القطب الرابع : العقد نفسه ، وفيه تسعة فصول :
الفصل الأول : في
nindex.php?page=treesubj&link=10864صيغته ، وفي الجواهر : هي لفظ يقتضي الملك على التأبيد كالنكاح ، والتزويج ، والتمليك ، والبيع ، والهبة ونحوها ، قال
القاضي أبو الحسن : ولفظ الصدقة ، وقال الأصحاب : إن قصد بلفظ الإباحة النكاح صح ، ويضمن المهر ، ويكفي قول الزوج : قبلت بعد الإيجاب من الولي ، ولا يشترط قبلت نكاحها ، ولو قال للأب في البكر أو بعد الإذن في الثيب : زوجني ، فقال : فعلت ، أو : زوجتك ، فقال : لا أرضى ، لزمه النكاح لاجتماع جزأي العقد ، فإن السؤال رضا في العادة ، وقال صاحب المقدمات ألا ينعقد إلا بلفظ النكاح أو التزويج دون غيرهما من ألفاظ العقود ، وفي الهبة قولان : المنع ، كمذهب ( ش ) ، والجواز ، كمذهب ( ح ) ; لأن الطلاق يقع بالصريح والكناية ، فكذلك النكاح ، ويرد عليه أن الهبة لا تنعقد بلفظ النكاح فكذلك العكس ، وأن النكاح مفتقر إلى الصريح ليقع الإشهاد عليه ، قال صاحب الاستذكار : أجمعوا على أنه لا ينعقد بلفظ الإحلال والإباحة ، فتقاس عليه الهبة ، وقال صاحب القبس :
[ ص: 397 ] جوزه ( ح ) بكل لفظ يقتضي التمليك على التأبيد ،
ومالك بكل لفظ يفهم منه المتناكحان مقصدهما ، وقال صاحب المنتقى : قال
عبد الوهاب : ينعقد بكل لفظ يقتضي التمليك المؤبد كالهبة ، والبيع ، وزاد
أبو الحسن لفظ الصدقة ، وسواء ذكر الصداق في الهبة والصدقة أم لا ، وقال المغيرة : لا ينعقد إلا بلفظ التزويج والنكاح ، وقاله ( ش ) ; لأنهما المذكوران في القرآن : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=22ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ) ( النساء : 22 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها ) ( الأحزاب : 37 ) ، ووافقه
nindex.php?page=showalam&ids=12251ابن حنبل ، وأجابوا عما احتججنا به بما ورد في الحديث (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349327ملكتكها بما معك من القرآن ) رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري مع أن الحديث ورد بألفاظ مختلفة ، والقصة واحدة فيستحيل اجتماعها بل الواقع أحدها ، والراوي روى بالمعنى فلا حجة فيه ولم يستثن ( ح ) غير الإجارة ، والوصية ، والإحلال ، وجوزه بالعجمية وإن قدر على العربية ، والجواب بقوله : فعلت .
قاعدة : كل حكم شرعي لا بد له من سبب شرعي ، وإباحة المرأة حكم فله سبب يجب تلقيه من السمع فما لم يسمع من الشرع لا يكون سببا ، وعلى هذه القاعدة اعتمد ( ش ) ،
والمغيرة ، وهو ظاهر كلام صاحب المقدمات في النقل عن المذهب .
قاعدة : الشرع كما ينصب خصوص الشيء سببا كرؤية الهلال ، والزوال ، والقتل العمد العدوان ، فكذلك ينصب مشتركا بين أشياء ويلغي خصوصياتها كألفاظ الطلاق ، فإن المقصود منها : ما دل على
[ ص: 398 ] انطلاقها من عصمة النكاح ، وألفاظ القذف المقصود منها : ما دل على النسبة إلى الزنا أو اللواط ، وألفاظ الدخول في الإسلام المقصود منها : ما دل على مقصود الرسالة النبوية . والنكاح عندنا على ما حكاه من تقدم ذكره من هذه القاعدة .
ويدل على ذلك أنه ورد بألفاظ مختلفة في الكتاب والسنة ، والأصل عدم اعتبار الخصوص فيتعين العموم وهو المطلوب .
