[ ص: 347 ] الباب الثامن
في الفدية
المرتبة على الترخيص بالمخيط والطيب وإلقاء التفث وغيرها
والأصل فيها قوله تعالى : ( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) [ البقرة 196 ] ، وفي ( الكتاب ) : هل هي على التخيير لورود الآية بصيغة ( أو ) وهي تقتضي التخيير لغة ؟ وفي ( الموطأ ) : معه عليه السلام محرما فأذاه القمل في رأسه فأمره عليه السلام أن يحلق رأسه ، وقال : صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين مدين لكل مسكين ، أو انسك بشاة ، أي ذلك فعلت أجزأ عنك كعب بن عجرة . ولا يفتقر إلى الحكمين ، وإن كانت القاعدة حمل المطلق على المقيد ، وقد أطلقت الكفارة ههنا ، وقيدت في الصيد بالحكم لاختلاف السبب وهو قتل الصيد والترفه . والحكم وهو لوجود الشبه ثمة ، وشاة كيف كانت ههنا ، والحمل إنما يكون إذا اتحد السبب كالوضوء والتيمم فإن السبب الحدث ، أو اتحد الحكم كالعتق في القتل ، والظهار على الخلاف في ذلك ، قال : ويستوي في التخيير المضطر والجاهل ، والنسك : شاة يذبحها حيث شاء ، ولا يشترط خروجها إلى الحل ولا دخولها فيه ، وكذلك الإطعام وهو ستة مساكين مدين لكل مسكين بمده عليه السلام من عيش ذلك البلد برا أو شعيرا ، ولا يجزئ الغذاء والعشاء لتعيينه عليه السلام مدين ، وأجزأ في كفارة الحنث لكونها مدا مدا ، والغذاء والعشاء أفضل منه ، وقال ( ش ) و ( ح ) : دم الفدية كالهدي يذبح بالحرم قبل الوقوف بعرفة ; لما في أبي داود ( كان لما حلق [ ص: 348 ] رأسه أن يهدي هديا بقرة كعب بن عجرة ) والجواب : منع الصحة أو حمله على الاستحباب ، وقال ( ش ) : لا يطعم إلا أنه عليه السلام أمر بمكة ، وقال ( ح ) : يجوز دفعه لمسكين واحد ; لأن المقصود سد الخلة على أصله في الكفارة ، قال ابن يونس ، قال محمد : إن شاء نحر البدنة ليلا أو نهارا ، وإن شاء بعيرا أو بقرة وله جعلها هديا وتقليدها ، ولا ينحرها إذا قلدها إلا بمنى أو بمكة إن أدخله من الحل ، فإن افتدى قبل الفعل الموجب لم يجزئه ، وأفضل الفدية أفضل الهدايا الإبل ثم البقر ثم الغنم ; لأنه يفرق لحما فيستحب فيه الكثرة ، ومتابعة الصوم أفضل ، ولو تبين استواء الغذاء والعشاء للمدين أجزأه ، ولو أطعم يومين أجزأه .
