ، والأول هو الحقيقة ، والثاني مجاز ، قال في الكتاب في معنى الحديث : وذلك فيما يقع في قلبي إلى آخر التشهد يعني ; لأنه ثناء على الله تعالى ، وما عداه دعاء للصلاة والسامع ليس بداع إليها ، ويؤيد ما وقع في قلبه - رحمه الله - وأنه الحق ما في مسلم أنه عليه السلام قال : . ولم يذكر زيادة على التمجيد والتوحيد والتشهد . من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ، رضيت بالله ربا ، وبمحمد رسولا ، وبالإسلام دينا ، غفر له ذنبه
تنبيه
قال في المدونة : ولو فعل ذلك رجل لم أر به بأسا ، نقله صاحب التهذيب ، وإن أتم الأذان معه فلا بأس ، ووافقه على ذلك صاحب المنتقى وصاحب [ ص: 55 ] النكت ، وحكي عن ذلك ، وقال صاحب الطراز ، سحنون وعبد الحق في تهذيب الطالب : بل معناه إن فعل الاقتصاد فلا بأس وهو اللائق إذ لا يحسن أن يقال لمن وافق ظاهر اللفظ لا بأس ، وإنما يحسن ذلك إذا خالف الظاهر واقتصر ، وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر : يكمل الأذان معه ويبدل الحيعلتين بالحوقلتين لما في مسلم . أنه عليه السلام قال : إذا قال المؤذن : الله أكبر الله أكبر ، فقال أحدكم : الله أكبر الله أكبر ، وساق الحديث إلى آخر الأذان ، وقال عند حي على الصلاة لا حول ولا قوة إلا بالله وكمل الأذان
فائدة : الحول معناه المحاولة والتحيل ، والقوة معناها القدرة ، ومعنى الكلام لا حيلة لنا ولا قدرة على شيء إلا بقدرة الله تعالى ومشيئته ، فإن كان في الصلاة قال في الكتاب : يحكي في النافلة دون الفريضة ، وفي الجواهر روى أبو مصعب يحكي فيهما ، وجوزه ابن وهب ، واستحسنه ابن حبيب ، ومنع سحنون فيهما فمن نظر إلى قوله في أول الحديث فقولوا من غير تخصيص جوز ، ومن نظر إلى أن الصلاة أفضل العبادات فالعناية بها أولى منع ، ومن نظر إلى تأكد الفريضة منع فيها خاصة ، وجوز في النافلة ، كما اختصت سجود التلاوة والصلاة داخل والشافعي الكعبة ، وعلى الراحلة إلى غير الكعبة ، تفريع : قال صاحب الطراز : إذا قلنا لا يحكيه في الفريضة حكاه بعد فراغها وقاله [ ص: 56 ] وإذا قلنا يحكيه في الفرض والنفل أو في الفرض فقط فلا يتجاوز التشهدين ، فلو قال : حي على الصلاة ، قال الشافعي : لا تبطل صلاته ; لأنه متأول ، وحكى صاحب النكت عن بعض القرويين البطلان ; لأنه متكلم ، قال صاحب الطراز : وهو مقتضى أصل المذهب ; لأن الجهل مثل العمد في الصلاة فإن أبطأ المؤذن جوز في الكتاب أن يقول قبله ، ونقل صاحب المنتقى عنه يقول بعده أحب إلي نظرا إلى ظاهر الحديث ، فإن جواب الشرط لا يكون إلا بعده ، والأول أفقه ; لأن المقصود الذكر وهو حاصل مطلقا . أبو محمد الأصيلي
فرع
قال ابن القاسم في الكتاب : يحكيه إن شاء ، وهذا الفرع أهمله إذا انتهى المؤذن إلى آخر الأذان أبو سعيد فنقله إذا أتم الأذان فلا بأس ، قال صاحب الطراز : وفيه فوائد أحدها : أنه يكتفي بذكر أول الأذان عن آخره ; لأن المقصود غير ذلك الذكر وهو حاصل ، وثانيها : أنه إذا سمع مؤذنا آخر تأول بعضهم من هذا الفرع أنه لا تلزمه حكايته كآخر الأذان ، وقال بعضهم : تلزمه بخلاف آخر الأذان ، قال : والذي يوضح هذا الخلاف أن الفذ يقيم لنفسه ، والجماعة يقيم لها واحد فلو كان تكرار الحكاية لاستحب لكل من في المسجد أن يقيم الصلاة ، إذا أقامها المؤذن بعد أذانه . أغاليط المؤذنين في مواضع من الأذان ، أحدها : الله أكبر يمدون بعد الباء فيصير أكبارا ، والأكبار جمع كبر والكبر : الطبل فيخرج الأذان إلى [ ص: 57 ] معنى الكفر ، وثانيها يمدون في أول أشهد فيخرج إلى حيز الاستفهام ، والمراد أن يكون خبرا إنشائيا ، وكذلك يصنعون في أول الجلالة ، وثالثها الوقوف على لا إله وهو كفر ، وتعطيل فقد شاهدت ذلك في مؤذن الجامع الكبير بالإسكندرية فكان يمد إلى أن يفرغ نفسه هنالك ، ثم يبتدئ إلا الله ، ورابعها لا يدغمون تنوين محمدا في الراء بعده وهو لحن خفي عند القراء ، وخامسها لا ينطقون بالهاء من الصلاة فيخرج الكلام إلى الدعاء إلى صلا النار ، وسادسها لا ينطقون بالحاء من الفلاح فخرج الكلام عن المقصود .
فوائد . اختلف العلماء في " أكبر " هل معناه كبير لاستحالة الشركة بين الله تعالى وغيره في الكبرياء ، وصيغة أفعل إنما تكون مع الشركة أو معناه أكبر من كل شيء ; لأن الملوك وغيرهم في العادة يوصفون بالكبرياء ؟ فجيئت صيغة أفعل بناء على العادة ، وحي معناه الدعاء للشيء ، تقول العرب حي على الثريد أي : اقبل ، وكذلك هلا بمعناه ويجمع بينهما فيقال : حيهلا بالتنوين وبغير تنوين بتسكين اللام وبتحريكها مع الألف ، ويعدى بعلى كما في الأذان وبإلى وبالباء ومنه الحديث بعمر . والفلاح في اللغة الخير الكثير أفلح الرجل إذا أصاب خيرا ، والإله المعبود وليس المراد نفي المعبود كيف كان لوجود المعبودين في الوجود كالأصنام والكواكب ، بل ثم صفة مضمرة تقديرها لا معبود مستحق للعبادة إلا الله ، ومن لم يضمر هذه الصفة لزمه أن يكون تشهده كذبا . إذا ذكر الصالحون فحيهلا