النوع الرابع : حلق الشعر  ، والأصل فيه قوله تعالى : ( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك    ) [ البقرة : 196 ] تقديره : فحلق ففدية ، والمرض : القروح والأذى القمل ، وألحق الفقهاء بالرأس الشارب والإبط والعانة وإزالة سائر الشعث ، وخصصه أهل الظاهر بالرأس . 
لنا : أن إماطة الأذى في العانة والإبط أكثر فيكون مثل قوله تعالى : ( فلا تقل لهما أف    ) [ الإسراء : 23 ] من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى ، والفدية - عندنا -   [ ص: 309 ] متعلقة بإزالة الأذى فيه فما لا إزالة فيه فلا إطعام ، وقال ( ش )   وابن حنبل     : تجب الفدية كاملة بثلاث شعرات ; لأن تقدير الآية : لا تحلقوا شعر رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله ، والشعر جمع ، وأقله ثلاثة ، وقال ( ح ) : يجب في ربع الرأس على أصله في الوضوء ، وجوابهم : أن اسم الجنس إذا أضيف عم كقوله : ما لي صدقة فتكون الفدية مرتبة على حق الجميع أو ما هو في معناه في تحصيل الرفاهية وهو المطلوب . 
( تفريع ) في ( الكتاب ) : إن حلق المحرم رأس حلال  افتدى . قال  ابن القاسم     : بل يتصدق بشيء من طعام ، فإن حلق موضع المحاجم : فإن تيقن عدم قتل الدواب فلا شيء عليه ، ومنع ( ح ) حلق الحرام شعر الحلال ، ولو أمن قتل الدواب بأن يحلق ساقه لقوله تعالى : ( ولا تحلقوا رءوسكم    ) [ البقرة : 196 ] ومعناه : لا يحلق بعضكم رءوس بعض ، وجوزه ( ش ) مطلقا قياسا على شعر البهيمة ، والجواب عن الأول : أن الآية خطاب للمحرمين فلا تتناول محل النزاع ، وعن الثانية : الفرق : بأن الحلق في صورة النزاع يؤدي إلى محظور وهو قتل الدواب فيكون محظورا ، قال  سند     : إذا حلق شعر حلال أو قصه أو نتف إبطه ، ولم يقتل دواب فلا شيء عليه على المعروف من المذهب ، فإن قتل دواب يسيرة  أطعم شيئا من طعام أو كسوة أو شك افتدى عند  مالك  ، وقال  ابن القاسم     : يطعم واختلف في تعليل الفدية فقال بعض البغداديين : هي على الحلاق ، وقال  عبد الحق     : للدواب ، قال وهو الأظهر لقوله عليه السلام   لكعب بن عجرة     : ( أتؤذيك هوام رأسك ؟ قال : نعم ، قال : احلق وانسك بشاة ، أو صم ثلاثة أيام أو أطعم . .   ) الحديث ، وراعى  ابن القاسم  ما يقابل الهوام ، وهو غير متقوم فيجب شيء من طعام ، قال  مالك     : ولا يحلق شارب حلال ولا حرام بخلاف الدابة إذا أمن الفواد لما فيه من الرفاهية ، وفي ( الكتاب ) : يجوز له حلق موضع   [ ص: 310 ] محاجم محرم آخر ويحجمه إذا أمن قتل الدواب ، والفدية على المفعول به إن دعت لذلك ضرورة ، وإلا فلا ، وأصل آخر الحجامة : ما في الصحاح أنه عليه السلام احتجم بطرق مكة    - وهو محرم - وسط رأسه   . وأجازه الأئمة في غير ضرورة ، ومنعه  مالك  في ( الموطأ ) إلا لضرورة لما في ( الموطأ ) أن   ابن عمر     - رضي الله عنهما - كان يقول : لا يحجم المحرم إلا أن يضطر إليه ؛ ولأن فيه شد المحاجم ، وهو ممنوع منه ، قال  سند     : وروي عن  مالك     : لا فدية عليه في الحجامة  ما لم يحلق لها شعر لقول   ابن عمر     - رضي الله عنهما : من احتجم لضرورة فلا شيء عليه ؛ ولأنها لو وجبت الفدية من ضرورة لوجبت مع عدم الضرورة كالعصائب ، والفرق بينهما وبين العصائب والجبائر : أنها لا تدوم بخلاف الجبائر ، ولا تكره الفصادة بشد العصابة ، وتجب بها الفدية ، قال  مالك     : وله أن يبطئ جرحه ، ويحك رأسه حكا رفيقا ، وإذا دعاه محرم لحلق رأسه أو موضع المحاجم من غير ضرورة  فلا يجيبه ; لأنه إعانة على منكر ، فإن فعل وكان محرما وأمن قتل الدواب ففي ( الكتاب ) : الفدية على المفعول به ، وقاله ( ش ) ، وقال ( ح ) : على الحالق صدقة كشعر الصيد ، والحكم في الأصل ممنوع ، والفرق بين هذا وبين ما إذا أمره بقتل صيد فإن الجزاء على القاتل دون الآمر : أن الشعر تحت يد صاحبه فهو كالمستعير ، والمودع إذا تلف في يده بأمر ضمنه ، وفي الصيد ليس تحت يد واحد منهما فتغلب المباشرة على التسبب ، وفي ( الجواهر ) : إذا خلل لحيته في وضوئه أو غسله فسقط بعض شعره  فلا شيء عليه ، وتكمل الفدية بحلق ما يترفه به ، ويزول معه الأذى ، وإلا أطعم   [ ص: 311 ] شيئا من طعام ، وإن نتف ما يخفف به عن نفسه أذى - وإن قل    - افتدى ، قال  ابن القاسم     : ولا يحد  مالك  فيما دون الإماطة أقل من حفنة بيد واحدة ، وكذلك في قملة أو قملات ، والنسيان لا يكون عذرا في الحلق ، وإن أكره حلال حراما فالفدية على الحلال ، وإن حلق محرم رأس حلال  ، قال  مالك     : يفتدي ، وقال  ابن القاسم     : يجزئه شيء من الطعام لمكان الدواب ، وفي ( الكتاب ) : إن نتف شعرة أو شعرات يسيرة  أطعم شيئا من طعام ، وإن كان جاهلا أو ناسيا ، فإن نتف ما أماط به أذى افتدى ، ولا شيء فيما أزاله الشرج أو الإكاف من ساقه لعموم البلوى . 
				
						
						