فصل في : والأصل في التداخل قوله تعالى : ( تداخل الفدية فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية ) الآية ، فجعل الواجب أحد الخصال مرتبا على المرض والأذى ، ولم يخص بعض المرض بشيء فيجب في حمله ما يستعمل في المرض فدية واحدة ، ويلحق به النية المتحدة والمجلس المتحد بجامع العزم على مباشرة المحظور ، وقد تقدم في باب القران أنواع التداخل في موارد الشرع وعدده وتفاصيله ، فليراجع من هناك ، وفي ( الكتاب ) : إذا ، إن نزعها بدءا منه فيها فديتان ، وإن كان ناويا مراجعتها عند مراجعة المرض ففدية واحدة نظرا لاتحاد النية ، والسبب كالحدود ، وكذلك إذا وطئ مرة بعد مرة ، ووافقنا ( ح ) إذا لبس قلنسوة لوجع ثم نزعها فعاد إليه الوجع فلبسها أو اعتقد رفضه أو اعتقد بقاءه أو تكرر الوطء في مجلس واحد فإن كان يعتقد الإحرام ، ووطئ في مجالس عليه في الأول بدنة ، وفي الثاني شاة سواء كفر عن الأول أم لا ، وعند ( ش ) إذا لم يكن كفر حتى وطئ قولان في التداخل ، وإذا لم يتداخل فهل يجب في الثاني بدنة أو شاة قولان ، لنا : أن الثاني لم يفسد الإحرام [ ص: 349 ] لتعذر إفساد الفاسد ، فلا تجب فيه كفارة ، كما لو اتحد المجلس ، ولو لبس الثياب مرة بعد مرة ناويا لبسها إلى برئه من موضعه ، أو لم يكن به وجع وهو ينوي لبسها مدة جهلا أو نسيانا أو جرأة : فكفارة واحدة لاتحاد النية ، وكذلك الطيب يتبع اتحاد النية وتعددها ، فإن وطئ وهو يعتقد الخروج من إحرامه ، ولم يخرج فكفارتان ; لتعدد السبب والنية ، وإن احتاج في فور واحد لأصناف فلبس خفين وقميصا وقلنسوة وسراويل فكفارة واحدة ، وإن احتاج إلى خفين فلبسهما ، ثم إلى قميص فلبسه فكفارتان لتعدد السبب ، وإن قلم اليوم أظفار يده وفي الغد أظفار يده الأخرى ففديتان ; لتعدد المجلس ، وإن لبس وتطيب وحلق وقلم في فور واحدة ففدية واحدة ، وإن تعددت المجالس تعددت الفدية ، وقاله ( ح ) ، وقال ( ش ) : هذه أجناس لا تتداخل كالحدود المختلفة ، لنا : أن المعتبر هو الترفه وهو مشترك بينها وبين واجب ، وموجب الجميع واحد وهو الفدية فتتداخل كحدود المسكر المختلف الأنواع ، قال داوى قرحة بدواء فيه طيب ثم قرحة أخرى بعدها ابن يونس ، قال عبد الملك : إن ففدية واحدة لسترة القميص موضع السراويل ، فلو احتاج إلى السراويل ، أولا ففديتان ، فإن احتاج إلى قلنسوة ثم بدا له فلبس عمامة أو عكس فدية واحدة ، وكذلك لو احتاج إلى قميص ثم جبة ثم فروة أو احتاج إلى قلنسوة ثم عمامة ثم إلى التظلل ، قال احتاج إلى قميص ثم استحدث السراويل مع القميص سند : إن اتصل الفعل لا يضر تقطع النية مثل استعمال دواء فيه العنبر ثم يوصف له دواء فيه المسك فيقصده بفور استعمال الأول ففدية واحدة ، وإن اتصلت النية وتقطع الفعل كالعزم على التداوي بكل ما فيه طيب فيستعمل المسك ثم العنبر : ففدية [ ص: 350 ] واحدة ، فإن تقطعا معا كما إذا لم ينجع دواء المسك فيعزم على دواء العنبر ، فلا يتداخلان للتباين من كل وجه ، والمراعى في ذلك : الفور والقرب ، وإذا احتاج إلى خفين أو ثياب لم تتعين ، وله لبس خف بعد خف ، بخلاف الطيب إذا نوى طيبا ممسكا ، فاستعمل بعده غيره فكفارة ثانية ، والفرق : أن الطيب يتلف عينه فيتعين ، واللباس إنما تتلف منافعه فلا يتعين ، وفي ( الجواهر ) : حيث قلنا : تجب الفدية باللبس ، فكذلك إذا انتفع به لحر أو برد كالنوم ، وإن لم ينتفع حتى ذكر ونزع فلا شيء عليه ، وكذلك الخف إذا نزعه على القرب .