( فروع خمسة )
الأول : ، وفي ( الجواهر ) : هي مكروهة على الإطلاق من غير تفصيل في رواية العراقيين ، وهو ظاهر الكتاب ، وظاهر الموطأ التحريم ، [ ص: 100 ] وقاله الأئمة ، وقال السباع ابن حبيب : لم يختلف المدنيون في ، وأما تحريم العادي كالأسد والنمر والذئب والكلب . غير العادي كالضب والثعلب والضبع والهر الوحشي والإنسي ، فمكروه
وقال : كل ما يفترس ويأكل اللحم فلا يؤكل ، وغيره يؤكل . لنا : قوله تعالى : ( ابن كنانة قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله ) فخرجت السباع عن التحريم .
وورد عليه أسئلة : الأول : أن هذا أجاز عن الماضي من الوحي ، فيبقى المستقبل ، فيبطل الحصر .
وثانيها : ينتقض بذبائح المجوس . وثالثها : أنها مكية ، ووجود الوحي بعد ذلك بالمدينة معلوم ، ورابعها : في الموطأ : قال ، عليه السلام : ( حرام ) زاد في أكل كل ذي ناب من السباع مسلم ( وذي مخلب من الطير ) .
والجواب عن الأول : أن ( لا ) لنفي المستقبل دون الماضي ، فليس صرفها للماضي بأولى من صرف الماضي الذي هو أرجى إلى الحالة المستمرة المشتملة على الماضي والحال والاستقبال ، بل هذا أولى ; لأن التصرف في الفعل أولى من الحرف ; لأنه محل التصريف والتصرف ، وعن الثاني : أن قيام الدليل على التخصيص لا يمنع من التمسك بالنص . وعن الثالث : أن قوله : ( لا أجد ) عام في المستقبل ، وخبره - عليه السلام - حق . وعن الرابع : أنه محمول على الكراهة جمعا بين الدليلين . سلمنا أنه للتحريم لكنه ينتقض بالثعلب ، والضبع مع قول الخصم بإباحتهما . سلمنا [ ص: 101 ] عدم المنتقض لكن إضافة المصدر إلى الفاعل أولى من المفعول ، فيكون ذو الناب هو الآكل ، فيحرم علينا ما افترسه ، ونحن نقول به .
تمهيد : أجرى الله تعالى عادته بتغيير الأغذية للأخلاق حتى وصف الأطباء قلوب الأسود من الوحش والطير للشجاعة وقوة القلب ، فمن أكل منها شيئا استحال طبعه إليه ، والسباع ظالمة غاشمة قاسية بعيدة من الرحمة ، فمنع الله تعالى بني آدم من أكلها لئلا يصير كذلك ، فتبعد من رحمته بكثرة الفساد والعناد ، فمن العلماء من نهضت عنده هذه المفسدة للتحريم ، ومنهم من لم تنهض عنده إلا للكراهة .
الثاني : ذوات الحافر المقانسة ، وفي الجواهر : الخيل مكروهة ، وقال ( ح ) : دون كراهة السباع ، وقيل : مباحة ، وقاله ( ش ) ، ، وقيل : محرمة ( وابن حنبل والبغال والحمير لتركبوها ) ( النحل : 8 ) فلو كانت يجوز أكلها لكان الامتنان به أولى ومذكورا مع الركوب . قال اللخمي : الخيل أخف من الحمير والبغال بينهما ، وفي الصحيحين : ( ، وأذن في أكل لحوم الحمر الأهلية لحوم الخيل ) . نهى - عليه السلام - عن
فرع
في ( الكتاب ) : إذا دجن حمار وحش وصار يحمل عليه لم يؤكل عند مالك نظرا لحاله الآن ، وأجازه ابن القاسم نظرا لأصله .
الثالث : ما ، وفي الجواهر : اختلف في إباحته وتحريمه اختلف في أنه ممسوخ كالفيل والدب والقنفد والقرد [ ص: 102 ] والضب لنهيه - عليه السلام - عن ثمن القرد . ولو أبيح أكله لم يحرم ثمنه ، وقيل : يجوز القرد إن كان يرعى كل الحشيش . قال أبو الوليد : ظاهر المذهب عدم التحريم .
تنبيه : في مسلم : ( ، فقال - عليه السلام - : إن أمة مسخت وأخشى أن يكون منها ، ثم قال بعد ذلك أن الممسوخ لا يعقب أكل الضباب ) في حديث آخر ، وهذا هو الصحيح ، فإنه - عليه السلام - كان يخبر بالأشياء مجملة ، ثم يفصل له ، فيقدم التفصيل على الإجمال ، وكذلك أخبر بالدجال مجملا ، فقال حينئذ : ( سئل - عليه السلام - عن ) ثم أخبر أنه إنما ينزل في آخر الزمان ، فتعليل هذه بالسبعية والاستخباث أولى . إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم ، وإن لم أكن فيكم فالمرء حجيج نفسه ، والله خليفتي عليكم
الرابع : الحيوانات المستقذرة ، ففي الجواهر : يحكي المخالفون لنا عنا جوازها ، وهو خلاف المذهب لقوله تعالى : ( ويحرم عليهم الخبائث ) ( الأعراف : 157 ) وقاله الأئمة ، وأباح الضب ; لأنه أكل على [ ص: 103 ] مائدته - عليه السلام - ولم ينكره ، خرجه ابن حنبل مسلم .
