[ ص: 287 ] النوع الحادي عشر : قتل الدواب المؤذية
وفي " الموطأ " ، وفي " الصحاح " : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيات التي في البيوت إلا ذا الطفيتين ، والأبتر ، فإنهما يخطفان البصر ، ويطرحان ما في بطون النساء المدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منها شيئا ، فأذنوه ثلاثة أيام ، فإن بدا لكم بعد ذلك ، فاقتلوه ، فإنه شيطان " ، وفي " المنتقى " ذلك مخصوص بحيات البيوت ، قال إن في مالك وأحب إلي أن يؤخذ بذلك في بيوت المدينة وغيرها ; لأن لفظ البيوت عام ، وقيل : للعهد في بيوت المدينة ، قال ابن نافع : لا تنذر الحيات إلا بالمدينة خاصة .
وذو الطفيتين : ما على ظهره خطان ، والأبتر : الأفعى ، وقال : هو صنف مقطوع الذنب لا تنظر له حامل إلا ألقت ما في بطنها ، فيتحمل أن يقتلن بغير إنذار ، ويخص العموم بهما ، ويحتمل أن مؤمن الجان لا يتصور بصورتهما ، وسرى النهي عن قتل جنان البيوت ، قال النضر بن شميل : الجنان الحيات ; لأنها تسجن في البيوت في الشقوق وغيرها ، وقال نفطويه : هي مسخ الجن كما مسخت عبد الله بن عباس بنو إسرائيل قردة ، قال مالك : لا يعجبني ، فإن أذى النمل في السقف وقدرتم أن تمسكوا عنها فافعلوا ، وإن أضرت ولم تقدروا فواسع ، وكذلك الضفدع ، ففي " قتل النمل ، والدود مسلم " : " ، لقوله صلى الله عليه وسلم : نهى النبي عليه السلام عن قتل النملة ، والنحلة ، والصرد ، وكره قتل القمل ، والبراغيث في النار ، قال لا يعذب بالنار إلا رب النار ابن دينار : ينذر الحيات ثلاثة أيام ، وإن ظهرت في اليوم مرارا ; لأنه ظاهر الحديث ، قال مالك : يجزئ من الإنذار : اخرج بالله عليك ، واليوم الآخر إن تبدو لنا أو تؤذينا ، وقال عليه السلام في الحيات : " " . قال ما سالمناهن منذ عاديناهن ، ومن تركهن خوف شرهن فليس منا أحمد بن صالح : العداوة من حين خرج آدم من الجنة ، قال الله تعالى : ( اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو ) ، وقوله عليه السلام : " [ ص: 288 ] فاقتلوه فإنما هو شيطان " ، يحتمل أن معناه : لا يسلط عليكم بسبب قتله .
وفي " المقدمات " : لا يجوز قتل الحيات بالمدينة إلا بعد الاستيذان ثلاثا إلا ذا الطفيتين ، والأبتر ، ويستحب أن لا تقتل حيات البيوت في غير المدينة إلا بعد الاستيذان ثلاثا من غير إيجاب لاحتمال اللام للعهد بخلاف حيات المدينة ، وأما حيات الصحاري ، والأودية فتقتل من غير خلاف بغير استئذان لبقائها على الأمر بقتلها بقوله عليه السلام : " " . خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم : الحدأة ، والغراب ، والحية ، والفأرة ، والكلب العقور حيث ما وجدت لقوله عليه السلام في " وتقتل الوزغ مسلم " : " " ، وهذه نقص على قاعدة كثرة الأجور بكثرة العمل ; لأن تأخير قتلها للضربة الثانية دليل التهاون فحض على المبادرة بكثرة الأجر في الأولى ، وتقتل الفواسق المتقدم ذكرها ، ولا تقتل الأربعة : النحلة لنفعها وقلة لحمها ، والنملة إلا أن تؤذي وكذلك قتل ما يؤذي من جميع الدواب إلا بالنار ، قال من قتلها من المرة الأولى فله مائة حسنة ، ومن قتلها في المرة الثانية فله سبعون حسنة ابن يونس قال مالك : إنما جاء الاستئذان في المدينة ، وأراه حسنا في غيرها ، وفي " الجواهر " : في إلحاق بيوت غير المدينة ببيوت المدينة في تقديم الاستئذان اختلاف ، واختار القاضي أبو بكر التسوية ، وحيث قلنا بالاستئذان ففي غير ذي الطفيتين ، والأبتر ، ويفعل الاستئذان المشروع في خرجة واحدة ، وقيل : في كل خرجة دفعة ، وقيل : ثلاثة أيام ، واختار القاضي أبو بكر الأول ، وعنه : الثاني هو الصحيح ، وروى ابن حبيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الاستئذان : " أنشدكم العهد الذي أخذه عليكم سليمان عليه السلام أن لا تؤذينا ، أو تظهرن لنا ، وعن مالك : " يا عبد الله ، إن كنت تؤمن بالله ورسوله ، وكنت مسلما فلا تؤذنا ، ولا تسعفنا ، ولا تروعنا ، ولا تبد لنا ، فإنك إن تبد لنا بعد ثلاث قتلناك " ، وعنه : تقول له : اخرج عليك باسم الله أن لا تبدو لنا ، وعنه يخرج ثلاث مرات أن لا تبدو لنا ولا تخرج .
فائدة : جعل الله تعالى ، غير أن الملائكة تقصد الصور الحسنة ، والجان لا ينضبط حالها بل بحسب أخلاقها ، وخساستها ، ونفاستها ، وأي صورة فيها الجن صار لهم في تلك الصورة خواصها ، [ ص: 289 ] ففي الحية يصير السم ، وكذلك الكلب ، وفي الغنم طيب اللحم وعدم الإيذاء ، وفي الحمار الحمل ، وكذلك بقية الصور ، ولا تزال له تلك الصورة ، وخواصها حتى يتحول منها ، فإن بودر لقتله فيها تعذر عليه التحويل ، ومع فرط هذه القدرة تقتلهم أسماء الله تعالى ، ويعجزون عن فتح الباب المغلق ، وكشف الإناء المغطى إلى غير ذلك مما لطف ببني آدم ، ويسري في مجاري جسمه الذي يخرج منها العرق إلى قلبه ; لأنه ألطف من ماء العرق ، بل من مطلق الماء ، فيسعه مجرى الماء بطريق الأولى ، وهو معنى قوله عليه السلام : " للجان والملائكة التحول في أي صورة شاءوا " . الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم
سؤال : إذا صار جبريل عليه السلام في صورة ، أين يذهب بقية جسده ، وله ستمائة جناح ما بين المشرق والمغرب ؟ فإن قلتم : باق ، لزم تداخل الأجسام الكثيرة في الأحياز القليلة ، وإن قلتم : غير باق ، فما هذا دحية الكلبي جبريل بل خلق آخر .
جوابه : جعل لجبريل عليه السلام جواهر أصلية ترد عليها الكثرة وتذهب ، كما جعل للإنسان جواهر أصلية يرد عليها السمن ، والهزال ، والتحلل ، واختلاف الغداء ، فيتبدل جسم الإنسان في عمره مرارا بالتحلل ، والاغتداء ، وجواهره الأصلية التي يشير إليها بقوله : أنا ، باقية من أول عمره إلى آخره ، فكذلك الملك والجان .
فرع
في " البيان " : كره مالك وضع الثوب على النار بخلاف الشمس لما يخشى من حرق الحيوان .