قاعدة :
nindex.php?page=treesubj&link=21088يحتاط الشرع في الخروج من الحرمة إلى الإباحة أكثر من الخروج من الإباحة إلى التحريم ; لأن التحريم يعتمد المفاسد ، فيتعين الاحتياط له ، فلذلك حرمت المرأة بمجرد عقد الأب ، ولا تحل المبتوتة إلا بالعقد ، والوطء الحلال ، والطلاق ، وانقضاء العدة والعقد الأول ، فلهذه القاعدة أوقعنا الطلاق بالكنايات ، وإن بعدت حتى أوقعناه بالتسبيح والتهليل إذا أريد به الطلاق ; لأنه خروج من الحل فيكفي فيه أدنى سبب ، ولم يجز النكاح بكل لفظ بل بما فيه قرب من مقصود النكاح ; لأنه خروج من الحرمة إلى الحل ، وجوزنا البيع بجملة الصيغ والأفعال الدالة على الرضا بنقل الملك في العوضين ; لأن الأصل في السلع الإباحة حتى تملك بخلاف النساء ، ولعموم الحاجة للبيع ، ولقصوره في الاحتياط عن الفروج ، فإذا أحطت بهذه القواعد ظهر لك اختلاف موارد الشرع في هذه الأحكام ، وسبب اختلاف العلماء ، ونشأت لك الفروق والحكم ، والله تعالى يهدينا سواء السبيل .
الْقُطْبُ الرَّابِعُ : الْعَقْدُ نَفْسُهُ ، وَفِيهِ تِسْعَةُ فُصُولٍ :
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=10864صِيغَتِهِ ، وَفِي الْجَوَاهِرِ : هِيَ لَفْظٌ يَقْتَضِي الْمِلْكَ عَلَى التَّأْبِيدِ كَالنِّكَاحِ ، وَالتَّزْوِيجِ ، وَالتَّمْلِيكِ ، وَالْبَيْعِ ، وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا ، قَالَ
الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ : وَلَفَظُ الصَّدَقَةِ ، وَقَالَ الْأَصْحَابُ : إِنْ قَصَدَ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ النِّكَاحَ صَحَّ ، وَيَضْمَنُ الْمَهْرَ ، وَيَكْفِي قَوْلُ الزَّوْجِ : قَبِلْتُ بَعْدَ الْإِيجَابِ مِنَ الْوَلِيِّ ، وَلَا يُشْتَرَطُ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا ، وَلَوْ قَالَ لِلْأَبِ فِي الْبِكْرِ أَوْ بَعْدَ الْإِذْنِ فِي الثَّيِّبِ : زَوِّجْنِي ، فَقَالَ : فَعَلْتُ ، أَوْ : زَوَّجْتُكَ ، فَقَالَ : لَا أَرْضَى ، لَزِمَهُ النِّكَاحُ لِاجْتِمَاعِ جُزْأَيِ الْعَقْدِ ، فَإِنَّ السُّؤَالَ رِضًا فِي الْعَادَةِ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ أَلَّا يَنْعَقِدَ إِلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ أَوِ التَّزْوِيجِ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ أَلْفَاظِ الْعُقُودِ ، وَفِي الْهِبَةِ قَوْلَانِ : الْمَنْعُ ، كَمَذْهَبِ ( ش ) ، وَالْجَوَازُ ، كَمَذْهَبِ ( ح ) ; لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ ، فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ فَكَذَلِكَ الْعَكْسُ ، وَأَنَّ النِّكَاحَ مُفْتَقِرٌ إِلَى الصَّرِيحِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ ، قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ : أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِحْلَالِ وَالْإِبَاحَةِ ، فَتُقَاسَ عَلَيْهِ الْهِبَةُ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ :
[ ص: 397 ] جَوَّزَهُ ( ح ) بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ عَلَى التَّأْبِيدِ ،
وَمَالِكٌ بِكُلِّ لَفْظٍ يَفْهَمُ مِنْهُ الْمُتَنَاكِحَانِ مَقْصِدَهُمَا ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى : قَالَ
عَبْدُ الْوَهَّابِ : يَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ الْمُؤَبَّدَ كَالْهِبَةِ ، وَالْبَيْعِ ، وَزَادَ
أَبُو الْحَسَنِ لَفْظَ الصَّدَقَةِ ، وَسَوَاءٌ ذُكِرَ الصَّدَاقُ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ أَمْ لَا ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ : لَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ وَالنِّكَاحِ ، وَقَالَهُ ( ش ) ; لِأَنَّهُمَا الْمَذْكُورَانِ فِي الْقُرْآنِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=22وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ) ( النِّسَاءِ : 22 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ) ( الْأَحْزَابِ : 37 ) ، وَوَافَقَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251ابْنُ حَنْبَلٍ ، وَأَجَابُوا عَمَّا احْتَجَجْنَا بِهِ بِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349327مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ) رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ ، وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ فَيَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهَا بَلِ الْوَاقِعُ أَحَدُهَا ، وَالرَّاوِي رَوَى بِالْمَعْنَى فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ ( ح ) غَيْرَ الْإِجَارَةِ ، وَالْوَصِيَّةِ ، وَالْإِحْلَالِ ، وَجَوَّزَهُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ ، وَالْجَوَابِ بِقَوْلِهِ : فَعَلْتُ .