واتفق الأئمة على لقوله - عليه السلام - في البخاري : ( إباحة الجراد ، فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ) والغالب موته ، فلو كان ينجس بالموت لما أمر بذلك صونا للطعام عن النجاسة ، فيكون أصلا لا نفس له . وقوله ، عليه السلام : ( ) والعجب من نقل الجواهر مع قوله في الكتاب : لا بأس أحلت لي ميتتان الحوت والجراد . بأكل الجلد والوبر
، ولا بأس وإذا ذكيت الحيات موضع ذكاتها جاز أكلها لمن احتاج إليها ، وهو مما إذا ذكيت ذكاة الجراد . بأكل خشاش الأرض ; لأنها من صيد الماء ، والحلزون كالجراد ، فيؤكل منه ما سلق ، أو شوي ، وما مات فلا ، فأي شيء بقي من الخبائث بعد الحشرات والهوام والحيات . وتؤكل الضفادع وإن ماتت
فائدة : ذكاة الحيات لا يحكمها إلا طبيب ماهر ، وصفتها : أن يمسك برأسها وذنبها من غير عنق ، وهي على مسمار مضروب في لوح ، يضرب بآلة حادة رزينة عليها ، وهي ممدودة على الخشبة في حد الرقيق من رقبتها وذنبها من الغليظ الذي هو وسطها ، ويقطع جميع ذلك في فور واحد بضربة واحدة ، فمتى بقيت جلدة يسيرة فسدت وقتلت بواسطة جريان السم [ ص: 104 ] من رأسها في جسمها بسبب عصبها أو ما هو قريب من السم من ذنبها في جسمها ، وهذا معنى قوله : موضع ذكاتها .
فرع
قال اللخمي : قال مالك في ( الكتاب ) : لا أكره ، ولو كرهت ذلك لكرهت الطير الآكل للنجاسة ، وكرهها الجلالة من الأنعام ابن حبيب وحرمها ( ش ) إن تغيرت رائحة لحمها ، وإلا فلا ، وقال : إن كان أكثر علفها النجاسة حرم لبنها ولحمها ، وفي بيضها قولان له لما في أبي داود : ( ابن حنبل . نهى - عليه السلام - عن أكل الجلالة وألبانها )
وأما . قال النبات المسقي بالنجاسة اللخمي : كرهه مالك وأباحه ( ش ) وفرق بينه وبين الحيوان ، فإن نفس النجاسة المستقذرة يشاهد دخولها في الحيوان ، فتعافه النفوس ، فيصان الإنسان عنه بخلاف النبات .
فائدة : مشتقة من الجلة بكسر الجيم ، وشد اللام ، وهي العذرة . الجلالة
تمهيد : قد يتخيل الفقيه أن الجواب عن قوله تعالى : ( ويحرم عليهم الخبائث ) عسير ، وليس كذلك لقوله : ( والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ) ( الأعراف : 58 ) ، والمراد ضعف الإنبات ، وقوله تعالى : ( الخبيثات للخبيثين ) ( النور : 26 ) والمراد العصاة ، وقوله تعالى : ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ) ( البقرة : 167 ) والمراد به الدنية ، وقوله تعالى : ( ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة ) ( إبراهيم : 26 ) المراد به المؤلمة ، وإذا كان الخبيث يطلق على معان مختلفة بقي محتملا ، فسقط [ ص: 105 ] الاستدلال به ، أو يحمل على المستبعد في نظر الشرع ; لأن القاعدة حمل كلام كل متكلم على عرفه ، والبعد في نظر الشرع إنما يعلم بدليل شرعي ، والنزاع فيه .
الخامس : الطير ، ففي الجواهر : كله مباح وغيره ، وقاله في الكتاب . وروي عن ذو المخلب مالك لا يؤكل ذو المخلب ، وقاله ( ش ) لنهيه - عليه السلام - في الحديث المتقدم عنه ، والجواب عنه : أنها زيادة لم يروها وابن حنبل ولا الزهري مالك ولا غيرهما ، والمنفرد بها قليل الرواية .
والفرق المشهور بأن الاستخباث في الظلم والسبعية في السباع والوحش أعظم ، وهو علة التحريم ، والقصور في العلة يمنع من الاستواء في الحكم .
وفي الكتاب كراهة الخطاف ونحوها . قال أبو الطاهر : ولعله لقلة لحمها فيكون تعذيبا من غير فائدة ، وقال الأستاذ أبو بكر : ، وهو عقد المذهب في رواية يؤكل جميع الحيوان من الفيل إلى النمل والدود وما بين ذلك ، إلا الآدمي والخنزير العراقيين إلا أن منه مباحا ومنه مكروها .
وأما النبات والجماد : ففي الجواهر تحريم ما كان نجسا ، فإن خالط الطاهر نجس ، فالمائع يطرح جميعه ، والجامد تطرح النجاسة وما حولها ويؤكل ، وقد تقدم في كتاب الطهارة دليله وتفصيله ، ولا يؤكل المغير بالأجسام ، وقاله ( ش ) . وابن حنبل
ويكره ، وحرمه آكل الطين عبد الملك لإفساده الأجسام ، وما كان طاهرا ولا ضرر فيه أبيح .
وحرم ( ش ) المخاط والمني ، وإن كان طاهرا عنده ، ونحوهما من المستقذرات .