قَاعِدَةٌ : كُلُّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ ، وَإِبَاحَةُ الْمَرْأَةِ حُكْمٌ فَلَهُ سَبَبٌ يَجِبُ تَلَقِّيهِ مِنَ السَّمْعِ فَمَا لَمْ يُسْمَعْ مِنَ الشَّرْعِ لَا يَكُونُ سَبَبًا ، وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ اعْتَمَدَ ( ش ) ،
وَالْمُغِيرَةُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُقَدِّمَاتِ فِي النَّقْلِ عَنِ الْمَذْهَبِ .
قَاعِدَةٌ : الشَّرْعُ كَمَا يَنْصِبُ خُصُوصَ الشَّيْءِ سَبَبًا كَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ ، وَالزَّوَالِ ، وَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ ، فَكَذَلِكَ يَنْصِبُ مُشْتَرِكًا بَيْنَ أَشْيَاءَ وَيُلْغِي خُصُوصِيَّاتِهَا كَأَلْفَاظِ الطَّلَاقِ ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا : مَا دَلَّ عَلَى
[ ص: 398 ] انْطِلَاقِهَا مِنْ عِصْمَةِ النِّكَاحِ ، وَأَلْفَاظُ الْقَذْفِ الْمَقْصُودُ مِنْهَا : مَا دَلَّ عَلَى النِّسْبَةِ إِلَى الزِّنَا أَوِ اللِّوَاطِ ، وَأَلْفَاظُ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ الْمَقْصُودُ مِنْهَا : مَا دَلَّ عَلَى مَقْصُودِ الرِّسَالَةِ النَّبَوِيَّةِ . وَالنِّكَاحُ عِنْدَنَا عَلَى مَا حَكَاهُ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ .
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْخُصُوصِ فَيَتَعَيَّنُ الْعُمُومُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ .
قَاعِدَةٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=21088يَحْتَاطُ الشَّرْعُ فِي الْخُرُوجِ مِنَ الْحُرْمَةِ إِلَى الْإِبَاحَةِ أَكْثَرَ مِنَ الْخُرُوجِ مِنِ الْإِبَاحَةِ إِلَى التَّحْرِيمِ ; لِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ ، فَيَتَعَيَّنُ الِاحْتِيَاطُ لَهُ ، فَلِذَلِكَ حُرِّمَتِ الْمَرْأَةُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْأَبِ ، وَلَا تَحِلُّ الْمَبْتُوتَةُ إِلَّا بِالْعَقْدِ ، وَالْوَطْءِ الْحَلَالِ ، وَالطَّلَاقِ ، وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَوْقَعَنَا الطَّلَاقَ بِالْكِنَايَاتِ ، وَإِنْ بَعُدَتْ حَتَّى أَوْقَعْنَاهُ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ إِذَا أُرِيدَ بِهِ الطَّلَاقُ ; لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنَ الْحِلِّ فَيَكْفِي فِيهِ أَدْنَى سَبَبٍ ، وَلَمْ يَجُزِ النِّكَاحُ بِكُلِّ لَفْظٍ بَلْ بِمَا فِيهِ قُرْبٌ مِنْ مَقْصُودِ النِّكَاحِ ; لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنَ الْحُرْمَةِ إِلَى الْحِلِّ ، وَجَوَّزْنَا الْبَيْعَ بِجُمْلَةِ الصِّيَغِ وَالْأَفْعَالِ الدَّالَّةِ عَلَى الرِّضَا بِنَقْلِ الْمِلْكِ فِي الْعِوَضَيْنِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي السِّلَعِ الْإِبَاحَةُ حَتَّى تُمْلَكَ بِخِلَافِ النِّسَاءِ ، وَلِعُمُومِ الْحَاجَةِ لِلْبَيْعِ ، وَلِقُصُورِهِ فِي الِاحْتِيَاطِ عَنِ الْفُرُوجِ ، فَإِذَا أَحَطْتَ بِهَذِهِ الْقَوَاعِدِ ظَهَرَ لَكَ اخْتِلَافُ مَوَارِدَ الشَّرْعِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ ، وَسَبَبُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ ، وَنَشَأَتْ لَكَ الْفُرُوقُ وَالْحِكَمُ ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَهْدِينَا سَوَاءَ السَّبِيلِ .